في الذكرى السنوية لتدمير الموصل، ما هي قضية الموصل؟

قبل عامين من يوم (17-10-2018) بدأت الحكومة حملتها العسكرية على الموصل تحت عنوان تحريرها من عصابات داعش. استمرت الحملة 9 أشهر وخلفت 50 ألف قتيلا وقرابة مليون نازح ودمارا اختلطت صوره بدمار القنبلة الذرية لهيروشيما. وكان 50 ألفاً من قوات الحكومة قد سلمت الموصل لبضعة مئات من داعش وتركت المدينة المنزوعة السلاح لتعيش ثلاثة اعوام تحت الرعب والمرض والجهل والجوع.

ما حدث للموصل لا يقل عما حصل لفلسطين بل يتجاوزه. أطلق الفلسيطينيون "النكبة" على 1948 و "النكسة" على 1967 ومجزرة دير ياسين على مقتل 54 مدني أعزل، تحت هذه العناوين نشأت أجيال لم تحضر أحداث ضياع فلسطين لكن حكايته حاضرة في أذهانهم، وتحتها حمل الفلسطينيون قضية فلسطين إلى كل حدث دولي وبسببها عرف العالم ومنظماته وأحزابه وعدد مهم من الدول أن هناك جريمة واصطفوا إلى حق ضائع اسمه فلسطين.

فما عنوان قضية الموصل؟

إذا نحن أسمينا تدمير الموصل "تحريراً" والمليشيات التي نفذته وتنشر الفساد وتخطف وتعتقل أبناء الموصل وتغير تكوينها الاجتماعي وتخنق اقتصادها "قوات محررة"، وأسمينا الحكومة التي سلمت الموصل لداعش ثم دمرتها وتركت جثث أهلها تحت الأنقاض "دولة"، وأسمينا الدستور الذي هو صمام الفساد "المرجع القانوني"، وتحدثنا عن جرائم داعش وسكتنا عن جرائم الحشد الشعبي، فما هي إذا مشكلة الموصل؟ وماذا سيعرف عنها من سيسمع بها ولم يرها؟ وما هي شكوى الموصل أمام العالم؟ وكيف سيصنع أهلها حلولا لمشكلة ليس لها عنوان؟  

الفرق كبير بين طريقة إدارة نكبة فلسطين ونكبة الموصل، ومقولة إن العدو في فلسطين مكشوف وفي العراق مقنع لا تكفي. 

ما ساعد الفلسطينيين على عنونة قضيتهم أمران: جماهيرية الجهد (في غياب الدولة) ووقوف الإعلام العربي حينها إلى جانبهم.

تعودنا (نحن أبناء الدولة) أن نقرأ تاريخنا في مناهج دراسية تضعها الوزارة في العاصمة بغداد، اليوم لا توجد وزراة في بغداد تكتب ما حدث للموصل وبذلك تنتقل المسؤولية إلى المجتمع. 

لكننا وبخلاف الفلسطينين لا زلنا نعتبر أنفسنا أن لدينا وطناً مستقلاً ودولة يمكن إيجاد الحل عندها وهو ما يحرم مدينتنا من الجهد الجماهيري الذي يمثل قناعات الناس والحر من ترسبات ثقافات منتهية الصلاحية.

على أهل الموصل أن يحدثوا أبناءهم بحكايات بديلة عن الحكايات الشعبية "يوم جمد الشط" و "سنة الليرة" إلى حكايات هادفة عن أحداث شكلت منعرجات حادة في حياتهم كالتي يتذكرها الطاعنون في السن بلندن عن حرق النازيين لها بالصواريخ الحارقة وهم لم يعاصروها، ومن ذلك:

▪تأكيد ضباط الموصل (في الجيش الوطني) أن خطة الحرب كانت تهدف إلى تدمير الموصل

▪رفض الحكومة إلقاء مواد غذائية من الجو على الأحياء السكنية المحاصرة التي فتك بها الجوع وكانت تقتات على الحشائش

▪تصريح قائد المليشيات أمام العدسات: دمرتهم بالمدفعية والصواريخ ثأراً لكم (للمليشيات)

▪اعتقال عشرات الآلاف من شباب الموصل لتشابه أسماء مع عناصر داعش.

▪انضمام عناصر داعش إلى مليشيات الحشد الشعبي بعد انتهاء الحرب

▪اقتحام القوات الحكومية للموصل من دون سيارات إسعاف أو استعدادات طبية لإنقاذ الجرحى المدنيين الذين ماتوا تحت النزف

▪غادرت الحكومة الموصل وهي كومة أنقاض ولم تخصص لها حصة إعمار في الميزانية العامة

مخطئ من يظن أن الموصل غير قادرة على النهوض من جديد، لكنها قبل ذلك أمام قناعات جريئة لابد من اتخاذها، على رأسها:

▪أن الحرب لم تنتهِ، والحرب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي تلي الحرب العسكرية أشد فتكاً

▪لا حلول تحت سقف النظام الذي دمر الموصل ثم تخلى عنها

▪تخوض الموصل حرب فناء على ثلاثة جبهات (هي أثمن ما تملك) لابد من حسمها لصالحها بأي ثمن: العرض والنفس والمال

▪القناعة بحاجة الموصل إلى حماية حليف إقليمي تأتمنه على هذه الجبهات الثلاثة وما سواها يأتي بالأولوية التي تليها وقابل للتفاهمات

▪الأتراك يمكن أن يختلفوا معنا في مجالات لكنهم لا يقتربون من أشياء ثلاثة: العرض والنفس والمال وهي صمام نجاة المجتمع الذي سيقوم بعملية البناء.

▪تنمية الثقافة الإقليمية وتخليصها من الأخطاء والدسائس لملء فراغ ثقافي واجتماعي تركته وراءها الدولة التي كانت.

وسوم: العدد 797