البطل ...

* آهِ ياجَدِّي لو نملك السلاح ...

* الإعداد والسلاح أمر لابد منهما ــ يابنيَّ ــ  ولكن لابد من وجود الإيمان بالله ،فالإيمان هو وقود التغيير ، ولا يكون التغيير إلا بعد الغليان  ، وبه تُصنع المعجزات ، وتتحقق الإنجازات ، فلا تخشوا كثرة هؤلاء المجرمين ولا تهابوا أسلحتهم الفتاكة ، فإنهم جنود الشَّرِّ ، لايملكون قيم الحياة ، ولا يعرفون مناهج الإصلاح ، ولن تجدوا في سِيرِهم البغيضة وسلوكهم المشين لوحة خير ، أو صفحة فضل ، أو عنوانا لمعنى إنسانيٍّ نبيل ...

* نعم ياجَدِّي هذا ماعرفناه عنهم من قبل ومن بعد ، وهذا مالمسناه اليوم ونحن نقاتلهم بصدورنا العارية ، وبأيدينا التي تحمل رايات التسامح والإخاء دفاعا عن ديننا وأعراضنا وأموالنا وأوطاننا ... آه ياجدي ، إنهم لايفهمون إلا لغة الصواريخ الموجهة إلى بيوت المواطنين الآمنين ، لقد تركوا الجبهة على حدودنا مع الصهاينة ، وانقضوا على مَن سلَّحهم وأحبهم وسمَّاهم حماة الديار ...

* هؤلاء يابنيَّ لايريدون أن يفهموا معاني هذه القيم ،لأنهم ليسوا من أهلها ، والتاريخ مليء بقصص هؤلاء الأشرار ، جنود إبليس عليه وعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .  وكأنهم خُلقوا لشهواتهم واستكبارهم ، حيث جنَّدهم أعداء الإسلام لإبادة المسلمين ، وتمكين ملل الكفر والضلال في الأرض ...

*  هم يملكون القوة ياجَدِّي ...

* هذا صحيح يابنيَّ ، ولكن يجب أن لاننسى أن الشعب هو الأقوى ، وهو الأبقى ، فهؤلاء زائلون ، زائلون لامحالة ، وهذا ناموس الله في أرضه ، وتلك عهوده للنَّبيِّين ، ومَن أوفى بعهده من الله ...

* إنهم يقتلون وينهبون ويسرقون ، لقد ارتكبوا الفظائع ــ ياجدِّي ــ ذبحوا الأطفال ، سملوا أعين الشباب ، انتهكوا أعراض الحرائر الطاهرات ، حرقوا الأجساد ، فظائع ... فظائع !!!

* أجل يابنيَّ ... هذا اختبار الله للمسلمين ، لابد من السَّراء والضَّراء ، ولا بدَّ من الزلزلة التي تمحص قلوب أبناء الأمة ، ليخرج الله الصفوة من عباده ، ويحق الحق ويبطل الباطل ، إنها يابنيَّ ساعات العسرة التي تزيغ فيها القلوب وتبلغ الحناجر ( يجهش الجَّدُّ بالبكاء ) ...

* تبكي ياجَدِّي ...

* تغلبني رحمةُ قلبي بما أصاب الأطفال والنساء ، لقد مرَّت الليالي ــ والله ــ لم تغمض لي فيها عين أو يرقأ لي دمع ، إنهم أبناؤنا ، وإنها أمتنا التي تكالب عليها الأعداء ، ولعل الله عزَّ وجلَّ يتوب على التائبين ، ويعفو عن المتخلفين ، ولعل الله أذن بالتغيير ، وهذه بشائره ...

* بشرَّك الله بالخير ياجَدِّي ، وأستأذنك الآن فقد حان موعد لقائنا لنأخذ أمكنتنا ونتصدَّى للأشرار أبناء القردة من المجوس ، ادعُ الله لنا ياجَدِّي ( يقبل يد جده ويخرج ) .

* وفقكم الله ونصركم على أعداء أمتنا ، اللهم سلِّمهم وادفع عنهم كيد المثبطين ، ومكر المنافقين ، حفظك الله ياحمزة ، كان بودي أن أحدثك يابنيَّ عن البطل الحقيقي الذي يتم النصر والتغيير على يديه بإذن الله ...

* غدا صباحا ــ إن شاء الله ــ ياجدي ... أستودعك الله .

