قصص قصيرة

قصص قصيرة

مصطفى حمزة

[email protected]

- 1-

الدكتور فايروس

زفر الدكتور فايروس وهو يلوك قطعة من الكبد :

- أواه .. أنا خائف ، لمَ لا أشعر بالأمان يا فيروسة ؟!

أجابته فيروسة بوجه مكتئب ، وعلى شفتيها آثارٌ من لعقة دم :

- لا أدري ، من أربعين سنة وأنتَ تردد هذه العبارة .. كأنك ورثتَها عن أبيك !

- أجل يا فيروسة ، لم نعش لحظة أمان في هذا الجسد ، نحن جميعاً كنا خائفين ليل نهار !

قال هذا ثم راح ينهش بنهم من الكبد التي لم يتبق منها إلا قطعة صغيرة .

قالت فيروسة بأسى :       

- للأسف ، نحن - بني فايروس الجبل – غير مرحب بنا في أي جسد نحل فيه ! ربما لأننا لا نرحمه .. نعيش فيه ونأكل منه ، لا نُحافظ على صحته ، ولا نرعى له حُرمة !

- وهل سمعتِ أو قرأتِ أن أحداً من أجدادنا فعل ذلك بأي جسد ؟! هل سمعتِ عن فايروس منّا صالح ؟

هرشت فيروسة رأسها بأصابع كفّها المُخضّبة بالدم :

- في الواقع ..لا .. لم أسمع بهذا !

- إذن سنبقى على غريزتنا المؤذية المعتدية على الأجساد السليمة المُعافاة فلهذا خلقنا ، لنأكلَ مَن يؤوينا عضواً عضواً ، حتى يهلك !

نظرتْ إليه فيروسة مُفكرة :

- ولكننا موجودون منذ وجدت الأجساد ، ولم نستطع القضاءَ عليها ! بل سمعتُ أن أجيالاً من أقوامنا أبيدت بمضادات اكتشفها الإنسان ، وخلّص بها الأجسامَ منا .. لابدّ أننا هالكون يوماً ، وهذا اليوم أراه قريباً يا فايروس !

كان فايروس يستمع إليها مرتعباً .. فرائصُه ترتعد ، وأطرافه ترتعش !!

ثم هجم على القلب !

 

 

-2-

صَراصيرُ

 

    دُعيَتْ صراصيرُ المراحيض القديمة لحُضور وليمةٍ لدى خلية النحل ، فخرجتْ مُكرَهة متأففة متوجّسة ، وما إن لامَسَتْ قرونها عَتـَبَة الخليّة حتى تهاوَتْ - واحداً تلوَ الآخر- قتلى الطهارةِ والنضارة، والإتقانِ والإبداعِ، والإخلاصِ والتفاني .. والحَسْرة الأسيفةِ على المراحيض !

 

- 3-

 

لو أنـّها رأتْ !

 

  كانت عجوزاً قديمة عمياءَ ذاتَ أنفٍ أخنسَ وشعر يبدو من تحتِ غطاء رأسها كالقطن المنفوش   تلبس صِداراً من صوف ، وتسير على غير هُدى صائحة نادبة :

- من لي بأربعة كعوالي الرماح ، خرجوا للمعركة ولم يَرْجِعوا ؟!! من لي بأبنائي .... خرجوا ولم يرجعوا ..؟!!

  قامَ إليها من بين الأشلاء طفلٌ سوريّ كساهُ الغبارُ والدّمُ .. أمْسَكَ بعصاها فتوقفت .. ثم سمعتهُ يقول :

- يا أنتِ ..إنك بيننا... فاخجلي !

- 4 -

صاروخ

 

كمْ تشظّى من عُمُري في هذه الغُربة ؟ عشر سنوات ، خمسَ عشرة ، عشرون .. لست أدري! لم أستطعْ إحصاءها ؛ لأنّ سنين المغترب تأبى إلاّ أن تُعَدّ بأرقامها الخاصّة اللئيمة : بنواجذ الغُربة وأنيابها وأظفارها ، وهنا تبدو أيامُ العمر كلّها أقلّ بكثير !!

لكنّ هذا كلّه غيرُ مُهمّ عندَ ذلك الجُنديّ النّكرة ، ولم يخطرْ بباله ! هلْ أشبعوه من الغـِلّ ؟ هلْ روّوه من الجَهل ؟ هل سَلبوه العقل ؟ .. لستُ أدري !

لعلّه قبلَ قليل كان يَسْكر،أو يلعبُ الورق مع أمثاله، أو يتّصلُ بحقيرته في القرية النّجِسَة ..لستُ أدري !

جاءه الأمرُ من أحدِ أربابِهِ في الأرض ؛ فأطلقَ ذلك الصاروخَ الأعمى ، فدمّرَ تلك العمارة  فاغتيلتْ فيها ثمرة تلك السنوات المُمِضّة .. التي لم أستطع عدّها !!