تطور العلاقات التركية السعودية ضمان لاستقرار المنطقة وحماية أمنها

د. ناجي خليفه الدهان

انعقاد مؤتمر قمة مجموعة العشرين الاقتصادية العالمية التي تستضيفها المملكة العربية السعودية، حيث تَشغل تركيا المقعد السادس عشر فيها، حسب ترتيب قيمة الناتج المحلي عالميًا، والخطوة السعودية المتمثلة باتصال الملك سلمان بنظيره الرئيس التركي، والتي سبقتها مبادرة بإرسال مساعدات لمتضرري زلزال إزمير الذي حدث نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، فهل ستكون هذه الخطوة بداية لعهد جديد من العلاقات بين البلدين؟ حيث جاءت مباشرة بعد حديث الرئيس أردوغان عن ضرورة فتح قنوات الدبلوماسية والمصالحة على مصراعيها من أجل إزالة الغموض الذي ظهر في المنطقة، بعد الانتخابات الأمريكية".

وهل كان الحديث عن هذه الخطوة في هذا الوقت بالذات من قبيل المصادفة؟

وحديث الرئيس أردوغان يوضحه حديث آخر له حين قال: "نحن دولَ المنطقة من الممكن أن نحتلّ المكانة التي نستحقها في النظام السياسي والاقتصادي العالمي الجديد الذي يتسارع تشكيله مع جائحة كورونا، وذلك من خلال حلّ نزاعاتنا بسرعة والتحرّك سويًا".

ولتوضيح الصورة لابد من الإجابة عن الأسئلة الآتية:

هل بدأ العدّ العكسي لإزاحة الخلافات بين الدولتين الشقيقتين بخاصة، وبين دول المنطقة بعامة؟

وما هي أسباب التحولات المفاجئة في السياسة السعودية؟

وهل للانتخابات الأمريكية تأثير على ذلك؟

وما هي دوافع التقارب السعودي التركي في هذا الوقت بالذات؟

وهل التقارب السعودي التركي له تأثيره على استقرار المنطقة؟

الانتخابات الأمريكية تلقي بظلالها على منطقة الشرق الأوسط

لقد بدأ الحوار الاستراتيجي بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليج بتاريخ 2 أيلول/سبتمبر 2008، واكتملت البنية التحتية اللازمة لتعميق العلاقات بين الجانبين في جميع المجالات ومنها الاقتصادية والسياسية والثقافية... كما تم توقيع مذكرة تفاهم لإنشاء آلية حوار استراتيجي بين (مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وتركيا) في مدينة جدّة بالتاريخ ذاته في اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وتركيا.

الجمهورية التركية هي أول دولة تنشئ مثل هذه الآلية مع مجلس التعاون لدول الخليج العربي، وبحلول عام 2015، وخلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الرياض، وقّع البلدان اتفاقية التعاون الاستراتيجي، ومن حقنا أن نتساءل من الذي أفسد هذا الجهد الكبير الذي كان من المفترض أن يجلب الأمن والاستقرار لدول المنطقة كافّة؟!

لقد بات واضحًا لدى السعوديين أن مقاطعة تركيا، والاستمرار بسياسة العداء لها لن يخدمهم في المحّصلة النهائية، فهم غير قادرين على مواجهة السياسة العدائية التي تضمرها لهم إدارة "جو بادين الديمقراطية"، والتي تُعتبر بصورة ما امتدادًا لفهم الديمقراطيين للسياسة الدولية المتمثل بضرورة الحفاظ على علاقات متينة مع إيران، والسماح لها بتنفيذ برنامجها النووي الذي يدّعي الإيرانيون أنه برنامجٌ سلمي، بينما يقول مراقبو الأسلحة النووية الدولية: إن إيران تكثّف من جهودها لصناعة قنبلتها النووية الأولى، وتعمل على تطوير صواريخها بعيدة المدى.

كما يدرك السعوديون وجود توّجه غربي ضدّ المملكة العربية السعودية واتهامها بأنها المصدّر الأول للإسلام الراديكالي، وهذا يعني التخطيط لإزاحة هذا النظام واستبداله بنظام سياسي أكثر عداءً للراديكالية، وأكثر انفتاحًا على التطوّر العالمي بشقيه التكنولوجي والتنموي.

ولكنّ الأمر بجوهره لا يكمن بهذه البروبوغندا الإعلامية التي تتبناها وسائل الإعلام الغربية، بل يتعداه إلى العداء الإيراني العلني للسعودية خاصة ودول الخليج عمومًا، فإيران تريد أن يكون محيطها العربي مجرّد أتباع لها.

