"قيصر" أداة تحتاج إلى استراتيجية في سوريا

في شهر كانون الثاني الماضي، صوت مجلس النواب الأمريكي على مشروع قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا للعام ٢٠١٩، وفي الأسبوع الأول من الشهر الحالي، قام مجلس الشيوخ بالتصويت على مشروع القانون بصفته جزءاً من حزمة تتضمن مشروعين آخرين كذلك ضمن قانون تعزيز أمن الولايات المتّحدة في الشرق الاوسط.

ويسمح قانون قيصر بفرض عقوبات على من يدعم نظام الأسد ويتعامل معه من الناحية الاقتصادية والمالية بما في ذلك عمليات التمويل، والمشاركة في عملية إعادة الإعمار، ودعم قطاع الطاقة والطيران وتأمين قطع الغيار.. إلخ. كما يفرض القانون عقوبات على الأجانب العاملين كمتعاقدين عسكريين أو في ميليشيات تقاتل لصالح نظام الأسد أو نيابة عنه على الأرض في سوريا.

وفي ظل النقاش الجاري حول مدى أهمية هذا القانون لناحية التوقيت والمضمون، ومدى فعاليته أيضا حال تطبيقه ضد نظام الأسد، هناك بضعة ملاحظات لا بد من أخذها بعين الاعتبار. القانون مهم جداً وضروري ومطلوب، لكنّه متأخر جداً قياساً بالتطورات التي تشهدها الساحة السورية وبالمسافة التي قطعها نظام الأسد وداعموه في عملية التعويم وإعادة التطبيع. وبالرغم من ذلك لا يمكننا إلا أن نثني على القانون لأنّه من الممكن له أن يكون ورقة ممتازة في الملف السوري.

لكن في المقابل، من المهم التذكير بأنّ مراحل نفاذ هذا القانون لم تكتمل بعد وهو يحتاج إلى

تكمن أهمية القانون كذلك في إمكانية استخدامه كأداة ضغط ليس على نظام الأسد وحسب وإنما على داعميه أيضا لاسيما إيران وروسيا

توقيع الرئيس الأمريكي في المرحلة النهائية. وكما أصبح معلوماً، فإن كل ما يتعلق بالرئيس ترمب لا يمكن المراهنة عليه إلا بعد التأكد من صدوره ومتابعته، وبالتالي فإن جزءً من الحسابات المتعلقة بهذا القانون يجب أن تأخذ بعين الاعتبار هذه النقطة بالتحديد عند الحديث عنه.

تكمن أهمية القانون كذلك في إمكانية استخدامه كأداة ضغط ليس على نظام الأسد وحسب وإنما على داعميه أيضا لاسيما إيران وروسيا. هناك من يشير إلى أنّ إقرار القانون بحد ذاته هو رسالة مهمّة ساعدت على كبح اندفاع بعض الدول العربية باتجاه عملية إعادة التطبيع، وربما تثبّط من عزيمة الآخرين الذين كانوا ينوون إتباع نفس النهج أو الأسلوب.

أمّا وقد قلنا هذا الكلام، فإن القانون لا يبدو مخصصاً لمحاسبة الأسد أو الإطاحة به، وكونه مجرّد قانون لا يكفي لكي يكون رادعاً أو فعّالاً بذاته، فنظام الأسد استطاع تجاوز الكثير من قوانين العقوبات الأمريكية والأوروبية والدولية التي تمّ إقرارها حتى اليوم، ولذلك لا بد أنّه سيسعى مع حلفائه إلى طرق للالتفاف لاحقاً حوله. البعض يشير إلى أنّ القانون سيجعل من عملة تعويم نظام الأسد أو عملية التطبيع معه أمراً مستحيلاً وهو تقييم غير دقيق في أحسن الأحوال، ذلك أنّ القطع بصحة

خلال السنوات الماضية قامت العديد من الدول الصديقة والحليفة للولايات المتّحدة بخرق العقوبات دون أي رادع بما في ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة

هذا الأمر سيرتبط ارتباطاً وثيقاً بكيفية تطبيق القانون لاحقاً، فإذا تمّ تطبيقه بشكل وثيق، عندها من الممكن الحديث عن هذا الأمر، لكن حتى حينه فالأرجح أنّه لن يحمل معه هذه القطعية.

الأمر الآخر المتعلق بهذه النقطة بالتحديد هو ذلك المرتبط بمدى توافر الإرادة لدى الإدارة الأمريكية لفرض عقوبات على حلفائها ممّن يصرون على خرق العقوبات وليس على إيران وروسيا فقط. خلال السنوات الماضية قامت العديد من الدول الصديقة والحليفة للولايات المتّحدة بخرق العقوبات دون أي رادع بما في ذلك دولة الإمارات العربية المتحدة -على سبيل المثال لا الحصر-. فبالإضافة إلى العلاقات السياسية والدبلوماسية، للإمارات الكثير من الاستثمارات في مجال المقاولات والعقار في سوريا حالياً بالشراكة مع نظام الأسد، فإذا لم تقم واشنطن بمنع حلفائها في البداية، فالغالب أنّ القانون لن يردع حلفاء النظام السوري.

في النهاية، يجب أن ننظر إلى هذا القانون باعتباره أداة للضغط على النظام وحلفائه وللحصول ربما في وقت لاحق على تنازلات منه مقابل الالتزام بعملية سياسية جادة والتوصل إلى حل سياسي مستدام في سوريا، لكن وكأي أداة، فإنها ما لم تكن جزءاً من مجموعة أوراق ضمن استراتيجية واضحة لتحقيق هذه الأهداف، لن تكون حينها ذات قيمة حقيقية. وحتى الآن لم نر أي استراتيجية جدّية لدى هذه الإدارة في التعامل مع الملف السوري، وإذا لم يتم حسن هذا الموضع قريباً، فإن مدى فعالية القانون وتأثيره على نظام الأسد سيكون مثاراً في أحسن الأحوال.

وسوم: العدد 811