الشقيقان

الشقيقان

كمال الراشدي

عبدالله وعصام أخوان شقيقان ، نشآ في بيت يرفل بالعزّ والغنى ، أبوهما رجل طيب ، وعصامي ، اعتاد على العمل في الحقل منذ نعومة أظفاره ، واستطاع بكدّه وجدّه أن يصير من أصحاب الأراضي الواسعة ، بعد أن كان فقيراً وابن أسرة مستورة ، تحبّ العمل ، وتعيش مما تعمل ، وتحافظ على كرامتها ، فلا تسأل أحداً شيئاً ، مهما كانت حاجتها إلى ذلك الشيء .

كبر عبدالله ، وصار يساعد أباه في عمله في أراضيهم الشاسعة الواسعة ، أما عصام ، فكان فتى يتعلم في المرحلة الإعدادية .

سمع عصام أستاذ التربية الإسلامية وهو يتحسّر ويتذمر من أغنياء المسلمين الذين لا يؤدون زكاة أموالهم . قال لتلاميذه :

ـ انظروا إلى أولئك الفقراء الذين يملؤون بلدتنا .. أنا أعرف كثيرين منهم لا يجدون طعاماً ولا كساءً ولا ماءً ولا كهرباء .. يأكلون في اليوم مرة أو مرتين أبسط أنواع الطعام ..

يأكلون خبز الذرة أو الشعير ، مع شيء من البندورة المطبوخة ، أو البرغل ، ويأخذون الماء من المسجد ، ويستضيئون بفانوس الكاز .

سأل عصام :

ـ هل هذا معقول يا أستاذ ؟

أجاب أحد التلاميذ :

ـ نعم يا عصام .. كلام الأستاذ صحيح .. أنا أعرف زميلاً لي لا يعرف أهله طعم اللحمة إلا في العيد الكبير ، عندما يأتيهم شيء من لحم الأضاحي .

قال الأستاذ :

ـ بينما ينعم الأغنياء بأطايب الطعام ، ويتقلبون على فرش النعيم .. ولو أن أغنياء بلدتنا زكّوا أموالهم ، لما بقي فقير واحد في البلد .

عاد عصام إلى بيته حزيناً مهموماً ، فوجد أبويه وأخاه على المائدة يشربون الشاي ، وأخوه عبدالله يأكل الكعك اللذيذ مع الشاي .

نظر إليهم في حزن ، ثم انفجر في البكاء .

استغربت الأسرة بكاء عصام ، وبعد إلحاح قال لهم :

ـ نحن هنا نأكل الطيبات ، ونشرب الشاي والعصير وغيرها ، بينما لا يجد جيراننا وأهل بلدتنا الفقراء ما يأكلونه ؟

سأل الأب :

ـ ماذا نفعل لهم ؟ هكذا خلقهم الله يا عصام .

وقالت الأم :

ـ لو أنّهم جدّوا واشتغلوا وتعبوا كما فعل أبوك ، لصاروا أغنياء مثلنا أو أقل منا أو أكثر .

قال عصام ، وهو يمسح الدموع عن خديه :

ـ إذا كان الله خلقهم فقراء ، فهل نتركهم فقراء جائعين ؟

سأل عبدالله :

ـ ماذا نستطيع أن نعمل لهم يا عصام ؟

أجاب عصام :

ـ ألا تعرف يا أخي أننا نأكل في بطوننا ناراً من هذا الطعام ؟

فتحت الأم عينيها دهشة وصاحت :

ـ عيب يا عصام .. مالنا حلال ، من عرق أبيك وأخيك .

وتابع الأب :

ـ ومن تعبك وعرقك يا أم عبدالله .

قال عصام :

ـ ولكنه غير مزكّى .. هل دفعت زكاته يا أبي ؟

أطرق أبو عبدالله في حياء ثم قال :

ـ لم تشغلني الحياة عن أمور ديني يا عصام .. مال أبيك مزكّى ولله الحمد ..

ثم دخل إلى غرفته وعاد يحمل كيساً ، وقدمه لعصام وهو يقول :

ـ هذا ما بقي من زكاة هذا العام .. خذه يا عصام ، ووزعه على من تعرف من فقراء .