حروب إيران بالوكالة

تحدثت في مقال سابق عن طبيعة حروب الظل في منطقة الشرق الأوسط؛ التي تتقنها كل من الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، لأنهما يمتلكان أدواتها المتطورة؛ ولا تملك غيرها من الدول مثل هذه الأدوات، حتى تلك الدول التي تصنف نفسها على أنها إحدى الدول العظمى؛ تفتقر لمثل هذه الأدوات المتطورة، ومثال ذلك روسيا التي استخدمت أبشع أنواع الأسلحة الفتاكة والمدمرة في قتل الشعب السوري، وتدمير مدنه وبلداته وقراه؛ على مدى خمس سنوات، دون رادع من ضمير أو مراعاة لإنسانية الإنسان، وكل ذلك تحت يافطة وشعار محاربة الإرهاب.

وأرادت إيران أن تفعل ما يفعله الأمريكان والصهاينة في المنطقة، لترسيخ مكانتها عند الغرب ودول المنطقة، وخاصة جيرانها الدول العربية، ولكنها تفتقر إلى الأدوات المتطورة التي تؤهلها لحروب الظل، فاستخدمت أسلوب الحروب بالوكالة، مستغلة الحقد الطائفي الذي تتبناه، فلعبت عليه بين صفوف الشيعة العرب والمسلمين، وتمكنت من السيطرة على عقول الكثيرين منهم، وجعلت منهم أدوات لشن حروبها على أهل السنة والجماعة، والتحكم بمقدرات البلاد والسيطرة على طاقاتها، لتلعب دورها القذر في كل من العراق وسورية ولبنان واليمن، وخططت للعب دور أكثر نشاطاً بالأمن الإقليمي، وأصبحت الحليف الرئيس للغرب في المنطقة، كما سعت إلى مزيد من الاندماج بالاقتصاد العالمي، بما في ذلك الكيان الصهيوني.

ثورة الخميني وطموحات إيران العالمية

وجاءت ثورة الخميني عام 1979 بمثابة تقديم لطموحات إيران العالمية. وسرعان ما تحولت هذه الرؤية الدولية إلى التزام دستوري "بتصدير الثورة" والدفاع عن الأمة مهما كان الثمن، وهو تعهد لا يزال قائماً، بحسب أيديولوجيتها.

وفي الممارسة العملية، كان هذا يعني تطوير التواصل مع حركات التحرير الأجنبية والجماعات المسلحة وتقديم الدعم لها. وبحسب "أفشون أوستوفار" المحلل السياسي لدى مركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن، "فإنه في رأس هذا المشروع يأتي الحرس الثوري الإيراني، القوة العسكرية التي أنشئت بعد قيام الجمهورية الإسلامية، التي اعتبرت أن دعم وتطوير الحلفاء المتشددين الأجانب أمرٌ بالغ الأهمية للأمن القومي لإيران، وأنه ليس لدينا أي ملاذ، ويجب علينا، مع تعبئة القوات في كل منطقة أن نبعث الخوف في قلب أعدائنا حتى نطرد فكرة الغزو وتدمير الثورة".

فالشرق الأوسط، مسرح العمليات الكبرى للحروب بالوكالة، ومواجهة الإرهاب بمختلف أشكاله، لما تمثله من مطمع لدى كثير من الدول الغربية، وكذلك بعض دول المنطقة، ففي الوقت الذي تحرص فيه كل من الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، على الحفاظ على مصالحها بالمنطقة، هناك دول مثل إيران، لها مطامع أخرى تتمثل في السعي لسيادة الشرق الأوسط.

إيران تجهز ميليشياتها لخوض حرب بالوكالة

وفى جيل الحروب الجديدة، لا تكلف الدول نفسها عبء إرسال قواتها وآلياتها العسكرية إلى دول أخرى للدخول في مواجهات مسلحة مباشرة، بل تلجأ إلى تمويل الجماعات المسلحة وتدريب المقاتلين داخل أراضي تلك الدول التي تسعى للسيطرة على مقدراتها وإدارتها حتى تمكن تلك الجماعات من فرض سيادتها على الحكم والإدارة، وبذلك يتحقق هدفها في فرض التبعية لها.

