سلامُ الله على السودان!

▪تَعرف الأوطانُ أصدقاءَها الحقيقيين والمزيفين، عندما تغزوها الفتن وتدخل في ظل المحن، حيث يختفي الصديق المزيف، وفي المحنة التي يتعرض لها وطننا يعاني اليمنيون من أوجاع الحرب والفقر، ومن آلام التغرب والشتات، وفي هذه الأثناء انكشف المستور واتضحت الحقائق!

▪لقد تنكّرت لليمنيين الحوادث، وعبست في وجوههم الأيام، وكشَّرت لهم نوائب الزمان عن أنيابها، وتنكّب أشقاؤهم طريق الأخوة؛ فصنعوا لهم مآسي وأحزاناً انضافت فوق أوزار الحرب، وكم يتضاعف الوجع عندما يتحوّل الشقيق إلى شقيقة في الرأس، ويستحيل الأخ إلى حرب هوجاء، حيث تصبح قراراتُه وإجراءاتُه حصوةً في كُلْيَتك وغُصةً في حلقك، حتى أنه لا يُحس بقلبك الذي يقطر دماً بل ولا يرى دمعتك التي تسيل على خَدَّيْ كرامتك المهدورة!

▪لقد تنكّر لليمنيين كثير من أشقاء الدم والدين، بل ووضع بعضهم في طريقهم الأشواك وحاصروهم بأسلاك الأذى، إلا إخواننا السودانيين الذين كانوا استثناء في هذا الامتحان الصعب، حيث أصدرت السلطة قرارا بدخول اليمنيين إلى السودان من دون تأشيرة بينما ألغت دول أخرى هذه الميزة التي كانت موجودة في الأصل، واحتضن الشعبُ الكريم النازحين بدفئ المحبة ومشاعر الأخوة، وفتحت بعض الجامعات ذراعيها للطلاب اليمنيين كالسودانيين تماماً، واشترك الجيش السوداني في تحرير بلادهم من عصابات القتل والانقلاب بدون أي مَنّ، ولم يصدر من أي سوداني ما يُشعر اليمني بالغربة أبداً.

▪لقد أثبت السودانيون أنهم أشقاء التَّرَح كما كانوا شركاءَ الفرح، وبرهنوا على أن أُخوَّتهم لليمنيين أصيلة لا منحولة وقوية لا ضعيفة، فها هي محفورة في الصخر، ومغموسة بالعرق، ومُعمّدة بالدم، ولم تزدها المحن إلا أصالةً ولمعاناً؛ ولذلك فقد اشتركوا مع إخوانهم في اقتسام رغيف الخبز وتَحمُّل قُرص الوجع هذا  على الرغم من أنهم ليسوا في بحبوحة من العيش بل يعاني عامتهم من الفقر والمسغبة، وتعاني بلادهم من أصناف عديدة من النوائب والمصائب!

▪لقد فتح السودان حدوده عندما أغلقت الحدود أبوابها دون اليمنيين، واحتضنهم الشعب عندما قلب لهم الغيرُ ظهر المِجَنّ، ولقد ابتسم الأزوال في وجوه من عبس جيرانُهم في وجوههم، وكانوا ترياقاً لجروحهم وبَلْسماً لندوبهم، ولو استطاعوا لكانوا إكسيراً لحياتهم.

صحيح أنهم ليسوا أغنياء في الأموال لكنهم أغنياء في أخلاقهم وقيمهم، حيث سارعوا إلى عزف أغنيات الفرح بإخوانهم، ونشر مشاعر البهجة بحضورهم، وإشاعة مظاهر الحفاوة بقدومهم.

▪فللّه درُّكم أيها السودانيون، فقد كنتم كباراً كما أنتم، وعظماء كما هو عهدنا بكم، حيث وفّيتم حينما تنكّر غيرُكم، وأعطيتم حينما منع الإخوة الأثرياء مُقومات الحياة عن شعب ينحدرون من صُلبه ويفتخرون بأمجاده، ويلوكون ألسنة الكذب في مدحه والتغني بأخوته، وما فتئ هذا الشعب يُقدِّم كل غال ونفيس لمن يتعرض من أشقائه لنوائب الدهر وعوادي الأيام من دون مَنٍّ ولا أذى.

▪ سلامُ الله عليكم أيها السودانيون في الأولين وسلام عليكم في الآخرين، وطبتم وطابت بلادكم، وزاد الله لكم من أفضاله وأنواله، ونسأله تعالى أن يُقدّرنا على إعادة الجميل لكم، ودمتم في حَدَقات الأعين وفي حدائق القلوب.

وسوم: العدد 779