كيف خلقت مخابرات اسد طبقة فاسدة من رجال الاعمال في حلب من اجل السيطرة على المدينة واخضاع سكانها

 الجزء ١ من ٢ 

الجزء الاول : موجز عن تاريخ حلب الاقتصادي

اعزائي القراء . 

كما هو معروف تعتبر مدينة حلب  ومنذ اكثر من الفي عام مركزاً تجاريا هاما فهي عقدة التقاء القوافل القادمة من الصين بحريرها الى الهند بتوابلها الى ايران بسجادها الى العراق بحليه الذهبية الى بلاد الشام بنسيجها ونحاسياتها حيث تحط رحالها في خانات حلب ليتلقفها تجار اوروبا وعلى راسهم تجار البندقية  فيجلبون بضائعهم من اوروبا .يقيمون في الخانات التي كانت بمثابة الفنادق ومستودعات للبضائع ومكاتب للتجار .فتتحول الخانات الى معارض اقتصادية كبيرة.

ساهمَت الخانات بشكلٍ كبيرٍ في الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية لبلاد الشام ، وكانت ملتقىً ومجمّعاً للتجار الذين يتبادلون السلع ويعقدون الصفقات ويستفيد بعضهم من تجارب بعضهم الآخر وخبراتهم.

اضاف العثمانيون لها خانات جديدة ومعظم هذه الخانات مازالت قائمة.

هذا التاريخ الطويل في التجارة اوجد عوائل حلبية  هامة تمرست بالتجارة وطورتها الى اقامة مراكز صناعية فاصبحت حلب الرئه الاقتصادية التي تتنفس منها سوريا .

يتألفُ التخطيط المعماري للخان العربي الإسلامي من صحنٍ واسعٍ تتوسطه بركةُ ماءٍ كبيرة وله مدخلٌ قوسيٌّ عالٍ، بابه خشبيٌّ ضخمٌ مصفحٌ بالحديد أو النحاس. وتوجد حول الباحة المستودعات والحوانيت التي تُستخدم لايداع البضائع، وعادةً ما توجد قاعةٌ ضخمةٌ على مدخل الخان واجهتها مزينة ومزخرفة بزخارف بديعة. أما في الطابق العلوي فتوجد غرف للسكن تقوم فوق المستودعات، كما ضمَّت بعض الخانات مسجداً صغيراً ملحقاً بها.

ازدادت العناية الخاصة بالخانات والأسواق في العهد العثماني. ونظراً لازديادِ أهمية حلب التجارية فقد كثرَت فيها الخانات، و تاسست داخل وقرب الأسواق القديمة وأشهرها هي:

-خان الصابون -خان الجمرك -خان الوزير-خان الحرير -خان القصابية-خان القاضي-خان خير بك-خان أوج خان (العطشان)-خان الشونة -خان الحاج موسى-خان النحاسين-خان البرغل-خان قرتباي -خان الطاف-خان التتن-خان البنادقة،-خان العلبية-خان الفرايين- خان النقر، وغيرها...

في الجزء الثاني سنتعرض الى خطط عصابة البهرزي بالقضاء على تاريخ حلب الاقتصادي بتهجير الشرفاء المعروفين من تجار حلب لاخضاعها تماماً لسلطته ليحل محل رجال الاعمال الحلبيين  عصابات من اسر غير معروفة ارتضت ان تكون شبيحة النظام لقاء شراكة مع المخابرات في التهريب والاستيلاء على اقتصاد حلب .هذه العصابات هي التي اقتنت سيارات المرسيدس  وبنوا الفيلات بين عشية وضحاها فكانوا الذراع العسكري للنظام . هؤلاء هم الذين اثروا على سمعة حلب الوطنية وهم الذين اخروا تحريرها قبل ان يستولي عليها الروس من جديد بالاعتماد على هذه العصابات التي شوهت تاريخ حلب الاقتصادي والوطني  .

تابعونا في الجزء الثاني 

فإلى اللقاء..

الجزء الثاني 

كيف خلقت مخابرات اسد طبقة فاسدة  من رجال الأعمال في حلب من أجل السيطرة على المدينة  وإخضاع سكانها. 

