هل انتصر الأسد فعلا؟

يكثر الحديث مؤخراً في وسائل الإعلام الغربية عن انتصار الأسد على الثورة السورية في معركة غير متكافئة تم فرضها على المتظاهرين العزّل قبل حوالي ٨ سنوات. ويستند هذا الادعاء المتعلق بالانتصار إلى معيارين رئيسيين هما بقاء الأسد في السلطة وتوسيع دائرة إعادة السيطرة على الأراضي السورية. ثم تنتهي القصّة عند هذا الحد، ويبدأ الحديث عن عملية إعادة تطبيع العلاقات الجارية مع نظام الأسد من قبل عدد من دول المنطقة والعالم.

مثل هذا التشخيص فيه الكثير من التسطيح فضلاً عن أنّه له تداعيات على طريقة فهمنا للصراع الجاري في سوريا

والمسار الذي سيسلكه هذا الصراع وكيف من المفترض أن يُدار. ربما بقي الأسد حتى الآن، لكن ليس هناك من أحد يستطيع أن يشكك في حقيقة أنّه لا يحكم وإنما يتم إدارة المناطق التي يسيطر عليها من قبل عدّة دول أخرى على رأسها روسيا وإيران. علاوة على ذلك، فإنّ مسألة بقائه في الحكم غير محسومة، لا بل إنّ الصراع على هذه النقطة بالتحديد من المتوقع له أن يبدأ مجدداً فور انتهاء الصراع المسلّح.

مسألة أخرى تتعلق بتوسيع نطاق سيطرة نظام الأسد على الأرض. صحيح أنّ نسبة سيطرة النظام على الأرض آخذة في الاتساع بسبب الدعم الروسي والإيراني وتراجع مساحة سيطرة اللاعبين الآخرين، لكنّ الطريق لا يزال طويلاً للسيطرة على كامل الأراضي السورية أولاً، وثانياً السيطرة على الأرض شيء والقدرة على إبقائها تحت السيطرة شيء آخر مختلف كلياً. خلال السنوات الثماني السابقة، تبادل عدد كبير من الأطراف السيطرة على غالبية مساحة سوريا، وانتقلت من النظام إلى المعارضة إلى داعش إلى النظام مجدداً، لكن الأكيد أنّ النظام لا يمتلك اليوم ما يخوّله المحافظة على سيطرته على المساحة الأكبر من سوريا فضلاً عن كل سوريا. ربما يراهن البعض على أنه سيكون قادراً على ذلك، لكنّني أرى أنّ هذا الأمر لا يزال بعيد المنال، كما أنّ سيطرة النظام هشّة حتى في المناطق التي يوجد فيها.

يوم الأحد الماضي، قام نظام بشار الأسد بوضع تمثال جديد لحافظ الأسد في مدينة درعا، حيث انطلقت شرارة الثورة السورية عام ٢٠١١. وقد أثار هذا التصرف غضباً في الشارع حيث كان السكّان قد أطاحوا بالتمثال الأصلي قبل حوالي ثماني سنوات. وبالرغم من أنّ النظام كان قد سيطر على هذه المنطقة قبل عدّة أشهر فقط، إلاّ أنّ ذلك لم يمنع الناس من التجمهر والتظاهر وترديد شعارات ضد نظام الأسد احتجاجاً على هذا الأمر. مثل هذه المؤشرات مهمة جداً لأنّها تعكس قدرة على مواصلة الصراع مع نظام الأسد بطرق وأساليب مختلفة عمّا جرى خلال السنوات الماضية، وهذا هو الشق الأهم في تقديري في معرفة إذا ما كان الأسد انتصر أم لا. السيطرة على الأراضي مؤشر مؤقت ومتغير في نفس الوقت، لكن استمرار الاحتجاج على سياسات نظام الأسد هي معيار أكثر دلالة ومعنى في معادلة الانتصار.

علاوة على ما تمّ ذكره، يوجد عدد لا متناهي من التحديات الداخلية والخارجية التي سيكون على نظام الأسد تجاوزها قبل أن ندّعي بأنّه سيكون قادراً على البقاء فضلاً عن الحكم. ولا تقتصر هذه التحديات على الشق الاقتصادي وعلى مسألة إعادة الإعمار وعلى مسألة الشرعية الدولية وعلى مسألة إعادة اللاجئين فقط، بل ستتجاوز ذلك بالتأكيد، وقد يصبح الأمر أكثر صعوبة بالنسبة إلى النظام مع تنافس اللاعبين الإقليميين والدوليين على سوريا وفيها. والحقيقة أنّه بسبب ترهّل نظام الأسد وضعفه السياسي والاقتصادي والعسكري، فإنه قد يخشى من هذه التحديات أكثر من خشيته من المعارضة. ففي حين كان إطلاق ورقة تنظيم داعش بمثابة خشبة الخلاص بالنسبة له للنيل من المعارضة، فإنّ مثل هذه الورقة لن تنفعه في مواجهة هذه التحديات مستقبلاً. خلاصة القول إنّ الادعاء بحسم الأسد للمعركة هو ادّعاء سطحي وقصير النظر، وغير واقعي أيضاً، فمعركة سوريا ستستمر إلى وقت غير قصير وإن بأشكال مختلفة.

وسوم: العدد 815