* ( يرفع الجد يديه إلى الله وهو يدعو لهم بالثبات والنصر ... ) لا إِلَه إِلاَّ اللَّه العظِيمُ الحلِيمُ ، لا إِله إِلاَّ اللَّه رَبُّ العَرْشِ العظِيمِ ، لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّه رَبُّ السمَواتِ ، وربُّ الأَرْض ، ورَبُّ العرشِ الكريمِ ،اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ِ وأصلح لي شأني كله لاإله إلا أنت ، الله ربي لاأشرك به شيئاً .  لاإله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، اللهم احفظهم وانصرهم واهزم أعداءَهم يارب العالمين . ( قام الجد وجدد وضوءه وراح يصلي لله ... ( ثم اتكأ على وسادته محاولا النوم ، ولكن أنَّى له أن ينام ، فأحفاده الثلاثة في قلب المعركة ، والرابع اصطفاه الله شهيدا ،واثنان من أولاده في المعتقلات ... )  اعتدل في جلسته من جديد ، وراح يتلو آيات بيِّنات من سورة التوبة يتهدج بها صوته الحزين  ، وكأنه يستذكر ماجرى لجيل النبوة الأول من الأهوال والشدائد ، كما يتهدج هو في مشيته عند ذهابه إلى المسجد لأداء المفروضات ، قبل أن يمنع الظالمون الناس من الذهاب إلى بيوت الله . وكما يتهدج هو بعطفه ومودته على أولاده وأحفاده عندما يودعونه ويخرجون إلى ميادين الجهاد مع بقية الثوار .  ويتملَّى في ساعته التي رافقته لأكثر من ثلاثين عاما ، آهٍ لقد حان وقت أذان الفجر ، ولكن أين الملا صالح مؤذن المسجد ؟ وأين إمامه الشيخ أحمد ... وتنساب الدموع من عينيه مرة أخرى ، لقد رحلا إلى ربهما بعد أن صوَّب المجرمون صواريخهم شطرَ المسجد ، فتساقطت أحجاره على رؤوس المصلين ، وكان من بين الشهداء إمام المسجد ومؤذنه وآخرون كثير ... وصلى الفجر منفردا على غير عادته لأكثر من سبعين عاما خلت ، وجلس يذكر الله ويستغفره ويصلي ويسلم على نبيِّه عليه الصلاة والسلام ، وتأخذه سِنة من النوم ، لتسبح روحه في ملكوت مالك الملك ، فيرى النبيَّ صلى الله عليه وسلم في منامه ، يحدثه ويبشره ، وفتح عينيه واعتدل في جلسته مرة أخرى ووجهه يطفح بالبِشرِ ، وإذ بحفيده حمزة وعدد من إخوانه الثوار يجلسون حوله ، فقد عادوا للتَّوِّ من مقارعة الأشرار المجرمين ، وقاموا يعانقون الشيخ ويقبلون يده ورأسه ، كانت عيناه تهملان بالدموع وهم يقصون عليه عن بعض ماجرى لهم مع عساكر الطاغوت المجرم ، وعن المسيرة الشعبية الحاشدة التي هزَّت جنبات المدينة بالتكبير والتهليل ...

* قال حمزة وعدتني ياجدي أن تحدثني عن البطل الحقيقي الذي يصنع النصر بمشيئة الله

* نعم يابني ( وأصغى الفتيان إلى الشيخ وهو يقص عليهم القصص ... ) كان في الهند كما تذكر السِّير حاكم ظالم مستكبر عتل زنيم مثل حاكمنا هذا ، وكان الشعب يخاف سطوته وجبروته ، ولا يتجرأ أحد أن يشكو له أو يشتكي مهما كانت المظلمة ، وكان لدى هذا الحاكم فِيلة تعيش في بساتين أعدها هو لهذه الحيوانات ، و تخرج الفيلة في أي وقت شاءت فتهاجم الدكاكين والبيوت وتأكل وتبعثر كل ماتجده أمامها ، وربما دهست على الأطفال والنساء فتسحق الرؤوس ...

* قال حمزة : سبحان الله كما تفعل دبابات حاكمنا المجرم اللعين ...

* قال الجد : تماما يا أبنائي ، فطينة الطغاة المجرمين أصلها واحد ، وازداد استكبار الحاكم ، وازداد معه غليان قلوب أبناء الشعب ، فقام أحدهم وألقى فيهم كلمة استنهض فيها الهمم ، وأوقد نار الإباء والكرامة عند الإنسان ، فغلت القلوب ، وفارت الأكباد ، وقرروا أن يهجموا على قصر الحاكم الجائر هجمة رجل واحد ، فتعاهدوا على ذلك ، وأقسموا أن يقتلوا هذا المجرم ، وأن لا يتراجعوا كما فعلوا ذات يوم . وانطلقت مسيرة الثوار الشعبية تهدر كأمواج بحر لاساحل له ، وحاصروا القصر من جوانبه الأربعة ، وتغلبوا على حراسه ، واقتحموا الباب ، ووصلوا إلى المجرم الذي عانوا من جبروته وطغيانه الليالي والأيام ، واقتاده بعض الرجال الأشداد ، وربطوه على شجرة في حديقة قصره المنيف ، وانهال عليه الشعب ضربا بالأحذية والحجارة حتى هلك ...

* قال حمزة ... آهِ ياجدي لقد عرفت من البطل الحقيقي ، نظر إليه جَدُّه ...

* نعم يا أبنائي لابد وأنكم عرفتم من البطل الحقيقي ...

* الفتيان ... إنه الشعب ...

* نعم يا أولادي الشعب هو صاحب الإرادة والقدرة الخارقة ، والشعب يُحفزه الغليان الذاتي  الذي أشعلته المصائب والأرزاء التي صبَّها هذا الحاكم الحاقد اللئيم ، ويبقى الغليان الشعبي هو باب الأمل ، وصهوة الطموح الذي يحيي القيم ،  وينشر ألوية النصر ، هذا لكل شعوب الأرض ، فما بالكم بشعب نبيُّه مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم ، ودينه الإسلام ، وشريعته القرآن ،وقد أنزل الله ملائكته نصرة  له يوم بدر ويوم حنين ويوم الأحزاب ...

أبشروا يا أولادي ، فوالله لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر بالنصر القريب ، فاتقوا الله وتوكلوا عليه ، وإن موعدهم الصبح ، أليس الصبح بقريب .

وسوم: العدد 829