أي قانون هذا الذي يحكم العالم اليوم إذا كانت بعض الدول تستبيح أرضي غيرها

أي قانون هذا الذي يحكم العالم اليوم  إذا كانت بعض الدول تستبيح أرضي غيرها وتجرؤ على الحديث عن خطوط حمراء  فيها مهددة بغزوها  ؟

من نافلة القول أن العالم ارتكب أكبر جنحة أخلاقية في هذا العصر عندما سكت سكوت شيطان أخرس على الانقلاب العسكري الدموي الذي أطاح بالشرعية  والديمقراطية في أرض مصر. ولقد صار هذا السكوت  القذر تشجيعا  على  تقهقر الشرعية  والديمقراطية  في العالم والتي طالما حلمت بها شعوب المعمور خاصة تلك التي لم تذق ديمقراطية حقيقية من قبل  ،وهو في نفس الوقت ضوء أخضر لعدوان الديكتاتورية التي يضحك طغاتها على الذقون حين يدعون الانتساب زورا  إلى الديمقراطية وهو ادعاء نسل لذي عقم كما يقال .

ومن انحطاط القيم الأخلاقية في عالم السياسة اليوم  أن تعتبر مهزلة انتخابات  في مصر بعد اغتصاب السلطة عن طريق انقلاب عسكري دموي أمرا جائزا ، كما تعتبر ثورات بلطجية  مضادة  لثورات  شعبية مشروعة أمرا عاديا لا يتحرك له ضمير العالم .

ولا شك أن سكوت العالم على هذا الذي من العار المخزي  السكوت عليه هو ما شجع المنقلب على الشرعية والديمقراطية في مصر على التفكير في  استباحة الأرض الليبية ووضع خط أحمر داخل حدود سيادتها مهددا بذلك ثورة شعبية ليبية أسقطت نظاما شموليا حكمها لعقود ، وذلك لأن هذه الثورة في حال نجاحها  بإحلال نظام ديمقراطي وشرعي  محل الديكتاتورية البائدة ستكشف عن عورته وهو الذي أجهز  بانقلاب دموي على  ثورة الشعب المصري الذي كان قد أطاح أيضا بدوره بنظام شمولي حكمه لعقود .

ومجهض ثورة الشعب المصري يحاول  جاهدا ستر عورته بالإجهاز على ثورة الشعب الليبي من خلال دعم مجرم حرب من فلول النظام المنهار ، وأخوف ما يخافه أن يجاوره من جهة الغرب نظام ديمقراطي من شأنه أن ينهض بليبيا نهضة تساير طموح الشعب الليبي . وكيف يكون حال ديكتاتور مغتصب للسلطة بالعنف الدموي، وهو يرى شعبا جارا يحقق إرادته  في الانعتاق مما عانى منه  طويلا ، وقدم مقابل ذلك التضحيات الجسام؟

ولا شك أن ثورة شعبية ليبية  أريد منها أن تجعل الشعب الليبي يلج نادي شعوب العالم التي تنعم بالديمقراطية  وبحوزته ثروات هائل من الذهب الأسود وهوما  يقض مضجع  الديكتاتور الذي دفع بشعب مصر نحو مصير مجهول برعونته وغروره ، واستبداده .ومن المضحك والمثير للسخرية أن غروره جعله يخط الخط الأحمر خارج حدود بلاده دون خجل، ودون اعتبار نفسه هو من يتجاوز الخط الأحمر الذي لا يحق له تجاوزه .

ولقد انهارت في عالم اليوم القيم الأخلاقية في المجال السياسي انهيارا غير مسبوق ، وهو ما ينذر بعواقب وخيمة إذا لم يتدارك هذا العالم العبث السياسي المتفشي فيه . وكيف يتم ذلك ودول غربية  تعتبر نفسها مرضعة الديمقراطية وراعيتها  في العالم تسكت سكوت الشيطان الأخرس على تهديد مغتصب للسلطة في بلاده يريد العدوان على سيادة بلد جار ، وهي أكثر من ذلك تسوق له  ولغيره من الأنظمة المستبدة مختلف الأسلحة  لتسعير نيران الحروب  في أكثر من بلد عربي ،الشيء الذي يشجعه على التمادي في غطرسته ورعونته وعدوانه ، وهو الذي يصرح دون أدنى حرج أن أمن بلاده يتوقف على ما خطه كخط أحمر فوق التراب الليبي ، وكأنه لا وجود لقوانين مجلس أمن أو قوانين هيئة الأمم المتحدة التي  تحرّم وتجرّم عدوان الدول بعضها على بعض .

والمشكل أن دولا غربية تدعي الديمقراطية  تضع في كفة واحدة نظام تركيا  الديمقراطي  مع أنظمة شمولية تدعم خطة إجهاض ثورة الشعب الليبي ، علما بأنه لولا الدعم التركي لكان مصيره  هذا الشعب العودة من جديد إلى عهد النظام البائد  ليحكمه أحد رموزه  الأشرار الملطخة يداه بدماء الأبرياء وهو صاحب سوابق في جرائم حروب سجلها التاريخ .

وشتان بين النظام التركي المنتخب ديمقراطيا وبين النظام المصري الانقلابي المستبد  وأنظمة عربية أخرى شبيهة به في الاستبداد ، ذلك أن النظام التركي يريد إنجاح التجربة الديمقراطية  على غرار تجربته في ليبيا لتحقيق حلم الشعب الليبي ، بينما النظام المصري ومن معه من أنظمة شمولية تريد إعادة هذا الشعب إلى عهد نظام شنولي بائد .

ويبدو الصراع في ليبيا بين النظام التركي والنظام المصري ومن معه من أنظمة عربية مجهزة على ثورات الربيع العربي صراعا بين ديمقراطية تتشوق إليها  شعوب الوطن العربي ، وديكتاتورية مقيتة تريد أن تطيل مكثها فيه لأطول مدة ممكنة .

وبقي أن نشير في الأخير إلى أن طمع أنظمة غربية في ثروات الشعب الليبي هو ما يجعلها تسكت على الإجهاز على ثورته ، وتدعو من يمثلونه تمثيلا مشروعا  إلى الجلوس مع  من لا مشروعية له وهو رمز من رموز إجرام  النظام البائد من أجل طبخ صفقة في عصر الصفقات المطبوخة  تمكنها من الوصول إلى ما كانت تصل إليه من ثروات نفطه  في العهد البائد .

ولا شك أن الشعب الليبي العظيم  يعرف جيدا كيف يصون وحدة بلاده، وحدودها ،  وثورته المجيدة ، وثرواته من أطماع كل الطامعين.

وسوم: العدد 886