إدراج الحرس الثوري على لائحة الإرهاب يوحّد الإصلاحيين والمحافظين

قال الرئيس الإيراني "حسن روحاني": إنه راغب في إجراء استفتاء شامل في المنطقة لتعلم جميع الشعوب من هم الأشخاص الذين تسببوا في إيقاع الظلم في المنطقة؟ ومن هم الأشخاص الذين هبوا إلى نجدة حكوماتهم وشعوبهم؟ جاء حديث "روحاني" هذا بعد يوم واحد من إدراج البيت الأبيض الأمريكي الحرس الثوري الإيراني ضمن القائمة الإرهابية. وفي موقع آخر من حديثه قال الرئيس الإيراني "حسن روحاني": إن الإجراءات الأمريكية هذه تتعارض وكافة القوانين الدولية. من جانبه وفي بيان له أعلن حزب "كاركازاران سازندكي" الإيراني ضمن انتقاده للقرار الأمريكي هذا، حيث أعلن عن إجلاله للحرس الثوري الإيراني وقال: إن الحرس الثوري الإيراني ليس بحزب أو تيار سياسي؛ إنما هو مؤسسة وطنية، كما انتقد الجناح الإصلاحي الإيراني لما اسماه بالتدخل الإمبريالي الأمريكي، وقال: إن أمريكا تفتقر إلى الصلاحية الأخلاقية، والقانونية لمكافحة الإرهاب. ومن جانبه اعتبر حزب اتحاد الشعب الإسلامي الإيراني، وهو وحزب إصلاحي أن الإجراء الأمريكي الأخير هذا إجراء تفوح منه رائحة المخاطرة، كما أنه يسعى وراء إحداث الفتنة، وأضاف قائلا: إن دفاع كافة القوى السياسية في إيران عن أركان الدولة الإيرانية ومؤسساتها العسكرية هو وظيفة دينية وتاريخية وقومية.

على ضوء هذه التصريحات كيف لإدراج الحرس الثوري ضمن لائحة الإرهاب الأمريكية أن يؤثر على العلاقات السياسية الداخلية في إيران؟ وهل يمكن له أن يعمل على تأزيم الخلافات الداخلية في إيران؟ أم أنه سيقرب التيارات السياسية المختلفة أكثر إلى بعضها البعض؟

من المؤكد أنه سيقربها، وهذا يبين حقيقة الدولة الإيرانية، وأن التصنيف بين الاصلاحي والمحافظ هو مجرد واجهة ديكورية لتبادل الأدوار، وتلميع صورة إيران القبيحة، حيث إنه بعد صدور هذا القرار قدم النائب "رضا عارف"، ونائب الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، المحسوب على التيار الإصلاحي تحت قبة البرلمان الإيراني متوشحا بلباس الحرس الثوري الإيراني لإرسال رسالة للداخل والخارج على حد سواء بأننا على ارتباط وثيق بهذه المؤسسة، وبهذا الكيان وسندافع عنه. وهنا ينبغي  الإشارة إلى ملاحظة مهمة، وهي: أن التيار الإصلاحي يدرك بأن الحرس الثوري هو صاحب السطوة و النفوذ والقوة في إيران، لهذا لا يمكن بأية حال من الأحوال مواجهته، من هنا يمكن القول: إن إدراج الحرس الثوري على قائمة الإرهاب قد شكّل فرصة مهمة للتوافق بين الجناحين المحافظ والإصلاحي، ودفعهما للدفاع عن الحرس الثوري بشدة، وبالمناسبة لم يقتصر ارتداء لباس الزي الخاص بالحرس الثوري على نواب مجلس النواب في إيران، إنما تجاوزه حتى وصل إلى وزير الخارجية الإيرانية "جواد ظريف"، وفريقه اللذين ذهبوا لمقابلة قادة الحرس الثوري ومن جملتهم الجنرال "قاسم سليماني"، وكما لاحظنا  على صفحات التواصل الاجتماعي مثل التويتر فقد دافع الكثير من الساسة في إيران "محمود صادقي"، المتحدث الأسبق باسم الحكومة الإيرانية إبان الرئيس الأسبق "محمد خاتمي"، فضلا عن كافة القوى المقربة من رئيس الجمهورية الأسبق محمد خاتمي. وأعتقد أن هؤلاء شرعوا بالدفاع عن الحرس الثوري أكثر مما يدافع الحرس عن نفسه، وهذا أمر محيّر للغاية، حيث نعتقد  أن الكلمة المفتاحية هي فيما يبدو أن  الأجنحة السياسية الإيرانية تعتقد أن هدف واشنطن من إدراج الحرس الثوري على لائحة الإرهاب هو  إحداث نوع من الانقسام في الفضاء السياسي الإيراني، كما تسعى إلى جعل الشعب الإيراني أمام خيارين، إما "الحرس الثوري، والمرشد علي خامنئي" أو "دولة متحررة"، وهم بذلك يريدون أن يضعوا الشعب في مواجهة الحرس الثوري، و محاولة إسقاطه والثورة عليه،  وهذا في المحصلة سيعمل على تقسيم المجتمع الإيراني إلى قطبين على حد اعتقاد الايرانيين، ولكن إزاء هذه التطورات كيف يمكن لهذين القطبين على صعيد السياسة الداخلية الإيرانية وهذا النظام السياسي الجديد الذي بدأ بالظهور أن يؤثر على سير الانتخابات النيابية القادمة؟              