كما تشهد منطقة الخليج العربي تحولات كبيرة منذ بداية الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 وحتى الآن، وهذه التحولات التي ربما تفوق في حجمها وتأثيرها وتطوّرها مجمل ما شهدته المنطقة عبر تاريخها الطويل. فالانتخابات الأمريكية الأخيرة قد أحدثت تغيرات كثيرة أهمها:

  1. فوز "جو بايدن" برئاسة الولايات المتحدة حمل العديد من التغيرات بالعلاقات الدولية في المنطقة، حيث بدأ اختلاف تعاطي الدول مع سياساتها الخارجية كما كانت زمن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يحمل عقيدة سياسية بعيدة عن مبدأ الرئيس الديمقراطي الجديد المنتخب ضمن الإطار المعلن على الأقل، رغم أن هدفهم واحد وهو حماية الكيان الصهيوني وتغير التوازن لصالح الكيان الصهيوني، وإطلاق يده في الجزيرة العربية وباقي الدول العربية.
  2. موقف بايدن من إيران والاتفاق النووي معها قد يعجل من بحث الرياض عن بدائل قوية في المنطقة، وهو ما قد تمثله أنقرة بشكل واضح، فضلا عن رغبة تركيا في حصول توافق مع دولة عربية كبرى بوزن السعودية، بسبب الروابط الكثير بينهما.
  3. اختار "جو بايدن" للرئاسة الأمريكية؛ جيشًا من الدبلوماسيين بحوالي ألفي مستشارا للسياسة الخارجية، وهذا يدل على أن الولايات المتحدة تسعى لإعادة تشكيل سياستها الخارجية في الشرق الأوسط، وفي آسيا والمحيط الهادئ وأمريكا اللاتينية...
  4. الديمقراطيون يصنفون النمو الاقتصادي للصين، ووجود روسيا في الشرق الأوسط وشرق البحر الأبيض المتوسط، تهديدات رئيسة يجب منعها، وتركيا جزءًا من هذه المعادلة المعقّدة.

دوافع التقارب السعودي التركي

لقد ذكرت في مقال سابق تحت عنوان (نحو رؤيا خليجية لمواجهة السياسة الإيرانية) والذي أشرت فيه إلى الحاجة الماسة لرؤية خليجية موحّدة، تنحّي الخلافات البينية جانبًا، وتعتمد على التعاون الجماعي المشترك. أي على بلورة رؤية استراتيجية، في عقد تحالف استراتيجي بين دول الخليج، وتركيا، وباكستان، لردع إيران، وإيقاف طموحات تمدّدها وإفشال مشروعها في المنطقة).

فإيران تدرك بأن إزاحة المملكة السعودية من طريقها، يعني بدء انفراط عقد مقاومتها في المنطقة، ولا سيما في ظل غياب الدور المصري، بفعل اعتماد سياسة المحاور والعداوات الأيديولوجية.

إن الموقف السعودي يعتبر انعطافًا كبيرًا ومهمًا في سياستها تجاه تركيا، ومردّه إلى قلق المملكة من نتائج الانتخابات الأمريكية، وقرب إعلان بايدن بالرئاسة، فالمملكة تشعر اليوم أنها ستصبح مكشوفة الظهر بعهد الرئيس الأمريكي الجديد، ولا يوجد من يحميها أمام عدوها إيران".

إن الرياض مضطرة إلى ترميم علاقاتها مع دول المنطقة، وخاصة مع تركيا التي أصبح لها دور عسكري وسياسي كبير حاليًا ولا تريد منها الاصطفاف مع إيران، ومن ثم فإن التحالف مع تركيا سوف يقوّي موقف المملكة في التصدي لأي عدوان، وهو أمر يجب أن تفكر به السعودية، لا سيما أن ملامحه كانت موجودة في عهد الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز".

فهناك العديد من القضايا الإقليمية والدولية التي تحتم على البلدين التعاون والتحرك معا؛ أبرزها التطورات الأخيرة في العراق، وسوريا، ولبنان، وليبيا، والسودان، والعقوبات على إيران، والقضية الفلسطينية، لا سيما أن تاريخ العلاقات الثنائية يمتد إلى ما يقارب 100 عام.