ولعل أبرز الدول في منطقة الشرق الأوسط، التي تعمل على تدشين الميلشيات لزعزعة استقرار البلاد المجاورة، هي إيران، التي تمتد أذرعها الإرهابية في كل مكان بالمنطقة، وتلجأ طهران إلى تلك الجماعات عند الحاجة إليها لضرب أهدافًا داخل حدود خصومها أو استهداف قواتها دون أن تظهر كطرف مباشر لتتجنب بذلك التورط في حرب مع الدولة التي تعاديها وحلفائها.

وفى الوقت الحالي، أصبحت طهران في أمس الحاجة لحلفائها من الميليشيات الإرهابية المنتشرة في المنطقة لمساندتها في صراعها مع الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة مع تزايد تبادل التهديدات بينها وبين واشنطن التي حشدت سفنها وآلياتها العسكرية في مياه الخليج كخطوة احترازية لأي تطورات أو تهديدات إيرانية لمصالحها في المنطقة.

وتمت ترجمة مصطلح "الحرب بالوكالة" حرفيًا خلال الأزمة الحالية، في سطور التقرير الذى كشفته صحيفة "الجارديان البريطانية"، الذى حمل عنوان "إيران تطلب من ميليشياتها الاستعداد لخوض حرب بالوكالة في الشرق الأوسط​"، حيث استندت الصحيفة البريطانية إلى مصادر استخباراتية، أكدت أن قائد ​فيلق القدس​ في الحرس الثوري الإيراني، ​قاسم سليماني (الذي اغتيل قبل عام تقريباً)، التقى قادة من حلفاء إيران في المنطقة​ خلال زيارته للعراق قبل اغتياله، وأخبرهم بالاستعداد لخوض الحرب بالوكالة على خلفية التصعيد الأمريكي ضد طهران.

وأشارت المصادر، للصحيفة البريطانية، إلى إنه بالرغم من أن سليماني اعتاد لقاء قادة الميليشيات بشكل مستمر منذ تشكيلها، إلا أن هذا اللقاء الأخير كان مختلفاً جداً حيث كان الأمر أكبر بكثير من مجرد دعوة إلى إشهار السلاح، وأوضحت الصحيفة أن ​الإدارة الأمريكية​ قامت بإجلاء موظفيها من بغداد وإربيل، كما رفعت مستوى التأهب في القواعد العسكرية في العراق وفى مواقع مختلفة في منطقة الخليج بعد أن شعرت أن مصالحها فيها قد تكون عرضة للخطر.

وأضافت الصحيفة، أن "قادة ميليشيات عدة تعمل تحت مظلة ​الحشد الشعبي حضرت الاجتماع الذي دعي إليه سليماني، حسب المصادر الاستخباراتية التي قالت إن أحد المسؤولين البارزين التقى مسؤولا غربياً وعبر له عن قلقه مما جرى، وتابعت "فكرة أن إيران خرجت من المعارك مع ​تنظيم داعش​ أكثر جرأة سيطرت على الحوارات الأخيرة بين الرئيس الأمريكي ​دونالد ترامب​ وكبار الصقور في إدارته أمثال ​جون بولتون​ مستشار الأمن القومى السابق، و​مايك بومبيو​ وزير الخارجية وهما من ركائز التصعيد ضد إيران".

ورغم أن هذا الجانب من المؤامرات الإيرانية هو الذي اتضح فقط حتى الآن، ولكن طهران لها أذرع مسلحة في عدة دول عربية، والتي يأتي على رأسها جماعة "حزب اللات" اللبنانية، التي تمثل "عرّاب إيران"، لمساعدتها في قلب أنظمة الحكم، وتكوين الجماعات والميلشيات المسلحة لخوض الحروب بالوكالة عن طهران، ومواجهة خصومها، وكذلك تغيير مجريات الأمور في الحروب الدائرة بالمنطقة، وذلك كله من أجل تحقيق هدفها الأسمى المتمثل في تأسيس دولة ولاية الفقيه، وسيادة منطقة الشرق الأوسط.

حزب اللات ذراع إيران في مناطق النزاع بالشرق الأوسط

وفى تقارير سابقة لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، أوضحت أن حزب اللات، لثلاثة عقود حافظ على تركيزه الوحيد كمجموعة عسكرية لبنانية، لمواجهة العدو الصهيوني كما يدعي، لكن مع تغير الشرق الأوسط باندلاع نزاعات ليست على علاقة بالكيان الصهيوني، تغيرت كذلك أولويات حزب اللات، مشيرة إلى أن حزب اللات، وسع من نطاق عملياته بسرعة بإرسال جحافل من مقاتليه إلى سورية وعشرات المدربين العسكريين إلى العراق وبدعمه للحوثيين في اليمن، كما ساعد في تنظيم مجموعة من المقاتلين الشيعة من أفغانستان، الذين يمكنهم القتال في أي مكان تقريبا، ومع هذا النشاط، لم يصبح "حزب اللات" فقط قوة في حد ذاته، لكنه بات أحد أهم أدوات إيران - الراعي الأول له - في سعيها الحثيث إلى السيادة بالشرق الأوسط.

