لحوح

غرناطة عبد الله الطنطاوي

لحوح

غرناطة عبد الله الطنطاوي

[email protected]

لؤي طفل في العاشرة من عمره، إذا أراد شيئاً فإنه يلحّ في طلبه إلحاحاً شديداً، يبكي ويصرخ ويحطم كل ما يراه أمامه، حتى يأخذ ما يريده..

وكان يلحّ أيضاً على أصدقائه في كل أمر يريده، حتى صار أصدقاؤه يتجنبونه، من كثرة طلباته التي لا تنتهي..

في أحد الأيام طلب لؤي من أصدقائه أن يأتوا يوم غد، ويلعبوا لعبة كرة القدم في ساحة المدرسة، بعد انتهاء الدوام..

ولكن أصدقاءه اعتذروا عن اللعب لاقتراب موعد الامتحانات..

لكن لؤي كعادته لم يقبل الاعتذار، وصار يصرخ في أصدقائه كي يجبرهم على اللعب معه يوم غد..

اقترب محمد من أصدقائه وغمز لهم بعينه، ثم قال:

-حسناً.. حسناً.. يا لؤي سنأتي يوم غد عند الساعة الخامسة، وإذا تأخرنا قليلاً انتظرنا ولا تذهب..

فرح لؤي، وشكر صديقه محمد على قبوله اللعب وإقناعه أصدقاءه باللعب أيضاً..

جاء لؤي في اليوم التالي عند الساعة الخامسة، فلم يجد أحداً..

انتظر لؤي حتى صارت الساعة السادسة، ولم يأت أحد..

قال لؤي في نفسه:

"أظن أن أصدقائي سينهون دراستهم للامتحان، وسيأتون بعد قليل"

بدأت الشمس تغيب ولم يأت أحد..

وعندما غابت الشمس تماماً وحلّ الظلام، رجع لؤي إلى بيته غاضباً، باكياً من شدة الغضب..

ولما سأله أبوه عن سرّ بكائه أخبره ما حصل له مع أصدقائه..

تبسّم أبو لؤي وهزّ رأسه، قائلاً:

-لابد أنك يا صغيري قد ألححت عليهم بالمجيء واللعب معك كعادتك، ولكن يبدوا أنهم لم ينهوا الدراسة بعد.

في اليوم التالي ذهب لؤي إلى المدرسة والشرر يتطاير من عينيه، وما إن دخل الصف حتى أخذ أصدقاؤه بالضحك والتغامز عليه.

اشتدّ غضب لؤي وأخذ يصرخ ويصرخ بهم حتى بُحّ صوته.

وبعد قليل هدأ لؤي قليلاً، فاقترب منه صديقه محمد وأمسك بيده وأخذ يربّت على كتفه وهو يقول له:

-نحن آسفون يا صديقي، لكنك بإلحاحك الشديد علينا، وطلباتك التي لا تنتهي، وعدم تقبّلك لاعتذاراتنا، جعلنا نقف معك هذا الموقف، فسامحنا يا صديقي..

نظر لؤي إلى وجوه أصدقائه، فرأى الحب والودّ يغمر وجوههم الطيبة، فهدأت نفسه وقبل اعتذارهم، ومن ثم اعتذر منهم، ولم يعد إلى إلحاحه مرة أخرى.