فتحالف القوتين الاقتصاديتين (السعودية، وتركيا) وهما عضوتان في المجموعة الاقتصادية التي تضم أكبر 20 اقتصادًا في العالم، تعني قوّة اقتصادية عملاقة في المنطقة، يوفرها هذا التحالف، فضلًا عن قوة تركيا العسكرية والصناعية المتفوقة، التي لا تشكل تهديداً للمملكة ونظامها السياسي إطلاقا، بينما يشكّل الإيرانيون تهديدًا مستمرًا للسعودية ولدول الخليج العربي.

الخطوات المطلوبة لبناء علاقات استراتيجية بين البلدين

رغم الاختلاف في بعض الرؤى السياسية بين تركيا والسعودية، إلا أنها لم تصل مرحلة القطيعة التامة، ولم تكن أنقرة تنوي في يوم من الأيام أن تصعّد التوتّر والخلاف مع الرياض، فالعوامل المشتركة بينهما أكثر بكثير من عوامل الاختلاف، كما ترى وجوب فتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات بين البلدين، مع إنهاء نزاع الإخوة، القائم بين السعودية وبعض البلدان الخليجية من جهة، وقطر من جهة أخرى، وتطوير ما اتفق عليه عام 2015 إلى تحالف استراتيجي ودفاع مشترك وهو ضمانة كبيرة لاستقرار المنطقة وتطورها وردع الأعداء، كما ترى وجوب إيقاف الحملات الإعلامية المسيئة بكل أشكالها وبكل الوسائل المتاحة.

فتعزيز العلاقات بين البلدين أمر ضروري في ظلّ الصراع الذي تشهده المنطقة، مثل مواجهة النفوذ الإيراني في سوريا، ولبنان، والعراق، واليمن...

والتأكيد على توسيع الاستثمار في تركيا، والتعاون معها في المجالات السياسية والعسكرية والاقتصادية والتجارية والاجتماعية... وهذا سيعود عليها بالنفع أكثر بكثير من استثمارها في الولايات المتحدة، التي تتمحور سياساتها القادمة حول مصالحها فقط، دون مراعاة مصالح المنطقة، بل على حساب أمنها واستقرارها.

إن الابتعاد عن التحالف الأمريكي والغربي المتغيّر حسب سياسة كل حزب في الولايات المتحدة، والذي يركز على تحقيق مصالحه بالدرجة الأولى، من خلال استراتيجيتها في خلق الصراعات الخفيفة المسيطر عليها، ومسك خيوطها بيده لتوجيهها بما يخدم مصالحه ومصالح الكيان الصهيوني في المنطقة. فهي لا تسعى لتحقيق الاستقرار في المنطقة بل لتجعلها مضطربة من أجل الابتزاز، وهذا ما حدث بالفعل رغم تعاقب الرؤساء الأمريكيين واختلاف تصريحاتهم.

فالحل الأمثل لتحصين الجبهة الداخلية الخليجية، وبناء مجتمعات متماسكة ودول مؤسسات تحقق مفهوم الأمن الشامل والاستقرار المستدام، هو إقامة هذا الحلف الذي أشرنا إليه في بداية الفقرة السابقة بين تركيا والسعودية وباكستان...كما سيحقق تفوّقا في التوازن العسكرية والاقتصادية والاستراتيجي لصالح دول الحلف، ويؤمّن الاستقرار للمنطقة كاملة، ويحقق الردع لأي محاولة اعتداء على أمنها، بل هو تعزيز لمسعى خلق الاستقرار والسلام والتنمية الحقيقية في المنطقة عامة.

ومن جانب آخر سيدعم هذا التحاف ويقوي التحالف الإسلامي الذي تقوده المملكة السعودية، لمواجهة التهديد الإيراني، وسيمتد إلى دول شرق آسيا من خلال تركيا لما لها من امتداد وتعاون مع هذا الدول، ويقوّض كل الصراعات الطائفية في المنطقة وإنهاء المشروع الإيراني التوسعي، أليس هذا تحالف يستحق أن يتمّ الآن لوقف ما تشهد منطقة الخليج العربي من تحولات كبيرة منذ بداية الاحتلال الأمريكي للعراق؟!

هذه التحولات التي تفوق في حجمها وتأثيرها مجمل ما شهدته المنطقة عبر تاريخها الطويل!!!

د. ناجي خليفه الدهان: دكتوراه في العلوم السياسية، علاقات دولية، باحث في الشؤون السياسية والدولية

المصادر

  1. الخطوة السعودية نحو تركيا. هل هي بداية تموضع جديد؟

          أسامة محمود آغا /       TRT عربي

          https://www.trtarabi.com/opinion/%    

وسوم: العدد 905