حزب الله أداة ربط نسيج شبكة المليشيات المسلحة الممولة من إيران

وأشارت الصحيفة، إلى أن حزب اللات، الذي تم تأسيسه بتوجيه من طهران في عام 1980، كقوة مقاومة ضد الاحتلال الصهيوني لجنوب لبنان، أصبح نموذجا لتشكيل المليشيات التي تدعمها إيران في المنطقة، حيث تطور ليكون ذراعا للحرس الثوري الإيراني، فأصبح النسيج الذي يربط الشبكة المتنامية من المليشيات القوية، كما قالت الصحيفة، إن إيران، وحزب الله، يجاملان بعضهما، فكلاهما قوة شيعية في جزء من العالم أغلبيته من المسلمين السنة، وبالنسبة لإيران الفارسية فإن حزب اللات، ليس فقط قوة عسكرية، لكن قادته ومقاتليه الذين يتحدثون اللغة العربية يمكنهم العمل بسهولة في العالم العربي، أما بالنسبة لحزب اللات، فإن التحالف مع إيران يعنى المال لتسيير شبكة الخدمات الاجتماعية الموسعة في لبنان من مدارس ومستشفيات وقوات الكشافة، فضلا عن الأسلحة والتكنولوجيا وأجور عشرات من المقاتلين في صفوفه.

دعم إيراني للحوثيين في اليمن

وليست لبنان الضحية الوحيدة لميليشيات إيران، بل ضربت أياديها اليمن، أيضًا، من خلال ذراعها المتمثل في جماعة الحوثي الإرهابية، والتي تدعمها طهران باستمرار لاستهداف دول الخليج، وخاصة المملكة العربية السعودية، وليس هناك دليل أكبر من ضرب طائرات بدون طيار، لأهداف نفطية سعودية، والتي كانت مسيرة من قبل الحوثيين.

وخلال حرب الخليج الأولى بين العراق والنظام الإيراني، استطاعت طهران تنظيم المغتربين الشيعة العراقيين وأسرى الحرب في مجموعة، شكّلت عملاءها الأوائل حيث المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بالعراق وجناحه المسلح فيلق بدر، وكان هذا بمثابة فرقة عراقية بالكامل من الحرس الثوري الإيراني خلال الحرب، وظلت تحت قيادة الحرس الثوري الإيراني خلال التسعينيات، وكجزء من الحرس الثوري الإيراني، شارك فيلق بدر في العمليات العسكرية والسرية عبر الحدود ضد القوات العراقية في نقاط مختلفة من الحرب، وعاد المجلس الأعلى للثورة إلى العراق بعد الإطاحة بصدام حسين عام 2003.

غزو أمريكا للعراق وغزو الكيان الصهيوني للبنان سهل لإيران السيطرة على هذين البلدين

يقول إتامار رابينوف، الزميل لدى مركز بروكينجز، "إن الغزو الأميركي للعراق عام 2003 سهّل الحملة الإيرانية الإقليمية، فبإطاحة واشنطن عدو إيران اللدود "صدام حسين"، أزالت العقبة أمام تمدد نفوذها ونقل السلطة في العراق إلى الأغلبية الشيعية لتجد إيران الآن مجالاً خصباً لبسط سطوتها".

كما أن غزو إسرائيل للبنان عام 1982 زود الحرس الثوري الإيراني بفرصة كبرى، فخلال تلك الحرب، ساعد الحرس الثوري في تنظيم الشيعة اللبنانيين المسلحين في جماعة مسلحة موالية لإيران، وصفت في وقت لاحق بـ"حزب اللات". وعمل الحرس الثوري الإيراني على تسليح وتدريب وتقديم الخدمات اللوجستية لحزب اللات منذ الثمانينيات وحتى وقتنا الحاضر، ثم نما حزب اللات تدريجياً ليصبح أقوى منظمة سياسية وعسكرية في لبنان، مع لعب أدوار اجتماعية وأمنية وتجارية واسعة، بل بنواح كثيرة أصبح كدولة داخل الدولة.

