صفقةُ القرن و التصعيد في الجنوب السوريّ

بعد جملة من التحليلات المنقسمة بين مرجح لاقتراب معركة مفصلية، و بين سريان التفاهمات الدولية والإقليمية، التي أفضت إلى تحديد مصير الجنوب السوريّ، الخاضع لسيطرة فصائل ( الجبهة الجنوبية )؛ تبلورت بالفعل معالم المعركة، ولاسيّما بعد الأرتال العسكرية الضخمة التي أرسلها النظام و القوات الإيرانية و حزب الله اللبناني، إلى منطقة ( اللجاة ) شرقي درعا و منطقة مثلث الموت في محافظة درعا، باتجاه الحدود الأردنية، مع معبر نصيب الدوليّ.

فمن منطقة وقف دائم لإطلاق النار، و ليس خفض تصعيد، بموجب اتفاق موقَّع من روسيا و أمريكا، و بمباركة أردنية ـ إسرائيلية، قبل عام مضى ( 9‏/7‏/ 2017 ).

و من تحذيرات الولايات المتحدة، بحسب بيان وزعته وزارة الخارجية بأنها " تشعر بالقلق من التقارير التي تُفيد بحدوث عمليات للحكومة السورية في جنوب غربي سورية، ضمن حدود منطقة خفض التصعيد، التي تم التفاوض حولها بين الولايات المتحدة والأردن والاتحاد الروسي في العام الماضي، و التي تم تأكيدها مجددًا بين الرئيس ترامب و الرئيس بوتين في دي نانغ بفيتنام في تشرين الثاني"، و بأنّها « ما تزال ملتزمة بالحفاظ على استقرارها، و كذلك وقف إطلاق النار الذي تستند إليه، وأنّها تؤكد مجددًا أنّ أيّ تحرك عسكري للحكومة السورية ضدها، يشكل مخاطرة بتوسيع الصراع، و إنّ الولايات المتحدة ستتخذ تدابير صارمة ومناسبة ردًا على انتهاكات الحكومة السورية فيها ".

ثمّ لتتحوّل هذه التحذيرات بشكل لافت للنظر إلى حزمة نصائح إلى طرفي التصعيد: إيران و النظام، عندما أخذا بالتحشيد في منطقة مثلث الموت باتجاه درعا، وصولاً إلى الحدود الأردنية، و منفذها " نصيب "، في يوم الجمعة: 15/ 6/ الجاري، و من غير انتظار حتى تنتهي أيام الفطر السعيد بهناء على أبناء المنطقة.

ثم لتخرج الأمور عن كلّ السياقات المنتظرة، و تقوم الخارجية الأمريكية بإرسال رسالة إلى فصائل الجنوب، بعد ظهر الخميس: 21/ 6، داعيةً إيّاها إلى ضبط النفس، و بأن لا تعوِّل عليها للقيام بأيّ عمل عسكريّ، في مواجهة هذا التصعيد.

في ذات الوقت، الذي انخرطت فيه موسكو في هذه المعركة، التي سبق أن أعلنت أنّها لن تقوم بتغطية جوية لها، ثم لتعلن قاعدة حيميم رسميًّا في: 26/ 6، خروج روسيا من اتفاق خفض التصعيد الموقع مع أمريكا بشأنها.

إنّ الأمر ليشي بجملة من الأمور التي حدثت، و حملت المراقبين على أن يذهبوا إلى الربط بينها و بين هذا التصعيد، الذي تطور بشكل دراماتيكي.

فلقد شهدت عمّان احتجاجات غير متوقّعة، في مواجهة مسألة لم تنفكّ عنها أية حكومة سابقة؛ و قد أدرك العاهل الأردني خطورة الأمر، فأرسل إليها نجله و ابنته إلى المحتجين؛ سعيًا لاحتوائها و تدارك تداعياتها، و أقال حكومة هاني الملقي على وجه السرعة، و كلف د. عمر الرزاز بحكومة، أتت على كلّ قرارات سابقتها.

و شهدت المنطقة زيارات مكوكية من مختلف الجهات المنخرطة في ملفات المنطقة، فرئيس الشرطة العسكرية يزور إسرائيل لطمأنة إسرائيل بخصوص هواجسها من الوجود الإيراني على حدودها الشمالية، و العاهل الأردني يذهب إلى قمة مكة لمساعدة الأردن لتخطي أزمته الاقتصادية، ثم يأتي رئيس الوزراء نتنياهو إلى عمان، ثم ينتهي المطاف في يوم: 17/ 6 بجولة كوشنير ( صهر ترامب، و كبير مستشاريه )، و برفقته غرينبلات ( المبعوث الأمريكي لعملية السلام في الشرق الأوسط )، إلى عدد من دول المنطقة، شملت إسرائيل و الأردن و السعودية و قطر، ليعلن بعدها عن اقتراب صفقة القرن " خطة سلام الشرق الأوسط ".

و ذلك وسط أنباء عن معارضة عدد من الأطراف في المنطقة لها، و في مقدمتها: الأردن، الذي يُرجِّح عددٌ من المراقبين أنّه قد أدرك أنّ ثمن موقفه لن يكون سهلاً عليه، و على عدد من الملفات السياسية المنخرط فيها، و من بينها التصعيد في خاصرته الشمالية مع سورية، بانخراط روسيّ مباشر، و انكفاء أمريكي معلن، و هما الضامنان الرئيسان لوقف إطلاق النار فيها، و غير بعيد عن ذلك الرضا الإسرائيليّ.

الأمر الذي حمل العاهل الأردنيّ على تحرّك دبلوماسي مكثّف، فغادر إلى واشنطن يوم الخميس: 21/ 6، للقاء الرئيس ترامب يوم الاثنين: 25/ 6؛ علّه يقنعه بالتوصل إلى نوعٍ من التهدئة في الجنوب السوريّ، فضلاً على إقناعه بوجهة نظر الأردن من صفقة القرن، وكلّف وزير خارجيته أيمن الصفدي لإجراء اتصالات مع الروس؛ للحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار، و للحؤول دون تفجر العنف، الذي قد يخرج عن السيطرة، و يرسم ملامح غير متفق عليها في خارطة المنطقة.

و يبدو أنّ هذه التحرّكات قد أثمرت عن بعض التفاهمات المبدئية، لعقد اجتماعات ثلاثية ( أمريكية ـ روسية ـ أردنية ) في عمان، الأسبوع المقبل؛ للبحث في آفاق تسوية تشمل توقّف الأعمال التصعيدية، و نشر قوات النظام على الحدود مع الأردن، و فتح معبر نصيب.

وسوم: العدد 779