اَلْفَرَانْدَةْ..

محسن عبد المعطي عبد ربه

محسن عبد المعطي عبد ربه

[email protected]

كُنْتُ حَزِيناً لِأَنـَّـنِـي لَمْ أَعْمَلِ الْوَاجِبَ الْمَدْرَسِيَّ وَعَاقَـبَـتْـنِي الْأَبـْـلَةُ فَادِيَةٌ بِأَرْبـَـعَةِ خَـيْـزَرَانَاتٍ عَلَى يَدَيَّ , حَزِنْتُ وَبَكَيْتُ وَتـَـأَثَّرْتُ وَتـَـأَلَّمْتُ وَبَعْدَ انْـتِـهَـاءِ الْـيَـوْمِ الْمَدْرَسِيِّ عُدْتُ إِلَى الْبـَـيْـتِ وَحِيداً كَئِيباً مُنْطَوِياً عَلَى نَفْسِي , يَـتَـفَطَّرُ قَلْبِي أَسىً وَلَوْعَةً , وَبَعْدَ عَوْدَتِي غَـيَّرْتُ مَلاَبِسِي الْمَدْرَسِيَّةَ وَارْتـَـدَيْتُ جِلْـبَابِي وَخَرَجْتُ مِنَ الْـبَيْتِ وَجَلَسْتُ عَلَى الْمَصْطَـبَةِ , وَضَعْتُ يَدِي عَلَى  خَدِّي أَرْثِي حَالِي وَأَبْكِي نَـفْـسِي , مَرَّ عَـلَـيَّ صَدِيقِي وَخَلِيلِي مُؤْمِنٌ وَقَالَ : السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ , قُلْتُ : وَ عَلَيْكُمْ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ , مَا بِكَ يَا سَعِيدُ ؟! قُلْتُ :  وَمَا أَدْرَاكَ أَنَّـنِي سَعِيدٌ يَا مُؤْمِنُ ؟! خُضَّ مُؤْمِنُ وَانْزَعَجَ وَانْطَلَقَ يَقُولُ بِحُزْنٍ : مَالَكَ يَا صَدِيقِي الْحَبِيبَ ؟! وَمَا الَّذِي بَدَّلَ حَالَكَ وَوَارَى ابْتِسَامَتَكَ ؟!  اِنْفَجَرْتُ فِي الْـبُكَاءِ وَ مُؤْمِنُ يُوَاسِينِي وَيُطَـبْطِبُ عَـلَـيَّ أَخْرَجْتُ مِنْدِيلِي وَمَسَحْتُ دُمُوعِي وَقُلْتُ : لَقَدْ ضَرَبَـتْـنِي مُعَلِّمَةُ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لِأَنـَّنِي لَمْ أَكْـتُبْ الْوَاجِبَ , لَمْ أَحْـزَنْ مِنْ وَجَعِ الضَّرْبِ وَلاَ حَـتَّى خَوْفاً مِنْ شَمَاتَةِ بَعْضِ زُمَلاَئِي فِي الصَّفِّ الرَّابِعِ الاِبْتِدَائِي , وَلَكِنَّنِي أَخْشَى أَنْ تَفْقِدَ الْأَبـْـلَـةُ فَادِيَةُ ثِـقَـتَهَا فِيَّ كَطَالِبٍ مِثَالِيٍّ عِلْماً وَسُـلُـوكاً وَأَخْلاَقاً , قَالَ مُؤْمِنُ : مَا ظَنـُّكَ يَا سَعِيدُ  بِالْأَبـْـلَـةِ فَادِيَةَ ؟! إِنَّ عَقْـلَـهَـا أَكْـبَـرُ مِنْ هَذِهِ التَّفَاهَاتِ, وَلاَ شَكَّ أَنَّهَا ضَرَبـَـتْـكَ حِرْصاً عَـلَـيْكَ وَعَـلَـى مَصْـلَـحَتِكَ وَلَكِنَّ أَخْبِرْنِي يَا صَدِيقِي سَعِيدُ , لِمَاذَا لَمْ تَعْمَلْ وَاجِبَ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ ؟! أَصْدُقُكَ الْقَوْلَ يَا مُؤْمِنُ لَقَدْ نَسِيتُ ،شَغَـلَـتْـنِي أَشْـيَاءٌ كَثِيرَةٌ اِبْـتَسَمَ مُؤْمِنُ وَقَالَ ؟ عِنْدِي الْحَلُّ يَا سَعِيدُ الَّذِي سَـيُرْجِعُ إِلَيْكَ ابْتِسَامَـتَـكَ , قُلْتُ: الْحَقْنِي بِهِ يَا مُؤْمِنُ ، قَالَ مُؤْمِنُ : يَا سَـيِّـدِي صَلِّ عَـلَـى حَضْرَةِ النَّبِيِّ, قُلْتُ : اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَـلَـيْـهِ وَعَـلَى آلِـهِ وَصَحْبِـهِ الطَّـيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ , قَالَ مُؤْمِنُ :كُلَّ يَوْمٍ عِنْدَمَا يَـنْـتَـهِي الْـيَـوْمُ الدِّرَاسِيُّ , وَقَـبْـلَ أَنْ نَعُودَ إِلَى الْمَـنْـزِلِ نَـلْـجَـأُ إِلَى إِحْدَى ( فَرَا نْدَاتِ الْـبُـيُـوتِ الْمُجَاوِرَةِ لِلْمَدْرَسَةِ وَنـُـنْـهِي جَمِيعَ وَاجِبَاتِنَا الدِّرَاسِيَّةِ ،ظَـلَـلْـنَـا عَـلَـى هَذَا الْحَالِ طِيلَـةَ شَهْرٍ وَالْأَبـْـلَـةُ فَادِيَةُ مُعَلِّمَةُ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فَـرِحَـةٌ بِنَا تُـثْـنِي عَـلَـيْـنَـا وَتـُعْـطِـيـنَـا الْجَوَائِزَ وَعِنْدَمَا كَانَ مَوْضُوعُ إِحْدَى الْحِصَصِ ( مِنْ الْآدَابِ الْإِسْلاَمِيَّةِ : اَلْاِسْتِئْذَانُ )أَخَذَتِ الْأَبـْـلَـةُ فَادِيَةُ تَشْرَحُ لَنَا آدَابَ دُخُولِ بُيُوتِ الْغَـيْرِ , أَفَاضَتْ وَأَسْهَـبَـتْ وَبـَـيَّـنَـتْ وَوَضَّحَتْ حَـتَّى أَيْقَنْتُ أَنَّنِي وَصَدِيقِي مُؤْمِنُ كُـنَّا خَاطِـئَـيْنِ وَجَهِلْـنَا آدَابَ الْإِسْلاَمِ فِي دُخُولِ بُيُوتِ الْغَيْرِ وَأَوَّلـُهَا الْاِسْتِئْذَانُ , ذَكَرْنــَا اللَّهَ وَفَاضَتْ عُـيُـونُـنَـا بِدُمُوعِ النَّدَمِ , وَاسْـتَغْفَرْنَا اللَّهَ وَعَزَمْنَا أَلاَّ نَعُودَ إِلَى مَعْصِيَةٍ أَوْ ذَنْبٍ يُغْضِبُ اللَّهَ أَبَداً , وَحَكَـيْـنَـا قِصَّةَ ( الْفَرَانْدَةِ ) لِلْأَبـْـلَـةِ فَادِيَةَ, فَقَالَتْ :بَارَكَ اللَّهُ فِيكُمْ يَا أَبْـنَائِي , وَ اللَّهِ إِنِّي لَأَسْـتَـبْـشِرُ بِكُمْ خَـيْراً وَمُسْـتَقْـبَلاً مُشْرِقاً لِوَطَنِنَا الْإِسْلاَمِيِّ وَلِكُلِّ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ ,شُكْراً يَا مُؤْمِنُ , شُكْراً يَا سَعِيدُ وَملَأَ اللَّهُ حَيَاتَـنَا سَعَادَةً وَإِيمَاناً, رَدَّدَ تَلاَمِيذُ الْفَصْلِ: آمِينْ آمِينْ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.