إيران والربيع العربي

وشكلت نزاعات ما بعد الربيع العربي مرحلة جديدة من الفرص لإيران لدعم وتطوير عملائها في المنطقة. ففي وقوع الحروب في سورية والعراق واليمن، تحول عملاء إيران من جماعات مسلحة إلى قوات عسكرية وانتقلوا من العمل في الظل إلى ساحة المعركة المفتوحة، وقد زود العملاء المتحالفون مع إيران بآلية لمحاربة خصومها على جبهات متعددة بالوكالة، وأصبحت في هذه العملية امتداداً لقوة إيران العسكرية وأساساً لقوتها الإقليمية المتنامية.

لقد كانت استراتيجية النظام الإيراني في التمدد عبر وكلاء متشددين بالمنطقة، وعلى الرغم من أنه منحها ثقلاً أمام النفوذ الأميركي، لكنه لا يخلو من ثمن كبير يهدد النظام نفسه، وبشكل عام؛ كان لنهج العمل الإيراني نتائج مختلطة، ففي الواقع، كان لهذه السياسة تأثير سلبي شديد على مكانتها الدولية والاقتصاد والعلاقات مع الدول الغربية وجيرانها في المنطقة الذين باتوا يرونها دولة مارقة، فضلا عن أن دورها في النزاعات الإقليمية حفز الدول العربية ضدها وجعلها أكثر التزاما بمواجهة طهران وعملائها. فتهديداتها بتصدير الثورة ساعدت على توحيد المعارضة الإقليمية ضدها، وعلى سبيل المثال دعمت دول المنطقة صدام حسين خلال الحرب العراقية الإيرانية المدمرة.

إيران والعقوبات المفروضة عليها في مواجهة برنامجها النووي

كما أن غالبية العقوبات المفروضة على إيران منذ هذه الحرب، رغم أنها موجهة إلى حد كبير إلى البرنامج النووي، لكن هناك شقاً سياسياً كبيراً يتعلق بدعمها المستمر للجماعات المسلحة خارج حدودها. كما أن الضغط الدولي المكثف الذي فرض على إيران بسبب برنامجها النووي كان مدفوعاً جزئياً بالمخاوف من أن قدرة الأسلحة النووية ستحمي طموحها خارج الحدود الإقليمية أو أن إيران ستوفر أسلحة نووية لعملائها. وأدرجت واشنطن الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية بسبب دعمه للإرهابيين. وهناك العديد من الأكاديميين الغربيين الذين يدعمون خيار شن الحرب ضد إيران لتدمير المنشآت النووية.

لكن العقوبات التي تخنق الاقتصاد الإيراني ليست وحدها التي تمس الشعب، فلقد شملت قائمة حظر السفر التي صدرت بموجب قرار تنفيذي من الرئيس الأميركي دونالد ترمب في 2017، مواطني إيران من بين ثمانية دول أخرى.

العواقب الوخيمة التي تتعرض لها طهران نتيجة العقوبات

هذه العواقب باتت تهدد النظام داخلياً في ظل تجدد الاحتجاجات الشعبية منذ الأشهر الأخيرة من العام الماضي، وتنامي الاستياء العام مع المطالبة برحيل الزعيم الأعلى علي خامنئي، وبإنهاء سلطة الحرس الثوري، الذي أسقط الطائرة الأوكرانية في الثامن من يناير (كانون الثاني) عن غير قصد نتيجة "خطأ بشري"، ظناً منه أنها صاروخ أميركي، مما أسفر عن مقتل جميع ركاب وطاقم الطائرة ال 176 أغلبهم إيرانيون يحملون جنسيات مزدوجة، أكثريتها كندية.

وبغض النظر عما إذا كانت إيران تربح أو تخسر في صراعات المنطقة، فإن استمرار استراتيجية الوكيل يمكن أن يديم عدم الاستقرار إذا فشل عملاؤها في تحقيق الفوز بسورية والعراق واليمن، فمن المرجح أن تسعى إيران لإيجاد سبل لإدامة الصراع في تلك البلدان بدلاً من قبول تسوية سلمية تقوض استثماراتها وتضعف من نفوذها. حتى إذا اعتبر النصر المطلق أمراً مستحيلاً أو غير محتمل، فقد تستمر إيران في تشجيع عدم الاستقرار بتكلفة منخفضة نسبياً لإبقاء انتباه أعدائها ومواردهم غارقة بالصراع.

