الآثار السيكولوجية الإيجابية للتحفيز والسلبية للتثبيط

التحفيز والتثبيط نقيضان ، أما التحفيز في اللسان العربي فهو الدفع من الخلف بالسّوق أو غيره أو الحث ، وأما التثبيط  فهو الدفع إلى الخلف أو التأخير والتعويق والتوهين . ومعلوم أن كل نفس بشرية يؤثر فيها هذان النقيضان إيجابا وسلبا، ذلك أنها بالتحفيز تقدم ، وبالتثبيط تحجم . ويتصارع فيها هذان النقيضان ، ويكون حالها حسب غلبة أحدهما . ولكل إنسان حوافز ومثبطات داخلية وخارجية . أما الحوافز الداخلية ، فعبارة عن دوافع من ذات الإنسان للإقدام  ، وأما المثبطات، فعبارة عن موانع من ذاته للإحجام . وأما الحوافز والمثبطات الخارجية، فهي مجموع العوامل المادية والمعنوية المؤثرة في إقدامه أو إحجامه.

ولكل إنسان تجارب مع المحفزات والمثبطات، و هما عاملان مهمان في تكوين  شخصيته منذ صغره ، وتكون شخصيته  في نهاية المطاف بعد أن يبلغ أشده نتيجة لتدافع تلك المحفزات والمثبطات . وكل من رجحت كفة المحفزات عنده عن كفة المثبطات في حياته، استطاع أن يحقق أقصى درجة الإقدام في حياته ، وإذا حدث العكس بلغ أقصى درجة الفشل ، وقد ينتهي به اليأس بعد الفشل إلى ما لا تحمد عقباه .

والذي حملني على الخوض في هذا الموضوع هو حصول ابنتي الصغرى ذات السنوات الست،  وهي تلميذة في الصف الأول الابتدائي على أعلى معدل في الفصل ،فطارت فرحا  بذلك ،وظلت بعد عودتها إلى البيت تعيد النظر في ورقة معدلها وتعرضها عليّ، وعلى والدتها، وعلى كل أفراد العائلة ، وتصورها وترسلها عبر الوتساب إلى البعيدين منهم ، وتدور حول نفسها مزهوة وترقص ، وتدندن ... وهي في سعادة غامرة لم أرها عليها من قبل . وكان السبب هو انتصار التحفيز على التثبيط في نفسها لأنها خلال دورة كاملة كانت تتعرض لنوع من التثبيط من طرف أمها التي كان في نيتها  واعتقادها أنها تحفزها حين تذكّرها بتفوق أختها التي تكبرها حين كانت في مثل مستواها الدراسي ، وبسرعة تحصيلها ،و تفوق ذكائها . ولم يكن يخطر ببال الأم أنها قد أخطأت القصد ولم تكن تحفّز بل كانت تثبّط . وكنت أشفق على صغيرتي، وأنتهر أمها حين تبالغ في أسلوب التثبيط  معها دون مراعاة نفسيتها المحطمة . وكانت الذاكرة تعود بي إلى سن الطفولة حيث كنت ضحية  أنواع التثبيط المختلفة طيلة فترة دراستي الابتدائية إلى غاية مستوى السنة الخامسة حيث استعدت الثقة بالنفس، وتخطيت المثبطات لأن الله عز وجل لطف بي، فهيأ لي محفزات جعلتني أنطلق انطلاقة موفقة في دراستي إلى أن أنهيتها . واستحضرت مواقف عديدة كانت لي مع المحفزات والمثبطات . ومن تلك المواقف أنني جلست، وأنا في السنة الثالثة من التعليم العالي أمام فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور عبد الله الطيب المجذوب رحمه الله لاجتياز امتحان شفوي في البلاغة العربية ، وكان مجرد جلوسي أمامه شرفا عظيما بالنسبة لي لشخصيته العلمية الفذة . وكان الامتحان يتعلق بائتلافات قدامة بن جعفر ، فصرت أجيب عن أسئلته، وأستشهد بشواهد شعرية ، وهو يثني علي وثناؤه يشجعني على المزيد من الشواهد حتى أوقفني وهو يقول : " حسبك عن القلادة ما أحاط بالعنق" فخرجت من قاعة الامتحان وأنا في منتهى الزهو أشعر كأنني أطير وأنا أسير . ولا زلت أعتبر تلك العبارة أكبر من الإجازة التي حصلت عليها بعد دراستي الجامعية، بل هي أفضل إجازة حصلت عليها  من علامة، وقد لازمني تأثيرها طيلة حياتي المهنية ، وجعلني لا أرضى إلا بالجيد وبالتفوق في كل سعي أسعاه . ومثل هذا التحفيز الذي كان له وقع خاص في نفسي كلمة سمعتها من فضيلة العلامة الأستاذ الدكتور مصطفى بنحمزة ، وهو ممن يشرف الإنسان بمجالسته أيضا  لمكانته العلمية المتميزة حيث قال لي يوما معقبا على ما أنشره من مقالات : " أنت رجل كتوب " فبعث ذلك فيّ الإحساس بالرضى عن النفس لأنها شهادة من عالم يقدر الكتابة ، وزاد من عزمي وإصراري على الكتابة  في حين كان البعض ينكر علي ذلك حتى أن أحدهم ولا أريد أن أصفه بوصف احتراما للقراء الكرام  قال لي يوما  بنبرة الساخر : " لديك إسهال في الكتابة " . وشتان بين كلام عالم وكلام هذا الذي أربأ بنفسي أن أصفه.

ومعلوم أن ديننا الحنيف دين تحفيز يأمر به، ويحث عليه ، وينهى بل يجرّم ويحرّم التثبيط ، فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " يسّروا ولا تعسّروا وبشّروا ولا تنفّروا " . فالتيسير والتبشير من أقوى المحفزات ، والتعسير والتنفير من أشد المثبطات .    

وسوم: العدد 756