المجموعات المرشحة لقيادة التغيير في الجزائر

clip_image002_391c3.jpg

امرأة جزائرية ترتدي علم القبائل (الأمازيغ) في مسيرات مع الآخرين خلال مظاهرة مناهضة للحكومة في مدينة وهران الساحلية الشمالية في 5 أبريل

 

 

 

      تنحى حاكم الجزائر "عبد العزيز بوتفليقة" منذ فترة طويلة عن الرئاسة، بعد أن خرج الملايين إلى الشوارع احتجاجا على ولايته الخامسة. ولا تزال المظاهرات مستمرة من أجل جزائر جديدة ومستقبل أفضل، ولكن البلاد إلى أين؟!

    والشعب الجزائر الثائر على نظام بوتفليقة لم ينس الجرائم التي كانت نقاط تحول سوداء في تاريخه ولعل أبرزها: حالات الاختفاء الناجمة عن عنف التسعينيات، والأرواح التي فقدت خلال ربيع الأسود 2001، وحقوق المرأة في الجزائر الجديدة.

عنف التسعينات:

   يعود الهدوء النسبي للجزائر خلال الانتفاضات العربية لعام 2011 في جذوره إلى ذلك العنف الشديد الذي أعقب الانفتاح الديمقراطي الحقيقي في أوائل التسعينيات. حين بدا الحزب الإسلامي -الجبهة الإسلامية للإنقاذ- مرشحًا لكسب الأغلبية البرلمانية، وفي ذلك الحين تدخل الجيش للالتفاف على إرادة الشعب.

   ولم ينس الجزائريون ذلك "العقد المظلم"، وحالات الاختفاء القسري على يد متمردين إسلاميين أو على يد الجيش والحكومة، ما دفع عائلات الضحايا إلى تشكيل مجموعات حقوقية مثل "مجموعة العائلة المقدسة"، التي تمثل عائلات المختفين من قبل الجيش والحكومة، و"الجزائرونة"، الذين يمثلون عائلات الذين قتلوا على أيدي المتمردين الإسلاميين.

    وتعدّ هذه المنظمات التي يديرها أقارب الضحايا من العناصر المهمة في عمليات الانتقال إلى السلام والديمقراطية، ووفقًا للحسابات المقارنة، فإن الروابط الرئيسة في الشبكات العالمية من أجل العدالة هي هذه الجماعات.

    فهي تعمل أيضًا في شبكات منظمات المجتمع المدني منذ عقود، وتواجه سياسات الحكومة فيما يتعلق بالإفلات من العقاب على أعمال العنف التي وقعت في التسعينيات. ففي عام 2005، اعترضوا على السياسات الجائرة، وكانوا سببا في استصدار قانون العفو ​​الشامل في ذلك العام. فإن توثيقهم الدقيق لانتهاكات حقوق الإنسان يجعلهم فاعلين رئيسيين في عمليات العدالة والمصالحة.

    وعندما تنتقل البلد نحو السلام (وليس الديمقراطية)، فإن عمليات استخراج الجثث ولجان الحقيقة المحدودة تكون على الأرجح هي الأكثر اكتمالا ونضجا، بل وقدرة على معاقبة المجرمين، ومما لا شك فيه بأنها ستضع هذا الأمر في سلّم أولوياتها. ومما يؤكد مثل هذا ما يحدث في دول الجوار، حيث قامت تونس مؤخراً بتصفّح هذه الأسئلة المعقدة من خلال قانونها الأساسي لعام 2013 حول القانون الانتقالي.

المطالبات المستندة إلى الهوية والربيع الأسود 2001:

     في 3 أبريل، وهو اليوم الذي أعلن فيه بوتفليقة تنحيه، نشر موقع "الشوف شوف"،

-وهو موقع إعلامي اجتماعي جزائري شهير- صورة للرئيس السابق في فسيفساء مصنوعة من صور فردية للقتلى في الربيع الأسود، مكتوب عليها "حتى لا ينسى أحد ما حدث في الربيع الأسود عام 2001، حيث اندلعت مظاهرات كبرى في منطقة القبائل الشرقية بعد وفاة "طالب بربري ثانوي" في حجز الشرطة. وأسفرت الحملة ضدّ المظاهرات في المنطقة عن مقتل 126 مدنياً.

   وفي عام 1980، كانت Tafsut Imazighen (ربيع البربر) أول لحظة واسعة من النشاط لدعم السكان البربر، وهم أكبر أقلية عرقية ولغوية في الجزائر. أثارت حركة البربر الثقافية، التي تحتج على رواية الحكومة المتجانسة للهوية القومية العربية الإسلامية، حملة قمع واسعة النطاق على وجه التحديد بسبب تواصلها القوي مع الصحافة الدولية، ومنظمات حقوق الإنسان. وكما هو الحال بالنسبة للبربر في المغرب، فغالبًا ما تزداد مطالب الاعتراف بالأقليات عندما تحاول الدول السيطرة على تعبيرات الهوية في الحياة اليومية. والجزائر كغيرها ستواجه مثل هذه الأحداث.

