المخبول

خرجت بعدما أقفلت الباب خلفي. تركتها تلعن الدنيا. بخطوات متثاقلة أسير نحو العتمة. واجهتني ملامح تجار المخدرات والعاطلين والمتسولين في مقهى الحي. قررت الجلوس بينهم.

وجدت نظراتها البائسة تلاحقني. طلبت من أحدهم سيجارة. أشعلتها متنهدا. اقترب أحدهم مني. ثيابه ممزقة ولكنها نظيفة. سألني بنبرة المشعوذين:

- الشيطان يتصارع مع روحك. ما خطبك يا رجل؟!

عدت أقول لنفسي: وقعت الآن في مشكل آخر.. ماذا يريد مني هذا الجاهل؟! أنت لا تعرف بعد كيد النساء.

ابتسم مرددا:

- أشفق عليك.. زوجتك تتذمر يوميا.

أجبته بنبرة لا تخلو من الاندهاش:

- أجل.. كيف عرفت ذلك؟!

ضحك:

- هذه قضية أخرى.. أنت بين يدي رجل بركة..

قلت بيني وبين نفسي:

- ماذا يقول هذا المخبول؟! شيئا من الصبر يا إلهي!

التفت قليلا نحو الشباب من حولي يضحكون. تستهويهم ألعاب الطاولة والدومينو. آخرون يتحدثون بأصوات منخفضة. الجميع يعرفهم كونهم لصوص ومشرفون على توزيع المخدرات.

سمعته يقول لي:

- عليك أن تلعن الشيطان كي تهدأ روحك المعذبة..

سألته بنبرة ضعف:

- أتراني مسحور؟!

ضحك مجددا:

- أنظر إليهم. جميعهم مسحورون بلعنة الألعاب التي تثير في أنفسهم الشهوة. إنها صورة من صور الناس اليوم. الجميع يحلم بالثروة والأموال مهما كان الثمن، ثم قام من مكانه هامسا في أذني:

- زوجتك تشتهي المال..

نظرت إليه في ارتياب. لم أكن أصدق ما يقول الناس عن الدراويش، لكني اليوم أصدق كل ما يقال عنهم. لقد اكتشف ما يحوم حول روحي المعذبة. أعمل ليلا ونهارا لأوفر ثمن الخبز لأولادي غير أن زوجتي ترفض حياة الفقراء. تدفعني دفعا للبحث عن سبل أخرى لكسب المال الحرام.

سمعته يقول:

- أنت مسحور فعليك بالرقية الشرعية..

بعد دقائق من الدهشة والصمت، فهمت منه أنها تزور أحد المشعوذين لعمل سحر لي بين فترة وأخرى. إنها تريد بي وبأولادها شرا. الحل الوحيد لعلاقتنا هو الطلاق. فجأة! أمسك برأسي وعاد يتمتم بآيات قرآنية بينما الجميع منشغل في اللعب والترفيه. للحظات التف الجميع حولنا وعلت الضحكات الساخرة منه:

- إنه مجنون!

تمالك نفسه مستغفرا الرحمن ثم وقف منصرفا بخطوات واثقة. استغرب الجميع من تصرفه العجيب. خبتت ضحكتهم وتآكلهم الندم للاستهزاء بمن نعتوه بالمجنون.

وسوم: العدد 702