أطفال إدلب النازحين زمن "كورونا": صراع التشبث بالحق في التعليم ببيئة آمنة

إدلب، عمان - مصراً على مقاومة كل الظروف المحيطة به، وآخرها تفشي وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19)، يواصل الطالب عبد الكريم السلوم، ذو 15عاماً، التمسك بحقه في الحصول على التعليم، متفوقاً على أقرانه في "مخيم عائدون" بمدينة سلقين في ريف إدلب، شمال غرب سوريا.

وقد أكمل عبد الكريم المرحلة الدراسية المتوسطة (الإعدادية) العام الماضي، عبر نظام "التعليم عن بعد" في إحدى مدارس المخيم التي تشرف عليها منظمة بنفسج، متشاركاً مع إخوته الثلاثة هاتف والدهم المحمول لتلقي دروسهم والتواصل مع معلميهم، كما قال عبد الكريم في حديثه إلى "سوريا على طول". لافتاً، في الوقت ذاته، إلى صعوبة ذلك، لأن "كل واحد منا يحتاج [الهاتف] ساعة أو ساعتين حتى يفهم دروسه". 

هذا العام، يواصل عبد الكريم تعليمه بطريقة "التعليم المدمج" الذي يجمع بين التعليم داخل الغرف الصفية والتعليم عن بعد، أو ما يطلق عليه نظام "دوام الطوارئ" المتبع في شمال غرب سوريا منذ بدء العام الدراسي الحالي في 26 أيلول/سبتمبر الماضي. إذ "يُقسم الطلبة إلى دفعتين، كلّ منهما تحصل على ثلاث حصص يومياً، مع اتباع إجراءات الوقاية والتباعد"، كما قال الأستاذ حسن الشوا، مدير تربية إدلب التابعة للحكومة السورية المؤقتة (المعارضة)، لـ"سوريا على طول".

لكن التحديات التي فرضها تفشي "كوفيد-19" في آخر مناطق سيطرة المعارضة السورية، لم تكن إلا آخر التحديات التي واجهها عبد الكريم، وقد يكون بعضها أشد وطأة من خطر الوباء. إذ كان قد نزح مع عائلته من بلدة حيش التابعة لمدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي قبل ثماني سنوات إلى المخيم "هرباً من القصف الشديد"، كما روى والده عبد الله السلوم لـ"سوريا على طول"، وكان عبد الكريم حينها "قد أتمّ الصفّ الأول في حيش، ليستكمل باقي الصفوف الدراسية في المخيم"، حيث تعيش العائلة في خيمة لا تقيها حرّ الصيف ولا برد الشتاء الذي يطرق الأبواب الآن. 

تحديات تفوق قدرة الأهل 

رغم ذلك، يبدو عبد الكريم محظوظاً مقارنة بكثير من أقرانه من الأطفال في المنطقة، الذي فقدوا حقهم في التعلم منذ البدء تطبيق سياسة "التعليم عن بعد". إذ نتيجة عدم وجود وسيلة اتصال تربطهم بمعلميهم، أو عدم قدرة ذويهم على توفير بطاقات إنترنت لهم، "تسرب نحو 25% إلى 27% من الطلبة الملتحقين في مدارس منظمة بنفسج"، كما ذكر لـ"سوريا على طول" الأستاذ أحمد النعسان، مدير مدرسة في مخيم عائدون تشرف عليها "بنفسج".

لكن والد عبد الكريم لم يكن قادراً على شراء كمبيوتر محمول أو هاتف لأولاده، فلجأ إلى التنسيق بينهم لتلقي الدروس عبر هاتفه، وتنظيم أوقاتهم بحسب "بثّ الدروس لكل واحد منهم. فكل أخ ينتظر انتهاء أخيه ليأتي دوره"، كما أوضح الأب. 

الطريقة ذاتها لجأ إليها مصطفى الشحود (42 عاماً)، النازح من ريف حماة الشمالي إلى مخيم عائدون أيضاً، والأب لخمسة أطفال، ثلاثة منهم في سن التعلم، لضمان تلقي أبنائه التعليم في ظل "كوفيد-19". إذ يترك هاتفه في الخيمة مع أبنائه "إلى أن ينتهوا من دروسهم، ومن ثم يعيدونه لي"، كما ذكر لـ"سوريا على طول". مضيفاً أنه يحدث أحياناً أن "يرسل الأستاذ الواجب [المدرسي] صباحاً وأنا في عملي، فلا يمكن لأولادي إنجاز المطلوب والتواصل مع الأستاذ إلى حين عودتي مساء".

إضافة إلى ذلك، يعاني الشحود من "ارتفاع سعر بطاقات الإنترنت، وسوء التغطية في المخيم". بل إن "البطاقة التي يتم شراؤها قد تُسرق بطريقة ما ويستخدمها آخرون"، كما قال. 

