هل تكون حوران بوّابة العبور نحو الحل السياسي المنتظر؟

أيًّا كانت قناعاتك السياسية، و مذاهبك الآيديولوجية؛ و مشاربك الفكرية، و انتماءاتُك الدينية؛ فإنّه لا فكاك لك في أن تلثُم حجارة سهول حوران السود، و تشمّ ريح ثراها العبق، المنبعث من أعماق التاريخ، حيث واديها الذي يحمل معه الخير إلى المناطق المجاورة، ابتداءً من جنوب سورية و شمال الأردن، و انتهاءً ببطاح الأنبار العراقية، الذي تغنى به الشعراء، فقال فيها شاعر الأردن الكبير مصطفى وهبي التل:

بحورانَ اجعلوا قبري لعلَّي... أشم أريجها بعد الفناء

وقال الشاعر زاهي القائد:

عالبال بعدك يا سهل حَوْران ... يا سهلَ العزة و الكرامة

 وغناها الراحل فهد بلان في لوحة تجسّد كل معاني الوحدة الوطنية، التي تجاوزت الطائفية المقيتة، فصارت من أجمل أغانينا التراثية التي تذكرنا بماض جميل، حيث النساء والرجال في الحصيد يجمعون القمح، يزرعون الأرض يتشاركون العيش والماء.

ففيها كانت صومعة الراهب بحيرة، و على ثراه خطا النبي محمد  ﷺ خطواته المباركة نحو دمشق أيام فتوته، و منها كان الفتح الإسلامي على يد أمين الأمة " أبو عبيدة بن الجراح "، برفقة سيف الله " خالد بن الوليد" في معركة اليرموك العظيمة.

لقد جادت سهول حوران برجال عظام، يصعب على الذاكرة البشرية أن تتجاوزهم، فهذا ابن قيم الجوزية، و هذا العز بن عبد السلام، و هذا الإمام النووي، و هذا ابن كثير، و هذا ابن تيمية، و هذا أبو تمام، و هذا الشاعر مصطفى وهبي التل، و رئيس الوزراء الأردني السابق عبد الرؤوف الروابدة، و رئيس الوزراء الأردني الأسبق وصفي التل رئيس الوزراء السابق، و حتى الوزير فاروق الشرع، الذي كان بوش الأب يتمنّى لو أنّه كان وزيرًا لخارجيته.

و غيرهم الكثير من رجالاتها، الذين جادت بهم أرضها، و جعلتهم هديتها للبشرية، و يصعب على الذكرة البشرية نسيانهم.

لقد كانت سهول حوران عصية على شتّى أنواع الظلم، فعندما تولي حزب الاتحاد والترقي الحكم في ( 1908) أواخر السلطنة العثمانية، اندلعت ثورة فيها أواخر عام 1910، أحداث ثورة حوران و الكرك، التي سمّاها الحكام الاتحاديون ( فتنة حوران )، و كلّفوا سامي باشا الفاروقي، الذي عرف ببطشه و قسوته؛ من أجل إخمادها.

و يصعب على من يريد أن يؤرخ لنضالات السوريين في العصر الحديث، أن ينسى نضالات الحوارنة، فهذا الأمير إسماعيل باشا بن إبراهيم الحريري الرفاعي شيخ مشايخ حوران، من أهم وجهاء الحريرية على الإطلاق في القرن العشرين، ومن أهم زعماء حوران خلال وبعد مرحلة الانتداب الفرنسي، عندما دخل الجنرال غورو بقواته، و احتل مدينة دمشق بعد معركة ميسلون سنة 1920، أصدر أوامره إليه باعتباره أحد أهم وجهاء حوران ليقوم بإمداد القوات الفرنسية الغازية برجال من قبيلته ومؤازرته في حملاته ضد الوطنيين؛ فرفض إسماعيل باشا الحريري ذلك، وبادر إلى اجتياز حدود حوران ترافقه قوة مؤلفة من خمسين فارسًا وأقام لاجئًا في الأردن، مما دفع بالفرنسيين للانتقام منه عن طريق مهاجمة منزله وتدميره، فقام ومجموعته المجاهدة بحملات متواصلة ضد القوات الفرنسية على الحدود السورية لمدة عامين، ولم يعد إلى موطنه حوران إلا بعد صدور عفو عام عنه وعن أولاده الأمراء: محمد خير الرفاعي، سالم الرفاعي، الذين كانوا قد حكموا بالإعدام، و عاد الثوار الحوارنة إلى بيوتهم من اللجاة و من الأردن، بعد أن ألقت الطائرات المناشير بالعفو عنهم، في معاقلهم في الصفا و اللجاة على الحدود مع الأردن.

و منها خرج خمسة عشر صبيًا في: 6 آذار 2011، متأثرين بربيع الثورات العربية، نادوا بالحرية بشعارات خطوها على حائط مدرسة الأربعين في درعا البلد، ثمّ لتأتي الانتفاضة الشعبية في جمعة الكرامة بتاريخ: 18/ آذار/ 2011، التي غدت حدثًا مفصليًا في تاريخ سورية الحديث.

و على أرضها اليوم، تدور رحى معركة، يُرجِّح المراقبون، أنّها ربما تكون بوابةَ العبور نحو الحل السياسي المنتظر لسورية، منذ سبع سنوات.

وسوم: العدد 779