فمن المؤكد أن كل ما يجري بالمحصلة بات يتأثر بطبيعة هذه الأزمة، وغدت كل القوى السياسية الإيرانية  تدافع عن النظام الحاكم. وأصبحت كل القوى يمينية متشددة، وهو ربما ما تريده أمريكا، فالسياسات التي يعمل النظام الإيراني على اتخاذها سياسات متشددة أكثر من الماضي، مما سيزيد من رفع وتيرة التشدد مع واشنطن، لكن السؤال المحوري هل يمكن للحرس الثوري أن يقوم بدور مباشر في السياسة الداخلية الإيرانية بعد هذا؟

في تقديرنا أن إدراج الحرس الثوري ضمن منظومة القائمة الإرهابية الأمريكية سيكون  له بالغ الأثر، لأن العقوبات الدولية المفروضة على إيران بحد ذاتها ستعمل على إعادة ترتيب قواعد  هذه اللعبة السياسية، ومحاولة  إحداث نقلة نوعية في سياسة الحكومة الإيرانية ويجعلها عرضة للتحولات والتغييرات باتجاه المزيد من التشدد، وفرز مجلس شورى ورئيس محافظ في المستقبل القريب، وربما عودة  إيران لسياسة أوائل عقد الثمانينات، والمزيد من التشدد الداخلي والخارجي، على غرار الفترة التي أطلق عليها مرحلة الاغتيالات المرعبة، كما وقعت في العام 1992 مجموعة من الاغتيالات في الخارج لأشخاص في المعارضة الإيرانية في أوروبا. أما في العام 1994 فقد أقدم النظام الإيراني على تفخيخ المركز التجاري اليهودي "عاميا" في الأرجنتين، وفي صيف العام 1996 أقدم النظام على تفجير مقر القوات الأمريكية في مدينة الخبر السعودية. في الحقيقة  أن بعض القوى الأمنية الإيرانية هي التي من قام بتلك الاغتيالات في الخارج، كما أقدمت قوى أخرى تقوم بحرب الوكالة عن إيران مثل حزب الله اللبناني ،وكما تقول الولايات المتحدة الأمريكية، بتفجيرات في جميع أنحاء العالم.

أعتقد أنه من المحتمل أن يتجه النظام الحاكم في إيران باتجاه هكذا سياسات، لهذا فإن النظام قد طوى صفحة من هذه السياسات واستطاع الحفاظ على ديمومته واستمراره، لكن مع وصول إدارة ترامب فإننا نتصور أنه سيكون هناك رد حاسم على إيران.

لكن بالمحصلة فإن متغيرات البيئة الداخلية الإيرانية لاسيما الاقتصادية والاجتماعية، هي ليست نفس الظروف التي كانت تمر بها إيران في عهد الثمانينات، هذا عدا على أن المتغيرات الإقليمية والدولية ليست التي كانت سائدة قبل عقدين من الزمن، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الأوضاع  باتت تحتوي على لاعبين مختلفين،  وأهداف مختلفة واستراتيجيات مختلفة لا يمكن التنبؤ بها خاصة مع وصول إدارة ترامب التي من المؤكد أنها لن تتهاون مع أي مغامرة إيرانية .

وسوم: العدد 820