الجزء ٢ من ٢ 

الجزءالثاني :  الطبقة الفاسدة بالاشتراك مع رجال 

المخابرات احتلوا  حلب 

في الجزء الاول  تطرقت بشكل موجز لتاريخ حلب الاقتصادي واكمل اليوم عن الطاعون الاقتصادي الذي ضرب حلب في عهد العصابة الاسدية   فحولها لمدينة  لاتنتمي لماضيها العريق ، وعندما اكتب عن حلب فهي مثال لباقي المحافظات والتي تم تدمير قيمها وتاريخها الاقتصادي والتخلص من رجال اعمالها المخلصين ليحل محلهم عصابات فاسدة ارتضت حمل السلاح  بيد ضد كل وطني شريف  وحملت المال الفاسد باليد الاخرى.

ونتيجة لذلك تراجعت الطبقة الشريفة والوطنية من رجال الأعمال والتجار  بحلب ومعظمهم غادر المدينة لدول اخرى ففتحوا اعمالاً ناجحة فيها .

واذا ضربت الامثلة عن  إخلاص طبقة التجار ورجال الأعمال التاريخيين فسأملأ مجلدات عنهم ولكن اكتفي بالقليل من الامثلة: 

 في زيارة لاخي دكتور حسان وزوجته الالمانية  لي اثناء  دراستي في ايطاليا في ستينات القرن الماضي دخلنا افخم محل لبيع الاقمشة في مدينة البندقية فوجدنا قماشاً متميزاً من صناعة الططري في مقدمة الاقمشة .واليوم وانا في امريكا منذ اكثر من ثلاثين عاماً اتمنى ان ارتدي قميص داخلي قطني واحد مصنوع من قطن بلدي الشهير . فلا اجد ما افتخر به.

واهتمت الشركة الخماسية  في دمشق اسوة بغيرها من الشركات الاخرى ومنذ خمسينات القرن الماضي  بالعمال فجعلت لهم تأمينا صحياً وجزءاً من الارباح في نهاية العام . 

وفي آواخر السبعينات حيث  مازال تجار حلب الاوفياء يجاهدون للبقاء ، اذكر  احدهم  اقام احتفالاً  جمع فيه كثيراً من العوائل لتقديم جوائز  مالية لعشرة طلاب الاوائل الذين نجحوا في الثانوية العامة وعشرة اخرين للذين نجحوا بدرجات عالية بالاعدادية .فاذا بالمخابرات تقرع باب بيته فجراً وتهدده ان هو كرر فعلته ، لان فعلته تدخل في المزايدة على عطاءات السيد الرئيس. فتوقف الرجل عن عطاءاته بعد ان مكث شهراً مريضاً في الفراش . 

واليوم يستحوذ 200 عميل من عصابة السلطة  على الاقتصاد السوري  كلياً  وجميعهم بلا تاريخ  تقني سوى تاريخ الفساد فجميعهم خارج  طبقة رجال الأعمال الحقيقيين الذين بنوا سوريا اباً عن جد بعرقهم وجدهم واخلاصهم  ومنتجاتهم التي نافست منتجات اوروبا وآسيا.  بينما العصابة التي استولت على اقتصاد حلب تم تلميعها مخابراتياً ثم قذفت الى سوق العمل فاحتكرته وفقاً لمحاصصة قسّمها النّظام بينه وبينهم.

 فبدأ النظام بتوزيع العطاءات على رجاله بلا حساب . فتأسست إمبراطوريات تجارية جديدةٌ فاسدة تعمل بكلّ مناحي الاقتصاد وهي لاتفهم خيط الحرير من خيط القطن ، وضمن هذه التركيبة سطع نجم الفوز والقاطرجي والقطان في سماء الاقتصاد السّوري ليس بحجم الولاء للنظام فحسب، إنّما ببحث النّظام عن أسماء جديدةٍ يعوّمها، مقابل انحسار دور الرجال السابقين من طبقة رجال الأعمال.

ومن بين هؤلاء  سماسرة جدد 

 برز منهم فارس الشّهابي وخليل طعمة، ووزير الصناعة الأسبق أحمد الحمو إضافةً إلى سامي بركات

وكان للطائفة العلوية الكأس المعلى في الاستحواذ على اقتصاد سوريا من ال مخلوف لآل اسد لآل سلمان لآل شاليش والأعداد لاتحصى . 