    وعلى الرغم من أن حركة حقوق البربر هي مزيج غير متجانس من الممثلين، إلا أن الحقوق اللغوية هي نقطة خلاف هامة. ففي يناير 2018، اعترفت الحكومة بالأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، وأعلنت أن السنة الأمازيغية الجديدة (Yanayer) هي عطلة وطنية. ولا يزال النقاش مستمرا حتى اليوم، عبر الإنترنت وعلى الأرض، حيث يناقش المحتجون مدى ملاءمة العلم الأمازيغي في مواقع الاحتجاج. وفي الأيام الأخيرة، علّق المتظاهرون ملصقات عليها صور وأسماء القتلى في احتجاجات 2001 أمام مكتب البريد التاريخي بوسط الجزائر.

     فمن الواضح أن الهوية الوطنية ومسائل الانتماء الأمازيغي ستظل قضية مركزية في الفترة الانتقالية. إما من خلال طلبات تخليد الذكرى، أو التحقيق المباشر في عنف الدولة.

حقوق المرأة:

    في 4 أبريل / نيسان، نشر شاب جزائري فيديو عنيفًا على وسائل التواصل الاجتماعي يحذّر فيه النساء الجزائريات من البقاء في المنازل، أو المخاطرة بهجمات عامة، مما يثير ذكريات التشوية العلني بالحمض وقتل الشابات الجامعيات خلال عنف التسعينيات. ولكن الأوقات تغيرت.

    حيث تعرّفت مجموعة حقوق المرأة Femme Insoumises DZ على الرجل بسرعة من خلال أنشطته الأخرى عبر الإنترنت. وكشف مستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي الغاضبون عن أنه مواطن بريطاني وأبلغوا الشرطة البريطانية عبر نظام على الإنترنت للإبلاغ عن مخاوف الإرهابيين. وفي غضون ساعات، أرسل الفرد فيديو شخصي إلى Femmes Insoumises DZ للاعتذار.

    لقد وجّهت الاستجابة السريعة للناشطات رسالة قوّية. حيث احتجزت الشرطة البريطانية الرجل في أثناء التحقيق وذلك لتحريضه على العنف ودعم الأنشطة الإرهابية. كما فتح مكتب المدعي العام الجزائري تحقيقًا. على الرغم من أن الجماعات النسائية قد أبلغت عن تهديدات متزايدة بالقتل في وقت قريب من أول نشر، إلا أن الفيديو الأصلي دفع إلى تدفق دعم حقوق المرأة من الرجال والنساء الجزائريين على وسائل التواصل الاجتماعي، وأبرزها ربما كان كامل داود، وهو كاتب جزائري بارز.

    وأصبحت حقوق المرأة على جدول الأعمال في لحظة الاحتجاج الوطني هذه. إذ شاركت النساء على نطاق واسع في الاحتجاجات، وتدعو مجموعة من منظمات حقوق المرأة (Les Algériennes ، Enough Algeria ، Femmes Insoumises and Srabbles) ، بشكل خاص، إلى إلغاء قانون الأسرة المحافظ والرجعي، الذي تم تبنيه في عام 1984. فهم يدعون الدولة إلى إعطاء الأولوية لحقوق المرأة المتساوية على النحو المنصوص عليه في الدستور.

وعلى الجزائر الاستعداد للآتي:

     تواجه كل من هذه الحركات الاجتماعية ادعاءات بأنها ليست مناسبة لجدول أعمال التغيير. ومع استمرار تحول الجزائر غير المؤكد، فإن هذه المجموعات هي من أكثر المجموعات تنظيماً وشبكة دولية جيدة ومتماسكة. وتستمر الأسئلة التي يطرحونها في تنظيم النقاش عبر الإنترنت، وفي الشارع في مناخ الثورة اليوم، مما يجعلهم ممثلين مهمين لمشاهدتهم في الأسابيع والأشهر المقبلة.

    جدول أعمالهم هو أساسا لدعم سيادة القانون. فإذا نجحوا به، فإن الحكومة الجزائرية الجديدة ستكون أكثر ديمقراطية لتسهيل الوصول إلى العدالة، ومعالجة قضايا الاحتراف في قوات الأمن، والتوزيع المتساوي لمزايا الجنسية الجزائرية.

وسوم: العدد 822