عايده

أحمد صرصور

[email protected]

  "عايده" طفلة ستكتمل أعوامها الثمانية بعد شهرين. أطلق جدها الحاج هذا الاسم عليها نسبة إلى مسقط رأسها ومرتع طفولتها "مخيم عايده". حيث ولدت وترعرعت بين أحضان آلاف صفائح الحديد "الزينكو" المتراصة من حولها ومن فوقها مثلها مثل كل عائلات المخيم. هذه الألواح كان من المفروض أن تحميهم من حر الصيف وبرد الشتاء القارص. لكنها لم تف بالغرض المطلوب, حتى إنها لم تق قاطنيها أعين الناظرين. فهي مرصعة بثقوب تكشف عوراتهم.

تفني "عايده" طفولتها البريئة  وجل أوقاتها بين أحضان هذه الصفائح. تتساءل في كل يوم :

ما قصة هذه الصفائح الحديدية المحيطة بنا من كل جانب؟

ما قصة هذه المفاتيح الصدئة المعلقة على جدران غرف البيوت الحديدية؟!

أسئلة كثيرة جعلت عقل "عايده"الحديث العهد بالتفكير حائراً  !!!!!!

وأخيراً جاءها الجواب.

هدت عصفورة جميلة على الجدار الحديدي لغرفتها. عصفورة مزركشة بأجمل الألوان. جناحاها صُبغتا باللون الأحمر. رأسها كساه اللون الأخضر. ظهرها ازدان باللون الأبيض. وتفشى اللون الأسود ليغطي بطنها.

استغربت "عايده" من جمال ألوان هذه العصفورة. وكانت دهشتها أكبر عندما نطقت العصفورة.

قالت العصفورة: عزيزتي "عايده", هذا المخيم الذي تعيشين فيه يدعى مخيم لاجئين. أنت ومن يسكن فيه هم فلسطينيون مهاجرون . أخرجتكم الذئاب البشرية من قراكم وأراضيكم, واستولوا على بيوتكم بقوة السلاح. قريتك المدمرة تدعى"لِفتا". تقع على سفوح جبال القدس الغربية. ما زال ثمار الصبار صامداً على جوانب بيتكم. مثله كمثل شجرة التوت وكروم الزيتون. يرقبهم مسجد القرية المصر على أن تبقى آثاره شامخة.

أيتها الغالية "عايده",أنا أيضا مثلك مهجرة .انظري ألى ألوان ريشي.

 الأبيض هو لون الصفاء, صفاء قلوبنا البيضاء. الأخضر هو لون ألارض, أرضنا الخضراء التي حُرمنا منها. الأحمر هو لون الدم, دماؤنا التي أسالتها الوحوش البشرية. الأسود في أسفل بطني هو لون الحداد الذي سيبقى يغطي بطني حتى تتم لنا العودة إلى أراضينا وبيوتنا.

وهنا صرخت "عايده" بأعلى صوتها:

لكن كيف ستتم لنا العودة ونحن ضعفاء؟!!

قالت العصفورة : الله هو القوي , وما عليك إلا أن تحافظي على مفتاح بيتكم ليتسنى لك فتحه عندما تعودين.

وطارت العصفورة مخلفة بسمة رضا على محيا "عايده".