وهم هي الحياة

لطفي بن إبراهيم حتيرة

لطفي بن إبراهيم حتيرة

[email protected]

.. جفّف عرقك المنهمر.. أمسح شفاهك المتآكلة, المتورّمة وأغسل وجهك الذّي فقد معالمه وتفسّخت تضاريسه.. أزح الغشاوة عن عينيك لعلّك ترى سطور كتابك وتقرأ رسائلك وعنوانك.. أوقد شمعة.. أو فنارة أو أبني منارة على سواحل بحارك.. أمشي.. أمشي وأمشي حاملا رأسك على كتفيك.. حاملا موتك في قلبك.. زارعا عينيك قحطا.. بذرة أنت تنمو في حقول المواجع بين سهول التألّم والألم.. خطوات كتبت و صفحات قرأت وسنوات رحلت ومضت.. بقرات عجاف.. سنابل يابسات شامخات وأخر مطأطآت.. راقصات عابثات.. سنوات كانت ثمّ مضت.. أيّام بدت ثمّ انتهت واختفت.. وحيد بلا وحدة.. غريب بلا غربة.. حزين ولا حزن.. كئيب ولا كآبة.. منفرد بذاتك.. تقضم أظافرك بأسنانك.. تكلّم نفسك وتردّ عليك أوهامك.. اللّيل في عينيك شديد.. والنّهار أمامك شارع بلا باب.. تفتح البّاب فتجد نفسك أمام البّاب.. تصرخ وتنادي وتقطف زهرة تهديها إلى عجوز تجلس عند البّاب تضحك لك وتقول " ياحسرة على أيّامي".. تذهب بعيدا.. تمشي ثقيلا.. تفكّر طويلا.. تجلس في المقهى.. يسقط منك فنجان القهوة.. تغرق المدينة عاصفة صفراء يابسة.. لا ماء ولا أمطار.. رمال وأتربة وريح منتنة..

تبحث عنها.. تفتّش عنها تحسبها تائهة ضائعة فتجدها وقد تعرّت وصارت عارية يقبّلها ويقلّبها كيف يشاء وهي  شهيّة طائعة.. تفتح النافذة يطلّ عليك القمر وهو معلّق في أعلى الزاوية.. " لا ينقص البدر إلاّ حين يكتمل".. ولا يحصد الزّرع إلاّ حين ينضج ولا يقطف العنب إلاّ حين يتقاطر ويسيل دمه.. رؤوس أينعت وحان قطافها.. وشفاه تورّمت ثمّ تساقطت.. ركبتك الوحشة وقادتك إلى حفر النسيان والمنسيين..

إلى مواقع المنفى والمنفيين.. الغارقين إلى ذ قونهم في شراب التين والرمّان المرّ مرارة الوحدة والغربة . زمنك حيّة عمياء تسعى بين الثعابين.. زمانك سيل يسقط من علياء فينتثر وينتشر في كلّ الأرجاء.. أنت تطير وأنت تحلّق فوق الغيوم تلامس الشّمس وتعبث بالنجوم.. تبحث عنها.. خدعتك.. أفعى سكنتك.. حيّة لدغتك.. أحيت رجالا قتلوها و قتلت رجلا أراد أن يحييها.. 

  "ماضيها يحرقني..يقتلني.. حاضرها يذبحني و مستقبلها يغرقني.. أرضها جرداء.. غصونها سوداء.. كلّها جفاف وجفاء.. هي الوّهم وهي العدم.. ليتها كانت وماكانت وليتني كنت وما كنت"..