الملك الطيب

رضا سالم الصامت

يحكى في القديم أن هناك رجلا فقير الحال ، يشتغل حطابا و في كل يوم يجمع حطبه من الغابة، و يضعه فوق ظهره ليبيعه في السوق و يتعب من اجل لقمة عيشه .

و بعد أن يبيع الحطب ، يتجه إلى المخبزة القريبة  ليشترى رغيفا و حليبا لابنه الوحيد و زوجته ، ثم يعود إلى بيته فيجد زوجته في انتظاره مبتسمة الوجه، رغم الخصاصة فهي سعيدة بعودة بعلها من مشقة العمل كامل اليوم  من اجل اللقمة الحلال.

وفي يوم من الأيام قرر ملك تلك البلاد القيام بجولة في الغابة ، فلاحظ أن الكثير من الأشجار اقتلعت فغضب و قرر غلق الغابة و منع كل من يقتلع الأشجار و يجمعون الحطب  ليبيعونه ...

سمع الحطاب الخبر المفجع ، فاحتار في أمره و قال في نفسه : كيف سأوفر قوتي و قوت زوجتي و ابني ؟

اخبر زوجته و قال لها: إنّها مُصيبة ! فمن أينَ لي أن أطعمكم ، حالتي أصبحت أسوأ و قد يعاقبني الملك و يقطع رأسي  إن خالفت أوامره !

ردت عليه قائلة : لا تجزع يا رجل ، الله هو خالقنا ، فاصبر فقد يهدي الله، ملكنا و يعدل عن قراره ؟

قال : استغفر الله و سأصبر على نصيبي

ذهب الحطاب إلى فراشه ونام ، و في منامه رأى أن الملك يجره ليقطع له رأسه و كان يقول له : أيها الحطاب قطعت الحطب و الآن سأقطع رقبتك !!  

كان الحلم مزعجا للغاية ...

استيقظ مذعورا ، يرتعد من الخوف ، فقالت له زوجته : ما بك يا زوجي ؟

و لا تقنط من رحمته

فر الله و اصبر على نصيبك انه مجرد كابوس ، لا تخف ،

 لا تخف ، خذ هذا الكوب من الماء، واشربه و احمد الله على ما نحن فيه، فستفرج ان شاء الله .... لا تقلق يا زوجي العزيز

الناس  ؟ بعد أشهر قرر الملك القيام بجولة ليتفقد معيشة

و بما أن الحطاب توقف عن عمله بسبب قرار الملك ، فقد بقي في بيته ينتظر الفرج ، و في كل ليلةعلى النار به ماء

و في الماء حجرا ليصبر ابنها موهمة اياه باحضار الطعام  تشعل زوجته حطبا و تضع قدرا

فيطول انتظاره ، إلى أن يغلبه النعاس فينام المسكين جائعا

ذات يوم سمعت قرعا على باب بيتها،  فخرجت لتفتح الباب، فإذا بالملك و حاشيته و جنده

من أنتم يا سادة ؟  - ابتسمت لهم وقالت

نزل الملك من على ظهر حصانه الأبيض و قال : أنا ملك البلاد جئت لأتفقد أحوالكم ؟

دخل الملك بيتها ، فوجد قدرا يغلي ، فأخذه ليرى ما فيه ، فلم يجد غير الماء تغلي في القدر و الحجر فيها

! فقال لها بتعجب ماهذا أيتها المرأة ؟ أين الطعام الذي تطبخينه

ردت عليه مبتسمة: ليس لدي طعام ، كما ترى يا مولاي انه قدر فيه ماء يغلي ...!

الملك : لاحظت ذلك ، و لكن أريد أن أعرف ، ما القصد من هذا الصنيع ؟

ردت قائلة : وضعته لكي أوهم ابني و زوجي الذي احترم قرار مولاي و لم يعد يذهب إلى الغابة

و لم نعد نوفر لابننا الغذاء ، فيبقى على أمل إلى أن يغلبه النعاس فينام ،ولم نجد ما نأكل ليجمع الحطب

أحس الملك بغلطته ، و شعر بالندم الشديد و صافح بعلها، ثم أمر حراسه بجلب الطعام و أحلى الثمار لابنها ثم

و وجه لزوجها دعوة لزيارة قصره في صباح الغد و غادر المكان

و في صباح اليوم الموالي ، ذهب الحطاب في زيارة قصر الملك و عند وصوله عرفه الحراس ، فأدخلوه ليقابل

حضرة الملك الذي رحب به و عرض عليه مالا فرفض و ذهبا فرفض  فغضب الملك و صاح في وجهه  ترفض الذهب و المال فماذا تريد ايها الرجل ؟

فرد عليه الحطاب بهدوء : يا مولاي أنا لست انتهازيا و لا طماعا و لكني أريد فقط عملا شريفا اكسب به قوت عائلتي بحلال ..

ابتسم الملك للحطاب و قال له : انك رجل فاضل و لذلك سوف أمنحك ثقتي و أعيينك في وظيفة تكسب منها رزقك بالحلال.

قال و ماهي ؟

رد عليه الملك : بستاني بحديقة القصر

فرح الحطاب بالوظيفة و اخذ يقبل يدي الملك،  ثم عاد إلى بيته فرحا مسرورا، ليزف البشرى على زوجته.

سعدت زوجته بالخبر الطيب الجميل ، و قالت له مبتسمة:  ألم أقل لك أن الله مع من صبر على نصيبه ، و أن الله قد يهدي الملك و يعدل عن قراره ...

رد عليها الحطاب قائلا : الحمد لله ، انه ملك طيب

هكذا أصدقائي الصغار من هذه القصة نستنتج عبرة ، و هي من صبر على نصيبه ، فان الله يكرمه و يحسن حاله ، لأن الله سبحانه و تعالى كريم  يحب الكرماء.