المقامة التركستانية

clip_image002_dd346.jpg

حدثني بمن هو الأحداث خبير وفي علم الرجال أمير :

        أن مائة مليون مسلم ويَزيد في الصين تحت المِقصلة , فاندهشتُ وطلبتُ تبسيط المسألة , فنحن في القرن الحادي والعشرين , وينبغي ألا يكون ثمة اضطهاد بسبب العِرق أو الجنس أو اللون أو الـدِّيــن, وانقضَى زمن السُّخرة والرقيق, وبهذا انعقدت المعاهدات وتحدثت المواثيق  !

       قال: دعك من هذا يا رفيق , أما زلتَ تُحسن الظَّن بهذا العالَم المنافق , الذي يزعم أنه يُكرِّم الصالح ويزجر الآبق , إنه يُصب جامَّ غضبه على الإسلام , ويزعم – كبرتْ كلمة تخرج مِــن فــيه- أنه دين الإرهاب وأساس الظلام-  ولم يدر المغبون أن الإسلام دين السلام ومنبع النور, ومن يسلك طريقه يصاحبه السرور , ويحيا في حبور , وتجارته  - بإذن الله -لا تـبــور .

       قلت , وماذا عن مسلمي الإيغور , الذين في الصين - بلا ذنب - يقتَّلون , وفي تركستان الشرقية  كالنعاج يُذبَّحون , أليس لهم إِخْوةٌ في الإسلام يدافعون ؟! وعنهم ينافحون ؟! قال: ذكرتني بالشاعر عمر أبو ريشة , الذي استنكر تلك المعيشة , فقال في مثل هذا الأمر من قديم الدهر :

ربَّ وامعتصماهُ انطلقت   ملءَ أفواهِ البناتِ اليُتّمِ

لامَستْ أسماعهم لكنها    لم تلامس نخوةَ المعتصمِ

ثم قال : مسلمي الصين باتت حقوقهم معدومة, وشعائرهم مهضومة , ولا حق لهم في صلاة أو صيام , أو قرآن أو قيام , والحرب لم تضع أوزارها بعد, ومشعلو نارها ذرية بعضها من بعض .

وإذ بنا نسمع- من مكان ليس عنا ببعيد- صوتًا مشجونًا , وترنمًا بالشعر محزونًا  , يقول:

إنِّـي تذكـرت والذكـرى مؤرقـة   مجـدا تلـيـدا بأيديـنـا أضعـنـاه

 أنَّى اتجهت إلى الإسـلام فـي بلد   تجده كالطيـر مقصوصـا جناحـاه كـم صرفتنـا يـدٌ كنـا نصرفـهـا   وبـات يملكـنـا شـعـبٌ ملكْـنـاه

ثم أقبل البعيد إلينا وئيدا منكسر , والدموع  على خديه تسيل وتنهمر , ثم أقبل بوجهه علينا  ووجه حديثه إلينا , وقال : هل أزيدكم من الشعر بيت , أم أنصرف من هذا المجلس  وأعود إلى البيت , قلنا له: هاتِ ما عندك ؛ فالحديث ذو شُجون , وظهرك يا هذا صار من الهَمِّ كالعُرجون , فجلس القرفصاء , وتكلم كالحُكماء , ثم قال في تنهُّــــد , أتعلمان أنهم منعوا التسمية باسم مُحمَّــد ,  وأن هناك معسكرات اعتقال لأكثر من مليون مسلم , وفرَّقوا بين الوالد وولده , والزوج وزوجه , وأجبروهم على شرب الخمور , وارتكاب المحظور, ونبش القبور , وكشف العورات , واقتراف المحرمات .

 قال صاحبي : وأين دور العلماء , وساسة المسلمين والزعماء ؟

قال أسمعت قول زهير بن أبي سُلمى , يعطي النصيحة العُـظـمى :

وَمَنْ يَكُ ذَا فَضْـلٍ فَيَبْخَلْ بِفَضْلِـهِ  عَلَى قَوْمِهِ يُسْتَغْـنَ عَنْـهُ وَيُذْمَـمِ.

قلتُ : أتعني أن القوم تركوا المسلمين هناك يواجهون مصيرهم بصدور عارية , وليس هناك عالم يتحرك , أو داعية يتحرق ؟

      قال : بات الكل في همه مشغول , والمخلص منهم على الصمت مجبور , والحديث  عن هذه الأخطار محظور , ولله عاقبة الأمور.

فساد الوجوم المكان , بعد سماع نعيق الغربان , وحدث ما ليس في الحسبان , فقد سمعنا عبر الأثير أن الهند حَرَمت مسلميها من الجنسية , وزعموا أنهم أساس كل بلية , فأغلقنا المذياع وحوقلنا , فلم نك نملك غير الدعاء , وإنكار المنكر في خفاء , خشية الرقباء .

وسوم: العدد 856