قصص قصيرة 880

الطريق من هنا

ملَّ الولوج في هذا الأفق السَّاذج ، واشمأزت نفسُه من تتابع هذه اللوحات الرمادية الباهتة أمام عينيه ، وتملكه خوف ... خوف محدق بتلابيب أفكاره المبعثرة ، أيتابع الصعود على هذا المنحدر الذي يشعر بانزياحه نحو الهاوية ، ترتعد فرائصه كلما تقدم خطوة إلى الأمام ، شعر بالخور ، لكن لابد من إتمام الطريق  ، جلس على حافة قلقه ، مسترخيا على شجرة عوسج حيث لم يبق سوى جذعها ، تنهد حزنُه ، وشردت عينُه في الأفق الآخر ، وإذا بلوحة تتلألأ حروف كلماتها الحانية : انتبهْ فالطريق ليس من هنا ... 

*خطط

في الشارع العام..

حيث تزرع الدرب كل يوم ذهابا وإياب

كل يوم هناك ما يُبنى..

والغريب أن ما بُني بالأمس يُهدم في الغد

وما هُدم اليوم.. عُمّر بالأمس

ودائما لديهم مبررات للهدم والإعمار..

بحجة تمديد الكهرباء..

أو إيصال الماء أو مراكز جديدة

أو خطط جديدة

خطط !!!

إذا هنالك من يخطط... لابد من أنه أوعى مني ومنك

فهو يخطط

وذاك المُخطّط. دائما يتجدد..

اليوم رجل ستيني بربطة عنق فاخرة ونظارة أنيقة... خطوط وجهه تقصّ أي زمان عاش ...

يخطط للبناء هنا.. وللردم هناك..

وفي اليوم التالي امرأة ثلاثينية..

بكعب عال.. وأحمر شفاه لامع...

تهدم ما بناه الستيني.. وتُعمّر ما ردمه !!!

بعد أيام... لاشيء.. سوى رعود طائرات.. يهدم الخُطط والمُخَطّط.. والمُخططين.....

تمضي شهور.. بل أكثر بقليل.. لتتخرج دفعة جديدة..

بملامح /رسوم أحدث..

هنا سنبني برجًا...

وهنا مطعمًا... وهناك مدرسةً

وهذا الدمار الواسع سنجعله حديقة.. بأزهار ملونه

وخضرة ممتدة.. ألعاب وأضواء.. بركة مياه.. بل شلالات..

بعد شهور...

أحد ما لا يذهب لمدرستهم.. لايسكن برجهم.. لا يلهو بحديقتهم

لا أحد... فلا أحد هنا سواهم

بين أمل التفاؤل.. وبؤس التشاؤم.. تترنّح الأمنيات

لذاك المُخَطط.. ولتلك المعمّرة /الهادمة..

رفقاً... فلازال بالعُمر بقيّة

*انتظار 

    ابنتي العزيزة وهذا الثالث ، مدَّ يمناه يطلب يدك مني ،جيبُه مليء ، ومكانته الصدارة ، طأطأت ناصيتَها ، واتكأت على رصيفها في زاوية القلق ،يابُنَيَّتي الأول دَفَعَتْْهُ دمعتُك السخينة ، والثاني أعاده مُطلُكِ من حيثُ أتى ... قطارُ عمرك يتهيأ للمسير ، فارتدي ثوبك المزخرف بالزغاريد قبل ... أريدُه حبَّك لي ، وبِرَّ أمي بي ، وحُنُوَّ أخي عليَّ ،قالتها ورأسُها تثقلُه حسرتُها يومَ وفاة أمها،رفع رأسها إلى أعلى ، فإذا عيناها تذرفان ...

*حضور 

    أبدَعَتْهُ لكَ تقنيةُ الإبداع المجاورة ، وامتدادُه يؤكد شَهد الوجبة المفضلة على مائدة ذوقك الجديد ،لوى رأسه جانبا يلوك خيبتَه العارمة ، يلملم أجزاءَها المبعثرة ، فرك عينيه للمرة الرابعة يستطلع صوتَ حاديه الأول ، رَبَّتَتْ على كتفه الأيمن ، قالت : استيقظ ، أعدْ قراءةَ النص ، وارتشفْ كأس الأمل كاملا ، آه ... تنهد ، وضع شِمالَه يسند بوهنها ناصيته التي تتدلى على كتاب قديم مخطوط يحاول تقليب صفحاته بيُمناه.

*فرصة جديدة

قُطع مراراً.. لكنهما اعتادا ضمّ طرفي القطع وإحداث عقدة فقط وفقط ليستمرا..

حقيقة هما نجحاا بالاستمرا معاً لكنهما فشلا بإخفاء تلك العقدة التي تؤكد عدد المحاولات/المرات التي تجاوزا فيها مشكلة ما.. ليكونا سوياً..

عقد/عثرات على خط واحد... بأحجام مختلفه متقاربه ومتباعدة.. بعضها قوية.. وأخرى رخوة..

بعضها ظاهرة وأخرى مخفية..

رؤية..

قد يكون من الصواب لو أنهما انفصلا بعد أول قطع.. فالحياة تمنح خيارات

ولكنهما آثراا الاستمرار معا.. حتما ما يجمعهما أكبر من الوقوف عند أي قطع  وإن تكرر!

*الموعد الجديد

    غادر منزله متجها إلى العاصمة ، ليجلب جهاز عرسه لخطيبته أُمَيْمَة ، أهاب بالسائق أن يسرع فالموعد لايحتمل التأخير ،تبسم السائق في وجهه وقال : أبشر ... وصل ساحة العاصمة المعهودة بالتجمهر للمهمات الجِسام ، سأل : ماالقصة ؟ قيل : من هنا الانطلاق لقتال العدو الذي اغتصبَ أراضينا، انضم إلى الصفوف ، وكأنه تناسى مهمةَ نزولِه إلى العاصمة ، تدرب ، احتضن بندقيته الحبيبة ، وقاتل قتال الأشاوس ، أصابته رصاصة من العدو الغشوم أردتْه مسجى يلفظ أنفاس حياته الدنيوية ، أشار إلى صديقه ابن قريته وأسر في أذنه حديثا تماهى فيه الفرح الدنيوي مع فرح روحه التي رأت ما أعد الله للشهداء . قيل لصاحبه : ماذا أسرَّ لك ؟ قال : بَلِّغ خطيبتي أُمَيْمَة أن المود الجديد في الجنة إن شاء الله .

وسوم: العدد 880