إيران وخوضها الحرب غير المتماثلة

في مواجهة التفوق الأمريكي الساحق والحصار الغربي، والجفاء الإقليمي، عمد الإيرانيون إلى اعتماد عقيدة عسكرية تقوم على مبادئ "الحرب غير المتماثلة"، لإحداث الفارق، وهي حروب تعتمد على مجموعة معقدة ومركبة من الاستراتيجيات، تستند إلى تأسيس جيش ظل يعمل كفيلق خارجي مكون من مليشيات عقائدية مسلحة، تتأسس على نموذج "حزب اللات" اللبناني.

وعلى الرغم من أن هذه الاستراتيجية لا تستطيع هزيمة أمريكا، لكنها تجعل من كلفة أي حرب أمريكية على إيران باهظة وغير مأمونة العواقب.

الجماعات الشيعية المسلحة عملت على تغيير المشهد في الشرق الأوسط

على مدى عقود من الزمن، غيّرت الجماعات المسلحة الشيعية المشهد الاجتماعي والسياسي والعسكري في الشرق الأوسط، ومع حلول عام 2019، باتت تعمل في العراق ولبنان وسورية أكثر من 100 جماعة شيعية مختلفة، وأصبحت هذه المليشيات المحركات الرئيسية للنفوذ الإيراني، وهي تتبع "الحرس الثوري" الإيراني.

في عام 1997 انبثق عن "الحرس الثوري" وحدة من القوات الخاصة عُرفت باسم "فيلق القدس"، ونشطت في دعم حلفاء طهران في الخارج. وقد استفاد الحرس الثوري الإيراني من الشرعية الدستورية الممنوحة له وفقاً للمادة 150 من الدستور الإيراني التي عدّت الحرس الثوري المسؤول الأول عن حراسة الثورة في وقت الحرب، وأعطته طبيعة تنفيذية في وقت السلم في قطاع الأعمال المدنية والمشروعات الاقتصادية، الأمر الذي أهله ليكون صاحب الكلمة الفصل في شؤون السياسة الخارجية والداخلية.

وتنتشر عمليات الحرس الثوري الإيراني في الدول المتاخمة للحدود الإيرانية والجوار الجغرافي، ويقوم "فيلق القدس" الذي كان يقوده الجنرال قاسم سليماني "قبل اغتياله" منذ عام 1998 بالعمليات الخارجية، وقد اتضح حجمه ودوره بصورة لافته بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وإثر اندلاع الثورة السورية عام 2011.

الصراع الأمريكي الإيراني

وفقاً لحسابات البنتاغون، تسببت الأسلحة التي زودتها إيران للمليشيات الشيعية بمقتل ما لا يقل عن 608 أمريكيين في العراق بين عامَي 2003 و2011، وتشمل هذه الأسلحة أنظمة تنفرد بها إيران على غرار الصواريخ، والعبوات الناسفة الخارقة، والذخائر المرتجلة المدفوعة بالصواريخ، فضلاً عن القذائف الصاروخية وبنادق القنص من العيار الكبير. وفي حين همدت هذه الاعتداءات بعد عام 2011، إلّا أن المضايقات المدعومة من إيران عادت لاحقاً مع تزايد التوترات مع طهران في ظل إدارة الرئيس ترمب.

تشكل المليشيات الشيعية في العراق اليوم دولة داخل الدولة، حيث يتبلور النفوذ الإيراني في العراق عبر ميليشيا الحشد الشعبي على سبيل المثال، التي تأسست إثر دعوة أصدرها آية الله العظمى علي السيستاني في 13يونيو/حزيران 2014 لمحاربة تنظيم داعش بعد سيطرته على الموصل.

على مدى عقود من الزمن، غيّرت الجماعات المسلحة الشيعية المشهد الاجتماعي والسياسي والعسكري في الشرق الأوسط.

ولاحقاً تم تأسيس لجنة لـوحدات الحشد الشعبي منبثقة عن مكتب رئيس الوزراء لإضفاء الطابع المؤسساتي على التعبئة الشعبية والطابع الرسمي داخل "قوات الأمن العراقية".