لكن الصعوبات التي أفرزها واقع التعليم الجديد لا تقتصر على الطلبة وذويهم، وإنما تطال الكوادر التعليمية أيضاً في شمال غرب سوريا. إذ إلى جانب ضعف شبكة الإنترنت واستخدام أبناء العائلة الواحدة جهازاً واحدة لتلقي التعليم، فإن من الصعوبات الجوهرية، بحسب النعسان، "انقطاع التواصل البصري بين المعلم وطلابه"، خاصة وأن عملية التعليم عبر الإنترنت سواء في مرحلة التعليم عن بعد أو التعليم المدمج تتم عبر مجموعات على تطبيق "واتسآب"، و"لا يمكن تسمية هذه المجموعات بالغرف الصفية"، كما شدد.

مع كل ذلك، فإن "التعلم عن بعد أفضل من البعد عن التعليم"، كما عبّر عبد الله السلوم والد عبد الكريم.

معاناة أبعد من "كورونا"

رغم أن من المفترض أن شمال غرب سوريا هي "منطقة خفض تصعيد"، بحسب اتفاقات أستانة وسوتشي المبرمة بين روسيا وإيران وتركيا، تعرف المنطقة منذ منتصف العام 2019 حالة عدم استقرار، نتيجة العمليات العسكرية التي تنفذها القوات الحكومية، والتي أسفرت حتى مطلع العام الحالي عن سيطرة دمشق وحلفائها على عدد من مدن وبلدات ريف إدلب الجنوبي، وبالتالي نزوح أكثر من مليون مدني من المنطقة. 

ويقدر فريق "منسقو استجابة سوريا" عدد سكان المنطقة الخاضعة للمعارضة بحوالي 4,186,704 إنسان، نصفهم تقريباً من النازحين. وفيما تم إبرام اتفاق تهدئة بشأنها بين أنقرة وموسكو في آذار/مارس الماضي، لكن خروقات القوات الحكومية وحلفائها مستمرة، ما يحول دون عودة النازحين إلى منازلهم. وقد وثق "منسقو الاستجابة" 286 خرقاً في آب/أغسطس الماضي وحده، من بينها استهداف بالقذائف المدفعية والصاروخية والطائرات المسيرة والحربية.

كل ذلك كان سبباً في "تعرض قطاع التعليم لعدم استقرار كبير، إذ نتج عن العمليات العسكرية واستهداف المدارس نزوح نحو 200 إلى 250 ألف طالب في العام 2019، عدا عن تعرض المدارس للقصف"، بحسب ما ذكر لـ"سوريا على طول" المدير التنفيذي لمنظمة بنفسج هشام ديراني. لافتاً إلى أن "التحديات التي تواجه العملية التعليمية سبقت فيروس كورنا، لكنها ازدادت مع انتشار الفيروس في المنطقة".

وبحسب أرقام مديرية تربية إدلب التابعة للحكومة السورية المؤقتة، "يبلغ عدد الأطفال في سن المدرسة نحو 600 ألف طفل يتوزعون في محافظة إدلب وأريافها وفي المخيمات التابعة لها"، كما قال الأستاذ الشوا، لافتاً إلى أن "280 ألف طفل منهم متسرب من العملية التعليمية".

وأضاف الشوا: "يبلغ إجمالي عدد المدارس في إدلب 860 مدرسة، بما في ذلك المدارس في المخيمات، تضررت منها 140 مدرسة جزئياً، فيما هناك 360 مدرسة تدمرت كلياً أو أصبحت ضمن مناطق سيطرة النظام وتهجر أهلها".

وفي ظل هذا الواقع التعليمي المتردي، ولأن الحق في التعليم هو من الحقوق الأساسية التي أكد عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في العام 1948، وباعتباره أحد أهداف التنمية المستدامة (2015-2030) التي شددت على "ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلم مدى الحياة للجميع"، فقد تصدت منظمات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية، بما في ذلك "بنفسج"، "لمهمة رأب الصدع في ملف التعليم وتقديم الخدمات التعليمية سواء النظامية أو لأولئك الذين فقدوا حقهم في التعليم لسنوات عبر برامج تعليمية استدراكية" بحسب ديراني. موضحاً أن بنفسج "تقدم خدمات التعليم لنحو 40 ألف طالب في 49 مخيماً"، جميعهم بحسب ديراني استفاد من "التعليم عن بعد"، ويواصلون تعليمهم عبر سياسة "التعليم المدمج" لهذا العام.

في هذا السياق، شدد الأستاذ النعسان على "ضرورة الاهتمام بواقع التعليم، لكل من يريد خدمة هذا المجتمع وخدمة المخيمات". إذ "لو أنتجت جيلاً متعلماً فكأنما حققت كل طموحات هذا الشعب، ولكن لو حيزت الدنيا كلها لهذا المجتمع وأنشأنا طفلاً جاهلاً فكأننا لم نفعل شيئاً"، كما قال.

وسوم: العدد 903