الحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب: رؤية إيرانية

ماذا يعني إدراج الحرس الثوري الإيراني على لائحة الإرهاب أميركياً؟ وما هي انعكاسات ذلك داخلياً وخارجياً؟ 

توحّدت نبرة الإعلام الإيراني من أصولية إلى إصلاحية وحتى المعتدلة حول قرار الإدارة الأمريكية في إدراج قوات مؤسسة الحرس الثوري على قائمة المنظمات الإرهابية. فالجميع أكدّ على معارضته لهذا القرار، وادعو معارضته كذلك للقانون الدولي، مطالبين بردّ حاسم من الدولة الإيرانية على هذا القرار الجائر.

فالصحف  المحسوبة على الجناح المحافظ  اعتبرت أن تصنيف أمريكا لفيلق القدس كتنظيم إرهابي عام 2007 اقترن بفصول من زيادة قوة الحرس الثوري، وتعزيز نفوذه ووجوده في المنطقة حتى وصل إلى البحر المتوسط، واليوم وبعد أن تشكّلت شبكة من القوات الموالية للحرس الثوري في مختلف أنحاء المنطقة، في العراق، وسوريا، ولبنان، واليمن، والتي نجحت في هزيمة واشنطن وكل قوى التطرف والارهاب، مؤكدة أن إيران حققت إنجازات كبيرة وعظيمة بفضل دور الحرس الثوري في تعزيز حروب الوكالة، ما أدى إلى الحاق الهزيمة بالقوات الأميركية، وانسحابها  من سوريا، والعراق، وأصبحت حكومتي العراق، وسوريا حليفاً سياسياً وعسكرياً واقتصادياً لإيران بفضل تضحيات الحرس الثوري، لافتة إلى أن القرار الأمريكي بإدراج الحرس الثوري على لائحة الارهاب سيسلب من الجنود الأمريكيين في المنطقة ما تبقّى لهم من أمن “مصطنع”، حيث ساعدت طهران في تحقيقه بعد الموقف الإيراني باعتبار الجنود الأمريكيين إرهابيين .

ومن جانبه طالب مجلس الأمن القومي الإيراني بتصنيف القيادة الوسطى الأميركية والقوات المرتبطة بها في الشرق الأوسط كيانا إرهابيا، كما دخلت وزارة الخارجية الإيرانية على الخط، حيث اقترحت على الرئيس ومجلس الأمن اتخاذ هذا القرار.

clip_image002_176e0.jpg

وسط كل ما يجري كيف ستتأثر إيران والحرس الثوري بالإعلان الأميركي وهل سيكون لذلك تداعيات سياسية وأمنية على المنطقة؟ 

تقول إيران إن الحرس الثوري ليس مجرّد قوة عسكرية متمركزة في إيران وفي المنطقة فحسب، فالحرس يمتلك أكبر ذراع اقتصادي في الإقليم من خلال مؤسسة خاتم الأنبياء التي ينضوي تحته أكثر من 853 مؤسسة تعمل في الطاقة والاتصالات والإعمار ولديه وكالات تجارية ومراكز تجارية وفنادق وشركات طيران وبنوك، وشركات صرافه ومؤسسات إعلامية على امتداد إيران وخارجها، وهذا يعني أن الملايين الذين يعملون في مؤسسات تابعة للحرس، أو مرتبطة بالحرس سيتحولون بين ليلة وضحاها إلى جيش من الإرهابيين من وجهة النظر الأميركية. وكذلك فإن عشرات الآلاف من الشبان الإيرانيين ينضوون كل عام في إطار الخدمة الإلزامية العسكرية تحت لواء الحرس الثوري وهو ما سيعني أيضا زيادة عدد أكبر من الإيرانيين إلى لائحة أميركا، وسيكونون عرضة للاستهداف داخل إيران وخارجها، و هذا الأمر قد يسّرع بدوره في عملية فصل الحرس عن النشاطات الاقتصادية والمالية في إيران، وحصر دوره في الساحة الإيرانية بالجانب العسكري والأمني فقط، هذا فضلا عن أن هناك نخبا محسوبة على الحرس موجودة في كل مؤسسات الدولة الإيرانية، ومن هنا فإن تحويل شريحة كبيرة من الشعب الإيراني إلى إرهابيين لن يكون آخر انعكاسات هذا القرار. فالحرس من جهة ثانية لديه نفوذ وامتداد إقليمي وحلفاء في لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن، وباكستان، وأفغانستان، وهذا يعني أن عناصر الحركات والتنظيمات التي تعمل مع الحرس الثوري، وهو ما سيعني أن كل من حارب، أو تلقّى تدريبا من الحرس الثوري، من هذه الدول بدوره سيتحول إلى عنصر إرهابي.

clip_image004_97d26.jpg

و بالنسبة لواشنطن فالتصنيف يهدف أيضا للضغط على حكومات وشعوب دول كالعراق، ولبنان للوقوف إلى جانب أميركا في حربها  مع إيران، وهذا الضغط سيوّلد بدوره فتن داخلية في حال تزايد على الحكومات للاختيار بينها وبين حلفاء الحرس الثوري، وبعبارة أخرى، يمكن أن يتحول هذا الضغط مع الوقت إلى وصفة سريعة لحروب داخلية لا تنتهي.

ففي العراق تحديدا، وهو نقطة الاشتباك الأميركية الإيرانية الأهم في المنطقة، ومع تسريب خبر إضافة الحرس الثوري إلى لائحة المنظمات الإرهابية، كان لافتا توصية المرشد الأعلى آية الله خامنئي خلال استقباله رئيس الوزراء العراقي بضرورة إخراج الأميركيين بأسرع ما يكون من البلاد، وتحمل الدعوة رسالة إلى واشنطن بأن ذكريات ما بعد الغزو الأميركي للعراق في العام ٢٠٠٣، قد تتكرر بشكل مختلف. فحلفاء إيران في العراق اليوم أكثر بكثير من حلفائها في الأمس، فضلا عن أن فلول القاعدة وداعش في حال توفّر السلاح لهم من جديد، كما في مرحلة ما بعد الغزو، فقد يجتمعوا ضمن مجموعات تقاتل الأميركيين مجددا. والفارق اليوم أن الولايات المتحدة غير منتشرة على الأراضي العراقية كما في السابق، إنما محدد وجودها في مجموعة من القواعد العسكرية والمصالح الاقتصادية.

ومن غير قواعد اشتباك واضحة، سيكون أي توتر مستقبلي شديد الخطورة في المياه الخليجية التي تجمع كلا من الحرس الثوري المصنف أميركا كمنظمة إرهابية، والقيادة الأميركية الوسطى المصنفة إيرانيا كجهة إرهابية. لذلك فإن المشهد حاليا سيكون معقدا، وقد ينذر بالانفجار في أية لحظة، يبقى أن تصنيف الحرس كمنظمة إرهابية سيسمح للولايات المتحدة باستهداف مواقعه حيثما ما كانت، وتنفيذ عمليات اغتيال وتصفية واختطاف حيثما تشخّص واشنطن المصلحة بضرورة ذلك، وهذا وحده كاف لوضع المنطقة بأسرها على صفيح ساخن.

وسوم: العدد 819