أسئلة خطيرة لم تطرحها قناة الجزيرة في قضية اغتيال فتحي الشقاقي

لماذا يرحب نظام الأسد بفصائل المقاومة !؟

كان جميلا ومفيدا ما طرحته قناة الجزيرة – مشكورة - عشية 22/ 1 / 2018 ، عن استشهاد المقاوم الفلسطيني ، مؤسس حركة الجهاد الإسلامي الشهيد فتحي الشقاقي الذي قضى رحمه الله تعالى ، اغتيالا على يد الموساد الإسرائيلي في جزيرة مالطة ..ومع وضوح الحقائق وجلائها ، فقد ظل في سياق الأحداث بقع مظلمة كانت تستحق من مقدم البرنامج إضاءتها ، وكشف اللثام عنها .

من المفيد قبل أن نلقي بعض الأسئلة على البقع المظلمة في برنامج قناة الجزيرة لإنارتها ؛ أن نطرح سؤالا يخصنا نحن السوريين :

 لماذا لم تكتشف أجهزة المخابرات الأسدية أي اختراق صهيوني بحجم اختراق كوهين بعد كوهين ؟! أجهزة الأمن الأسدية التسعة عشر المتفرغة بإحصاء أنفاس السوريين والفلسطينيين واللبنانيين ، هل كان لديها أي برنامج لمتابعة الخروقات الأمنية الصهيونية ، فإن كان ، فأي طائل عملي كان من وراء هذه الجهود ..؟!

من حق أن نؤمن نحن السوريين ، أن جهاز الموساد الصهيوني ، لم يعد بحاجة إلى شخصية ضخمة على مستوى شخصية  (كوهين ) التاريخية، بعد أن نجح في إجلاس (كوهين ) جديد ، باسم جديد على كرسي الرئاسة في دمشق . في المرة الأولى اخترق الموساد الصهيوني حزب البعث بكوهين الأول . ومن ثم اخترق الموساد الصهيوني الدولة السورية ، بل والنظام العربي بحافظ الأسد وابنه بشار . لنؤكد أن هذه هي الحقيقة الوحيدة المتيقنة في إدراكنا لحرب الجاسوسية على مستوى العالم ، على ضوء ما جرى ويجري على الشعب السوري .

 وليبقى كل ما يحدث ويروى ويقال بعد ذلك مجرد تفاصيل . ولتبقى كل الشعارات التي رفعها حافظ الأسد عن تحرير فلسطين ثم تحرير الجولان ثم الصمود والتصدي ثم الأرض مقابل السلام وليبقى كل ما طرحه وريثه بشار عن المقاومة والممانعة مجرد صياغات تمويهية (كوهينية) لضرورة تغطية الموقف .

 على ضوء هذه المقدمة المهمة سوف نطرح بعض الأسئلة التي استوجبتها تحقيقات قناة الجزيرة عن مقتل الشهيد فتحي الشقاقي رحمه الله تعالى ، والتي تغافلت القناة عنها ، ولا يجوز لعاقل أن يتجاهلها..

السؤال الأول والأخطر والأهم ..

لماذا كان حافظ وبشار الأسد يحبون استقبال فصائل المقاومة بأنواعها ، وبإيديولوجياتها وتناقضاتها ..؟

إن قيل حبا بفلسطين وبالتحرير وبالصمود والتصدي والمقاومة والممانعة رد على القائل سؤال : فلماذا نصب حافظ أسد العداء لحركة فتح كبرى الحركات المقاومة الفلسطينية ، ولزعيمها ياسر عرفات ، حتى شق الحركة ، ومزقها وأخرجها من خط دفاعها الأول ، وشردها إلى تونس وغير تونس...

وإن قيل يريدها ورقة بيده في مساوماته وممارساته قلنا ، ولكن لماذا لم يُسمح لغيره من قادة المنطقة ، أن يلعبوا هذا الدور ويراهنوا على هذا الشرف ؟

إن ما شهد به برنامج قناة الجزيرة أن هذه الفصائل بمقامها في دمشق ، كانت من حيث لا تشعر ، في حضن صهيوني دافئ وناعم ، يتمتع الأسد بشرف ضيافتها وحمايتها ، مقابل مراقبتها وتقييدها ، وكشف وتسليم كل صغيرة وكبيرة من أمرها ، ضمن سلسلة من المرواغات والمساومات. التي يصعب الإحاطة بها أو تصورها.

 إن ما شهدناه على شاشة الجزيرة كان هو الجزء الظاهر من السفينة ، أما الجزء الغاطس فهو حجم المعلومات التي كانت تقدمها أجهزة المخابرات الأسدية بدأ من رأس الهرم وانتهاء بأصغر بواب على باب جهاز أمني في دمشق . الأسد يستقبل الفصيل الفلسطيني ، ويسمح له بفتح مكتب في مخيم اليرموك أو في غيره ، ثم يكتنفه المخبرون من بين يديه ومن خلفه ، وعن يمينه وعن شماله ، ومن تحت رجليه وفوق رأسه. والأجهزة الأسدية تشارك مرة وتتفرج أخرى.

المنظمات الغريرة الطيبة التي لا تفتأ تذكر دفء الحضن الأسدي لن تستطع أن تعيد جردة حساباتها بمراجعة موضوعية لما ربحت وما خسرت ، وللاختراقات التي عاشتها حيث نزل بها البلاء من حيث لم تحتسب.

