ساعة رضا أم غضب؟

سمر حامد العامودي

سمر حامد العامودي

صَرَخت في أعْماقها صَرَخات مُتتالية، وبَكت بِحُرقة وَألم شَديديْن لعدة دقائق، وتَساءلتْ بينها وبين نفسها، لماذا يُعاملني بهذه القسوة دون ذنب اقترفته؟ إذا كان خارج البيت وتعرّض لموقف أزعجه أو ضايقه؟ هل أكون أنا السبب عند عودته إلى البيت؟ ولماذا يصب جامّ غضبه عليّ؟ وقد مرّ على زواجنا أكثر من خمس سنوات ما أغضبته فيهن عن قصد أبداً.

علا الصوت في الأعماق، وضاق الصدر وتمزقتْ الأحشاء، حتى فتحتْ فمها عن آخره، وصرخت بآه عميقة ، طويلة، كأنها أفرغت آهاتٍ كثيرة كانت محبوسة، وتلاحقت العبرات من مآقيها، مبلِلَةً بقعةً دائرية على الأرض، تنبهت لتلك البقعة، فمسحت وجهها بيديها، وسحبتْ كرسيّاً كان بجانبها، وارتاحت عليه، واتكأت على طاولة المطبخ حيث كانت تجلس، وقالت بصوت خفيض كمن يخاطب نفسه وحيث لا يسمعها أحد: حال زوجي هذا؟ لم أتوقع أن يصل إليها، أبداً، وأخذت تفكر بعمق، نعم، لقد قال كلاماً لأوّل مرّةٍ يصدرُ عنْه، أهانني، شتمني وذهب، دون ذكر السبب، وتقول بعينيها الحائرتين: أيُعقل أن يكون - معمول له سحر من بعض أقاربه الكارهين لي- كما تقول بعض النساء؟, وتنفي برأسها يمنة ويسرة دون أن تتفوّه بكلمةٍ أخرى. إذ أنها لم تصدق هذه الأقاويل طِوال حياتها، هل تصدقه الآن؟ ولكن!! ما رأته من النساء الجالسات كعادتهنّ عند حافة الدرج على الطريق المؤدي لبيتها حين مرّت، ويدها بيد زوجها وهي تبتسم، وزوجُها يحدثها ولا يلتفتْ لإحداهنّ، جعلها تشكّ أنّهُ قد يكون هناك حسد من عيْن إحداهنّ ؟ ويقولون في الأمثال: (الحسد يوقع الجمل في القدر)هذا جائز، وأنا أصغر من الجمل بكثير: قالت بصوت مرتفع قليلاً.

ولكنّها فجأةً انتفضت من مكانها مسرعة إلى شُرفةٍ مكشوفةٍ في بيتها، كأنها دُفعت دفْعاً من مكانها، وقالت بصوت يكاد يكون مخنوقاً ، ضاغطةً على شفَتها السفلى ضغطاً قوياً. وهمست: حتى ولو كان كذلك فلا أريد أن يعاملني هكذا.

ولكن! ماذا أفعل؟ وبَردَ انفعالها فجأةً، حين رأت صورة ولَدَيْها ألصغيرين أمامها، في ألغرفة قائلةً: هل أعطيه فرصةً أخرى؟ هل أحْبس أنفاسي وأضغط على أعصابي؟ وأتنازل عن شيء من كبريائي وعزّة نفسي؟ هل أتجاهل ما قال لي وأسامحه هذه المرة؟

وقالت بدهشةٍ تُساءل نفسها: وماذا لو أنّه أعادَ هذا الكلام الجافّ القاسي مرّةً أخرى؟؟

وزَفَرتْ بآهٍ طويلةٍ جَعلتها ترفعُ رأسها عالياً حيرانه، وعندها! كأنّها لأوّل مرّة ترى السماء صافية رائقة، حينها قالت: -لتؤكِّد على فكرةٍ ما، لمع بريقها أمام عينيها-  نعم ألجأ  إلى الله سبحانه وتعالى، وأستعين به فهو خالقي، لعلّه يهديني سبيل الرّشاد، وسأبذل قُصارى جَهدي لأكون هادئةً. وأن أعطيَ زوجي فُرصةً أخرى.

وأعتقد أنّه لا يوجد عزة نفس وكبرياء بيني وبين زوجي، كالتي بيني وبين الآخرين، وبهذا أكون قد حافظتُ على أسرتي من التفكُك، وأولادي من الضياع. إن شاء الله.

وظهرتْ علامات الرِضا على وجهها، وتبسّمت، لا لأحد، إلا لآخر فكرة خطرت في بالها.