اللعبُ في عقول السوريين

لعلّ من أخطر ما تحاوله، وما تزال تسعى إليه بعض الأطراف المتحركة في الملف السوريّ، أنّها تجهد للسير في دهاليز وأغوار عقل السوريين، بما يمكن تسميته " اللعبُ في العقول"، التي تهدف إلى تجهيل الإنسان، وإيصاله إلى مرحلة لا يحسد عليها، من الضحالة الفكرية.

و هو أمرٌ درجت عليه منظومة الدول، المصنفة في المرتبة الثالثة، في التصنيف العالمي المكوّن من ثلاث فئات.

و أشدُّها في ذلك الدول العسكرتارية، ذات قرون الاستشعار الأمنية الطويلة، حيث مصادر الثروة الوطنية في خزينة، لا تفتح إلاّ ببصمة صوت الزعيم المُلهم.

فلقد فنيت أجيالٌ، و هي لا تعرف حصتها من الدخل القومي، و لا نصيبها من ركاز الأرض، التي يعيشون فوقها، و فدتها أرواحهم و فلذات أكبادُهم، و قصارى القول الذي كانوا يحظون به، حينما يرغبون في الاطلاع على ذلك: إنّه في أيدٍ أمينة.

و أقبح ما يكون فيه هذا الأمر، عندما تحتدم الصرعات بين الأمم و الأفراد، فتسعى كلُّ طائفة إلى حجب المعلومة ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا، أو إلى تقديم معلومة مغلوطة؛ بغية تضليله، و جعله ينساق وراء غرائزه، من دون بصيرة أو تفكير، فيقع في وهدة الجهل و الضلال، و يبني قراراته على قاعدة بيانات ينتابها النقص من كلّ جانب، و يمشي مع الآخرين على غير هدى، و يسلمهم قياد نفسه، ليهبطوا في درك الحيوانية، بعيدًا عن منزلة الإنسانية، التي كرّمه الله بها، و جعله خليفة له في الأرض، حينما علمه الأسماء كلّها، ما جعل الملائكة تغبطه، و تخوض جولة من النقاش، أنْ آتاهُ ما لم يؤتها.

و إنّ ما يحمل على هذا الحديث، هو ما نراه في الحالة السورية، من سعي الأطراف بعمومها، إلى التلاعب بعقول الحواضن المجتمعية، بغية جعلهم يركبون المركب الذي أرادوه لهم.

فبين الحين و الآخر يطلّ علينا متصدرو المشهد الإعلامي، من الروس، الذين يمنون على السوريين بأنّهم بعد ثلاث سنوات، منذ تدخلهم العسكريّ في المشهد السوري، في أيلول 2015، قد أعادوا إلى حضن الوطن، ما يقرب من 95% من الجغرافيا السورية.

و هو قولٌ تفنّده أولى العمليات الحسابية، و فيه من الضحك على العقول، ما يجعل الإنسان يخجل من نفسه، و هو يستمع إلى جملة هؤلاء المتحدّثين، الذين استهوتهم هذه اللعبة، التي تكاد أن تقترب من ظاهرة " الاستغباء، و الاستحمار ".

من غير فذلكة أو شطارة سنجد أنّ أمريكا تسيطر على أغنى منطقة في شمال شرق سورية، تصل نسبتها إلى 30% من " 185 ألف كم2 "، من قسمة " سايكس بيكو ".

يضاف إليها ما نسبته 7% باتت تحت نفوذ تركيا، بما يعادل " 12 ألف كم2 " تشمل مناطق درع الفرات، و غصن الزيتون، و منطقة خفض التصعيد الرابعة، أو ما بات يعرف بـ " إدلب ".

فيكون المتبقي 63%، بما فيها من مناطق الحماد، التي لا تحسب على حصة أيّ من الأطراف المتنافسة في الجغرافية السورية.

و مثل ذلك ما يذهب إليه بعض الأفرقاء في صفّ المعارضة، الذين لا يروق لهم المسار السياسي، الذي باتت تميل إليه نسبٌ كبيرة من الحواضن الاجتماعية، بعد تفاهم سوتشي، الموقع بين تركيا و روسيا، في: 17/ 9 الجاري، و القاضي في أهمّ بنوده إلى إنشاء منطقة عازلة، تمتدّ على طول خط المواجهة مع النظام، من ريف اللاذقية، و حتى أطراف ريف حلب الغربي، من جهة منطقة غصن الزيتون، و بعمق يتراوح من: 15 إلى 20 كم، مناصفة بين النظام و الفصائل.

و هو في جملته لا يعدو " 200 كم في 8 كم "، بما يقرب من " 1600 كم2 " من جهة المعارضة، و مثلها من النظام، و تخلو من السلاح الثقيل من كلا الطرفين، ليبقى المتوسط و الخفيف، و بإشراف تركي من جهة الفصائل، و روسيّ من جهة النظام.

فيخرج على السوريين مَنْ يجعل حاصل العملية الحسابية " 4000كم2 "، من جهة المعارضة حصرًا، و هو أمر يفتقر إلى المنطق في مخاطبة الآخرين.

إنّه بغض النظر عن الرضا بهذا التفاهم، أو رفضه، فإنّ من الإنصاف أن يساق الرأي بعيدًا عن الهوى، و اللعب في العقول.

وسوم: العدد 791