وخرج الشهيد المبحوح من دمشق إلى دبي ، باسم وجواز سفر معروفين في دمشق ، ليجد الموساد بانتظاره !! يحلو للكثيرين أن يتهموا دولة الإمارات ، وضاحي خلفان ، ولكن أليس نظام  ( الأسد ) وأجهزة الأسد هي الأولى بالريبة والاتهام ؟! ومع أن وصول المبحوح إلى دبي كان سرا على دولة الإمارات وعلى دبي  وعلى الخلفان . فاسم الشهيد الحقيقي لا يعرفه إلا من منحه الجواز ، وودعه وهو يخرج من المطار . من حيث خرج كان الرجل معروفا بشخصه واسمه الحقيقي ، لا حيث وصل باسم ورسم لا يعرفه فيه أحد !! في مثل هذا تقول العرب : من مأمنه يؤتى الحذر ، وتقول حبك للشيء يعمي ويصم ..

والسؤال الثاني الذي تجاوزه برنامج قناة الجزيرة أو رواغ فيه هو في الحقيقة من شقين الأول : كيف تمكن الموساد الصهيوني من فتحي الشقاقي في دمشق ؟ والشق الثاني : لماذا لم يقتله فيها ؟

في دمشق وفي عهد الأسدين ، يعاني السوريون فيها من عسر تنفس للقبضة الأمنية الخانقة المفروضة عليهم . وكل الناس يشهدون أن الذباب الأزرق لا يطير في دمشق للعين الحمراء المفتوحة على الناس وعلى المآذن والمنابر ومعاهد التعليم  وعلى الهمس واللمس والنبز ..ثم استمع مشاهدو قناة الجزيرة  جميعا إلى شهادة الشاهد الصهيوني وهو يتحدث عن دمشق وكأنها بالنسبة للموساد الصهيوني ( حديقة الهايد بارك ) . رجال الموساد فيها كما أفاد شاهد قناة الجزيرة أحرار طلقاء ولاجون خراجون يتواصلون ويتصرفون في ( عرينهم ) أو (عرين الأسد ) ، إذ لا فرق ، وهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. سؤال ما زال يحيرني : لماذا لم يطرح برنامج قناة الجزيرة هذا السؤال ، ولماذا لم يسعفنا بالمزيد من الأدلة والشواهد عن الحرية التي كان يتمتع بها رجال الموساد ، في دمشق .

أما الشطر الثاني من السؤال لماذا رفضت قيادة الموساد قتل الشهيد فتحي الشقاقي في دمشق مع سهولة وصولها إليه ، وقدرتها عليه ؟! والجواب عمليا ليس ما حاولت قناة الجزيرة أن تصرف الأنظار إليه فتحدث شاهدها الصهيوني عن الخوف من انهيار عملية السلام ، الجواب الحقيقي يكمن في حرص المستخدم الصهيوني ، على الحفاظ على هيبة عميله ، وعدم إحراجه ، لتوفير نوع من ( البرستيج ) الملائم لمضامين الصمود والتصدي ، ولشعار ( لا صوت يعلو على صوت المعركة ) .

لا بد أن نؤكد أن هذا الكلام المباشر والمرسل على صدقيته تحكمه الكثير من القواعد والتوافقات الصارمة ، استدامة لدفء المسرح ، وحرصا على الوضع النفسي للممثلين ..

لم يقتل الموساد فتحي الشقاقي في دمشق احتراما للقواعد التعامل مع العميل الأسد . ولكن بشار الأسد يقول إن الموساد كسر قواعد اللعبة وقتل عماد مغنية في دمشق بعد ثلاثة عشر عاما تقريبا .

 زوجة عماد مغنية تكذب بشار الأسد وتقول إن آصف شوكت هو من قتل زوجها ، وليس الموساد الصهيوني . وفي رواية أن القواعد قد كسرت بين عهد حافظ ، وعهد بشار الذي اخترق الطيران الإسرائيلي جدار الصوت فوق رأسه ، وقتل الموساد الصهيوني  مرة أخرى مستشاره  الخاص محمد سلمان في منتجعه الساحلي ..

والسؤال الثالث والأهم : أين كانت المخابرات الأسدية في هذا المشهد وهي الأضخم والأكثر إثارة للخوف والفزع على مستوى المنطقة ؟!

لا أسأل لماذا لم تفتح قناة الجزيرة ملف اغتيال الشهيد الشقاقي في أدراج المخابرات الأسدية ، بعد أكثر من عشرين عاما على اغتياله ..

ولكن لماذا خرج المشاهد لبرنامج قناة الجزيرة بانطباع أن الموساد الصهيوني في دمشق وبيروت وطرابلس الغرب ومالطة كان يعمل في فراغ ..

كيف يستقبل حافظ الأسد مجاهدا أو مناضلا فلسطينيا مطلوبا من الموساد الصهيوني ، ثم يتركه مكشوفا ، لا يتابع ما يخطط ويدبر له ، ولا يحميه ولا يحذره وهو نفس ما فعله مع المبحوح من بعد .

أسئلة حقيقية وكثيرة  تضع أبناء أمتنا وشعبنا أمام حقائق كبرى لا يستهين بها إلا من غلبته شقوته أو غلبه ما أشيع من هواه ...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 756