كم لبثنا؟

يعيش المغرب مثل باقي بلدان المعمورعلى وقع تداعيات وباء كورونا المستجد بما حمله من خوف، وهلع وقلق على مستقبل الانسانية جمعاء ، هي بلدان فرقت بينها أنظمة سياسية ومصالح اقتصادية ، وسيرورات تاريخية صنعتها دائما إرادة الأقوى ليوحدها الآن هم مشترك هو التصدي للوباء كل بما أوتي لذلك سبيلا. و طبعا لا تخفى علينا التفاوتات العلمية، الطبية و اللوجستيكية في هذا الصدد، الشيء الذي جعلنا جميعا نتساءل : هل نحن قادرون فعلا على مواجهة هذا الكائن الشيطاني المارق الذي لا نعرف حقيقة أصله و منبته، هل هو كائن طبيعي ام منتوج مختبري؟ هل هو مظهر من مظاهر جنون الطبيعة ام هو مهاجر من مختبرات القوى العظمى التي خططت لتعزيز مراكزها، و ذلك بنسف منافسيها ،و لوبإبادة الشعوب والمجتمعات.

تعددت السيناريوهات ، اختلطت الأمورو تداخلت الحقيقة واللاحقيقة، و اليقين بالوهم. و لكن الشيء الذي لا يمكن لأحد إنكاره هوأننا نعيش رجة و شبه يقظة أو صحوة جعلتنا نطرح الكثير من الأسئلة التي تهم الذات و الهوية والواقع و المجتمع..... خاصة مع ظروف الحجر، والاختلاء بالذات التي أسست عند البعض مساحة للتأمل وللتفكير، فرصة لتفكيك التمثلات وإعادة بناء المفاهيم ، مناسبة للشك في المعتقدات التي الفناها ولهدم الأفكار الجاهزة التي تعفينا من عناء التفكيرومن مرارة الاصطدام ببلادة مستحقة اصبحنا رموزا لها. هي إذن لحظة الهدم و البناء، التفكيك والتركيب، المساءلة و الاستدلال من أجل المعنى و الحقيقة.

هنا وعلى منوال أحد فتية أصحاب الكهف حين استيقظ من سباته ليسأل: كم لبثنا؟ أبادر للقول:

كم لبثنا؟

في سباتنا و في مرقدنا نسير عكس تيار العقل والمنطق والواجب والعلم .

كم لبثنا؟

نتآمر على وطننا من خلال التآمر على أهم قطاعاته:

تآمرنا على المدرسة العمومية بخطط استعجالية مرتجلة و بإصلاحات عشوائية تواترت الواحدة تلو الاخرى،و كلها تتنافس على نسف المنظومة التعليمية من الداخل، تواطأ معها بعض من رجال ونساء التعليم باستغلالهم للساعات الإضافية التي اصبحت عند البعض شرطا للنقطة الجيدة ، فأصبحوا يقتاتون على قوت الأسر البسيطة ، رواد المدرسة العمومية ما أدى للأسف الى انهيار العلاقة الإنسانية الجميلة بين المعلم و المتعلم. و كل هذا كان لصالح التعليم الخاص الذي تغول ،و توحش، وأمعن عند البعض في امتصاص دماء المواطن الذي أدرك أن استثماره الحقيقي هو في تعليم الأبناء، في حين نجد فنلندا تمنع تماما التعلبم الخاص ترسيخا لجودة التعليم ،و تحقيقا لمبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ.

كم لبثنا؟

نتآمر على وطننا من خلال ضرب قطاع الصحة، فالمستشفيات تقف على عروشها خاوية، هي على الأصح بنايات قد تكون مناسبة لأي نشاط آخرإلا الاستشفاء. فلجأنا للرقاة الشرعيين الذين باتوا يتاجرون في الدين و الأعراض.

و كل هذا أيضا لصالح القطاع الصحي الخاص الذي يديره اطباء مقاولون و سماسرة يتاجرون في صحة البشروحياتهم مثلما يتاجرون في الأراضي و العقارات ، يساومون حتى على الموت و قد فرضوا قوانين السوق القائمة على الاستغلال ،و ذلك من خلال تقاضيهم لونوار على سبيل المثال و هو المبلغ غير المصرح به للضرائب. و ما زاد الطين بلة هو تسارع القطاعين سالفي الذكر لتقديم طلب الدعم من صندوق كورونا.

كم لبثنا ؟

نخون وطننا من خلال دعمنا خلال الانتخابات للفاسدين و للمفسدين الذين يتاجرون بأحلامنا و بآمالنا ومستقبلنا إما عن جهل منا أو بسبب الإنتصار لانتماءات حزبية مقيتة.

كم لبثنا؟

نتآمر على وطننا من خلال التهافت على الإعلام الذي يتاجر بمصادر متعتنا و يسوق التفاهة ليحولنا لكائنات بلهاء.

كم لبثنا؟

نتىمر على ديننا بالانصياع لدعاة جهلة و لمفتين متطرفين مآلهم جهنم خالدين فيها ان شاء الله.

كم لبثنا؟

و نحن نعاند قوانين الزمن و الطبيعة، فكل الشعوب زمنها ينساب متدفقا نحو المستقبل ضمن ديمومة لا تقبل منه التراجع، و زمننا مرتد نحو الماضي يبكيه، يتحسر عليه و لا يرغب في تجاوزه و ذلك وفاءا اسطوريا منه للسلف الصالح حتى و لو كان ذلك بمقاطعة العلم و رفض الاجتهاد.

كم لبثنا؟

نقدم الدليل القاطع على نسبية الزمان ليس من منطلق الاختلاف في قياسه بين الأرض و الفضاء كما أثبت انشطاين و إنما بالاختلاف مع باقي الأمم الأخرى، فلنا زمننا الخاص و قياسه بنسجم مع ضآلة قدراتنا و بؤس إمكانياتنا.

كم هي خطايانا إذن فهل نغفرها لأنفسنا؟

يبدو أننا جميعا أحسسنا الخطيئة، لكن أغلبنا لا يعرف طبيعتها، لهذا ظهرت أشكال تضامنية جميلة ،و متعددة .و طفت على الواجهة قيم أخلاقية فضلى تعرج بنا مباشرة على مقولة الفيلسوف نتشه الشهيرة:"إن الوجود الإنساني من جهة الأخلاق يقوم أساسا على الخوف" فالخوف من الوباء و من الموت أيقظ هذه المبادرات النبيلة التي لا أحد يعرف إن كانت صدقة لدفع البلاء أم قربانا لدفع الشر . و لا أحد متأكد إن كان محركها حب الذات أم حب الغير، و لا أحد يدري إن كانت يقظة دائمة للشعور الجمعي ام إغفاءة مؤقتة لنوازع الأنانية و التهافت على ملذات الدنيا.

لا مجال للشك في حسن النوايا الآن و لا أجرؤ على القطع بيقين استمرار الحال على ما هو عليه و لا أملك الا ان أسأل بصيغة اخرى:

كم خسرنا؟

وسوم: العدد 878