ظهر  ذلك جلياً منذ استيلاء الوريث على السلطة  فدفع النظام أفراد طائفته للاستثمار في الشركات الخاصة، تحسبا لفقدان امتيازات النظام، ويقدر حاليا 80% من الوظائف في الخدمة العامة  والأعمال التجارية والصناعية والخدمات  يشغلها العلويون المقربون  .

وفي دمشق برز من السماسرة الجدد الشلاح  اباً و ابناً والقلاع والعطار وحبوباتي وحسن والنحاس وغريواتي وبيتنجانة والأيتوني.. الخ، وفي المحافظات الاخرى برز منهم الإخوان والأخرس وأنبوبا وعزوز والشهابي وزيدو وجود والزين وجابر و مرعي وخوندة، وكنامة، وبالتأكيد القائمة تطول، وتتعدد الأسماء المعروفة بدورها التجاريّ والصناعيّ المشبوه والقائم على المشاركة مع رجالات السلطة،

بينما العائلات التاريخية التي بنت اقتصاد سوريا استمرت بانحسارٍ، ورحلت نسبةٍ كبيرةٍ من أفرادها الى الخارج خوفاً من نفوذ الكبار ، حيث تعرض بعض افراد هذه العائلات للتهديد والخطف،

وكمثال عن المفترسين الجدد نأتي على ذكر 

قاطرجي والذي كون ثروة غامضة ، فلم يُسجّل لعائلة قاطرجي أيّ نشاطاتٍ تجاريّةٍ أو اقتصاديّةٍ معروفةٍ قبل سنوات قليلة، لكن العائلة التي تنحدر من الرقة، وتضمّ الأشقاء الثلاثة حسام (عضو مجلس الاسد ) وبراء ومحمد آغا، يستحوذون على تجارة النفط، وسطع نجم الاخوة الثلاثة بقوةٍ في مختلف مجالات الاستثمار لا سيّما البتروليّة منها، وإدارتهم لميليشيا مسلحةٍ التي اعتمد عليها النظام في ترويع سكان حلب، ويملكون اليوم مجموعة قاطرجي الدوليّة، التي تضمّ شركات: قاطرجي للصناعات الهندسية الميكانيكيّة، أرفادا البتروليّة، حلب المساهمة المغفلة القابضة، أليب للاستثمارات والحلول التقنيّة، جذور للزراعة وتربية الحيوان، وفولاذ للصناعة المعدنيّة، وآرمان للإدارة الفندقيّة والسياحيّة، وقاطرجي للتجارة والنقل، والذهب الأبيض الصناعيّة، وقاطرجي للتطوير والاستثمار العقاريّ. كما تمتلك العائلة مليشيا قاطرجي وهي مليشيا مسلحةٌ تعمل كقوةٍ رديفةٍ مع النّظام السّوريّ لا سيّما في مجال حراسة آبار الغاز، ومرافقة الحمولات، وتركز نشاطها في نقل النفط من المنطقة الشرقيّة إلى المصافي. ولا يسمح بسؤال واحد يتعلق بمصدر  هذه الثروة الطائلة الموزعة على الشركات المذكورة؟

هل ازيد أم اكتفي .؟

يبقى السؤال أين ذهبت مليارات الدولارات ؟

وأين اقتصاد سوريا اليوم  ؟

إنه اقتصاد يعتمد على ١٠٠ دولار يدخلها المواطن المسكين  ليتفقد بقايا بيته فيسرقوها منه عند الحدود.

إنه اقتصاد يعتمد على تجارة المخدرات بالشراكة مع العصابة التي دمرت لبنان .

إنه اقتصاد  الفاشلين الذين دمروا البنية الاساسية لرجال الأعمال التاريخيين  ليحتلها اذناب العصابة الحاكمة فيجمعوا ملياراتهم ويكنزوها في بنوك ومشاريع خارج الوطن ، بينما يمثل لنا بطل "الصمود"  المسرحية الاخيرة قبل السقوط  بعنوان : لامكان للفاسد رامي مخلوف  في سوريا .

وسوم: العدد 907