إيران وفتوى السيستاني بتشكيل الحشد الشعبي

استثمرت إيران فتوى السيستاني لتشكيل جيش رديف للجيش العراقي، وعملت على تنظيمه، والإشراف عليه على الرغم من أن قيادتها الدينية والسياسية لم تكن على اتفاق مع مرجعية النجف بسبب الاختلاف حول نظرية "ولاية الفقيه". وقد أصبح وجود هذه المليشيات قانونياً، بعد إقرار قانون هيئة الحشد الشعبي من مجلس النواب العراقي بالأغلبية في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 وسط مقاطعة نواب تحالف القوى العراقية السني.

تنقسم مليشيات الحشد الشعبي إلى ثلاث مجموعات أساسية: المجموعة الأولى تعلن ولاءها للمرشد الإيراني الأعلى، وتربطها علاقة وثيقة بالحرس الثوري الإيراني، ومنها: مؤسسة بدر، وعصائب أهل الحق، وكتائب سيد الشهداء، وكتائب حزب الله العراقية وحركة النجباء.

والمجموعة الثانية تضم المجموعات الموالية للسيد علي السيستاني، ومن بين هذه الجماعات: سرايا العتبة العباسية، وسرايا العتبة العلوية، وسرايا العتبة الحسينية. أما المجموعة الثالثة فتضم الكتائب الموالية للزعيم الشيعي مقتدى الصدر وفي مقدمتها سرايا السلام. وعلى الرغم من أن التيار الصدري في العراق يظهر نوعاً من التمايز عن إيران لكنه يتقارب معها في مواقف عديدة.

بالإجمال، ثمة ما يقرب من 30 مليشيا تنتمي إلى الحشد الشعبي، الذي يبلغ قوامه نحو 125 ألف مقاتل، وتعتبر المليشيات التي تتبع إيران فيه الأقوى والأشد تأثيراً.

الدعم الإيراني للنظام السوري

على الجانب الآخر في سورية عمدت إيران منذ اندلاع الثورة السورية إلى تقديم الدعم لنظام الأسد، وذلك من خلال قيامها بتدريب وتمويل أكثر من 100 ألف مقاتل شيعي، وتوفير أسلحة خفيفة وثقيلة للنظام والميليشيات السورية.

مجرم الحرب قاسم سليماني يقود فيلق القدس في سورية

ووفقاً لبعض التقديرات، فقد أنفقت إيران حوالي 16 مليار دولار في سورية خلال الفترة (2012-2018). وقد ظهر قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني في معارك عديدة وهو يقود المليشيات الشيعية بنفسه، إذ عمد إلى تأسيس شبكة واسعة من المليشيات الشيعية المقاتلة من بلدان عديدة في سورية.

وقد نشر حزب اللات اللبناني نحو 8 آلاف مقاتل في سورية، وساعد الجماعات غير الحكومية التي عرفت باسم المقاومة الإسلامية هناك، كقوات "لواء أبو فضل العباس" المكونة من العراقيين في الغالب التي تنشط حول دمشق.

وقام "فيلق القدس" بتوسيع كوادر اللواء في سورية بصورة أكثر من خلال مجموعة "عصائب أهل الحق"، ومن بين هذه الجماعات قوات الرضا التي نشرت قوتها في عدد من المحافظات السورية، وفي مقدمتها حمص، وجماعة الغالبون، وسرايا المقاومة الإسلامية في سورية، التي نشطت في محافظات درعا والقنيطرة، وجماعة لواء الباقر التي تمركزت في حلب، إضافة إلى الجماعة الشيعية الباكستانية "لواء زينبيون" والجماعة الشيعية الأفغانية "لواء فاطميون".

خلاصة القول

خلاصة القول إن إيران قد أظهرت عقب تصاعد حدة الأزمة مع الولايات المتحدة، والاقتراب من حافة هاوية الحرب الكلفة الباهظة لأي حرب محتملة وذلك من خلال تحريك أذرعها المنتشرة في الدول العربية والتي تشكل جيش الظل الذي تستند عليه في موجهاتها الخارجية.

وإذا كانت الولايات المتحدة وحلفائها تتفوق في الحروب التقليدية بصورة حاسمة، فإن إيران تتمتع بميزة الحروب الهجينة اللا متكافئة، وهي ميزة طورتها إيران خلال العقود الثلاثة الماضية.

المصدر

*ملفات اندبندنت عربية-انجي مجدي-12/2/2020

*ت ر ت عربية-حسن أبو هنية-31/5/2019

*اليوم السابع-2/11/2020

*ب ب س نيوز عربي-17/5/2019

*آر تي-3/6/2020  

*تلفزيون سورية-23/9/2019

*ديارنا-8/5/2019  

وسوم: العدد 907