نرجح ألا يهاجم ترامب إيران عسكرياً

تتنوع التقديرات والتوقعات حول احتمال مهاجمة ترامب إيران عسكريا ؛ عقب ما نشرته " نيويورك تايمز " عن طلبه من مستشاره للأمن القومي تحديد خيارات في إيران لمهاجمتها ، وخُص بالذكر من بين هذه الخيارات مفاعل ناتنز الذي كشف مفتشو وكالة الطاقة الدولية أن إنتاجه من المواد النووية تضاعف 12 مرة عن المسموح به في اتفاق 5 + 1 مع إيران في 2015 الذي انسحب منه ترامب في 2018 . وتشتجر ترجيحات الهجوم مع ترجيحات عدمه .

وفي الترجيحات : حالة ترامب النفسية والعصبية السيئة لإخفاقه في الانتخابات ، وزاد حالته سوءا تنكره لإخفاقه في ضوء فوز بايدن الواضح الحاسم الذي لم يسبقه إليه رئيس أميركي . وبان سوء هذه الحالة المتمادية في عزله لوزير دفاعه مارك إسبر ، وعدد من مسئولي الوزارة . ويشيع أنه يفكر في عزل جينا هاسبل رئيسة السي آي إيه . ومن مرجحات الهجوم رغبة ترامب في قطع الطريق على بايدن حتى لا يعود إلى الاتفاق مع إيران الذي أنجزته إدارة أوباما التي كان  بايدن فيها نائبا لأوباما . وتشجع إسرائيل والنظام السعودي والنظام الإماراتي ترامب على مهاجمة إيران ، وتتمنى الدول الثلاث أن تتحمل أميركا النصيب الأكبر من عبء الهجوم .

وقد يناسب أن نستنج من اتصال الملك سلمان المفاجىء بأردوغان مستغلا اجتماع العشرين الافتراضي في الرياض ، وتعبيره عن رغبته في تطوير العلاقات بين الجانبين بعد مواقف النظام السعودي العدائية من تركيا ؛ جنوحا للإسراع بالابتعاد عن سياسة ترامب الذي غربت شمسه  ، والتخلي عن التحمس للتصادم مع إيران التي سيميل بايدن للتهدئة معها ، وهذا التخلي قد تفاجئنا بوادر تالية له إن كان لا يزال في رأس النظام السعودي بقية عقل .

ونرجح حذرين ألا يهاجم ترامب إيران عسكريا على سوء حالته النفسية والعصبية والمرجحات الأخرى ، ومرجحاتنا :

أولا : نفس الصحيفة ، نيويورك تايمز، تذكر في ذات التقرير أن أبرز مساعدي ترامب حذروه من خطورة الهجوم على إيران ،واحتمال تحوله إلى حرب أوسع في المنطقة كلها ، ومن هؤلاء المساعدين نائبه مايك بنس ، وكريستوفر ميلر القائم الحالي بأعمال وزير الدفاع   ، ووزير الخارجية بومبيو . ومعارضة بومبيو للهجوم لها وزن خاص ، فهو لا يقل شراسة وعدوانية وتجاوزا للأعراف الدولية عن ترامب في تنافر غريب مع وظيفته الدبلوماسية . ومعارضته توضح اقتناعه بخطورة تبعات الهجوم على أميركا وحلفائها وأتباعها في المنطقة ، وهذا يرتب لها تأثيرا فعالا في إقناع ترامب المتهور بتجنب الهجوم . ومن المعارضين الجنرال مايك ميلي رئيس هيئة الأركان المشتركة الذي رفض إنزال الجيش الأميركي لمواجهة الاضطرابات التي وقعت بعد مقتل جورج فلويد ، ومايك هو صاحب التصريح الناري المتحدي لترامب بأن الجيش الأميركي لم يقسم يمين الولاء لملك أو طاغية ، وهو كلام التفافي مضمونه " أنت طاغية " .

ثانيا : لا يلقى الهجوم تأييدا من قاعدة ترامب الشعبية التي انتخبته وبقية الشعب الأميركي الذي لا يريد أن تنغمس بلاده في أحداث خارجية خطرة وهي المنشغلة بالقضايا الداخلية ، وأولها مقاومة كورونا ، والإسراع للتعافي  من الركود فالاقتصادي في ظل كورونا ، ومشافاتها من آثار مأزق الانتخابات الذي خلق شكوكا ليست عادية حول مصير وحدة البلاد .

ثالثا : أميركا كدولة ليست مهيأة من كل النواحي للاندفاع إلى ما يجرها إلى حرب خطيرة العواقب . الظروف تختلف اليوم كليا عن ظروف حرب تحرير الكويت ، وعن ظروف عدوانها مع بريطانيا على العراق في 2003 . وترامب ذاته يريد تخفيض عديد قوات بلاده في أفغانستان من 5000 إلى 2500 تهيئة للانسحاب الختامي ، وفي العراق من 3500 إلى 2500 تهيئة لانسحاب مشابه . 

رابعا : حلفاء أميركا وأتباعها  في المنطقة من إسرائيليين وعرب ، وإن كانوا يتمنون مهاجمة أميركا الترامبية لإيران إلا أنهم يخافون عواقب هذه المهاجمة عليهم والتي ستكون حتما كبيرة الإضرار بهم  ،وخوفهم قد يخفف من حماسهم لها وتشجيع ترامب عليها .

خامسا : أيا كانت قوة صلاحية ترامب في شن حرب في أسابيعه الأخيرة فإن هناك قوى خفية قد تردعه عن تهوره . للدول الديمقراطية وسائلها غير الديمقراطية لمواجهة ظاهرة شاذة مثل ظاهرة ترامب الذي بلبل البلاد داخليا ، ويريد أن يبلبلها خارجيا حتى قبل انخلاعه النهائي بوقت قصير بعد أن أوقعها في مشكلات متعددة خلال رئاسته ، ورمى صورتها في الحضيض الأسفل . ومهما كان السوء الذي أبانها عليه في سنواته الأربع ، وفي الانتخابات الأخيرة التي بدت فيها كأنها دولة من دول العالم الثالث ؛ فإنها تظل مختلفة عن هذه الدول اختلافا جذريا مبينا ، ومقتدرة على الرجعة سريعا إلى هويتها كدولة كبرى لامتلاكها آليات راسخة لهذه الهوية التي عبث بها ترامب ، وهي الرجعة الي يريدها أكثر الأميركيين من بايدن الذي وعدهم بها .

استدلالا  مما سبق نرجح في حذر ألا يهاجم ترامب إيران عسكريا .

وسوم: العدد 904