غضبة الأمير تركي الفيصل على إسرائيل لا تجسد تغييرا في موقف النظام السعودي منها

غضبة الأمير تركي الفيصل على إسرائيل لا تجسد تغييرا  في موقف النظام السعودي منها ، وربما يكون المطبع الخامس معها بعد المغرب

ابتهج بعض الفلسطينيين والعرب من غضبة الأمير تركي الفيصل على إسرائيل في " حوار المنامة 2020 " ، ومنوا النفس بأن تكون تجسيدا لتغيير في موقف النظام السعودي منها ، وعدد فريق منهم أسباب هذه الغضبة ، وسارعت حماس التي يصنفها النظام السعودي حركة إرهابية ويعتقل عددا من شخصياتها التي عاشت وعملت سنين طويلة في بلاد الحرمين ؛ إلى الترحيب بالغضبة والثناء عليها .  باعث  الابتهاج  من كلام الأمير تركي هو ما فيه من حدة وقوة غضب على  إسرائيل ، ووصفها  بأنها قوة استعمارية غربية تستعمر الأرض الفلسطينية ، وتفعل كل المنكرات بالفلسطينيين ، ولا جديد في هذا الوصف لحقيقة إسرائيل ، ولكنه  قلما يُسمع من أي مسئول في النظام السعودي ، وزاده صدوره في هذا الوقت اهمية واهتماما . وفي رأينا أن غضبة الأمير تركي لا تجسد أي تغيير في موقف هذا النظام  من إسرائيل الذي له ، الموقف ، جذور ممتدة وعميقة بالمشروع الصهيوني ودولة إسرائيل التي أنتجها هذا المشروع . والجذور هي صانعة الفروع . ومعلوم ومشهور اتفاق كوينسي بين الرئيس الأميركي روزفلت والملك عبد العزيز في 14 فبراير 1945 الذي وافق فيه الملك بكل سخاء ولامبالاة على " إعطاء " فلسطين ، كأنه يملكها ، لمن سماهم المساكين اليهود . وقبل إقامة إسرائيل أرسل إليه ، إلى الملك ، حاييم وايزمن رئيس الوكالة اليهودية وأول رئيس لإسرائيل 4 ملايين جنيه استرليني لإنفاقها في إيواء اللاجئين الفلسطينيين الذين كان الصهاينة ينوون طردهم من وطنهم ، وخاطبه في الرسالة المرفقة مع المبلغ ب : " يا بن عمي ! " . وأوجزت ملكة بريطانيا الصلة الوثيقة بين نشأة النظام السعودي ونشأة إسرائيل حين قالت إن بريطانيا تريد إنشاء دولة لآل سعود في جزيرة العرب  تمهد لإنشاء دولة لليهود في فلسطين . ولم يتخل النظام السعودي ماضيا  عن وظيفة نشأته ولن يتخلى عنها مستقبلا لاتصالها بوجوده الذاتي . وكل حديثه عن حرصه على حقوق الشعب الفلسطيني ، وكل تظاهر له بمعاداة إسرائيل نفاق ومداراة . وإلى متلازمة هذا النفاق والمداراة يجب إضافة غضبة الأمير تركي الفيصل  الذي يتحرك بصفة " دبلوماسي ظل " في خدمة سياسة أسرته مثلما يتحرك الأمير بندر بن سلطان وأنور عشقي الذي اختفى عن الأسماع والأنظار والأسماع منذ عامين ، والذي أجاب مسئولا إسرائيليا  حين سأله : " ما معنى إشكي ؟ " ( نطقها الإسرائيلي هكذا ) بأن " عشقي " تعني " أشكنازي " . ما قاله الأمير تركي نسقه مع النظام السعودي ، وحافزه الأسباب التالية  : 

الأول : تغطية سوء موقف النظام السعودي من فلسطين والفلسطينيين الذي اتخذ مظاهر عنيفة وغريبة في السنتين الأخيرتين في قول ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لشخصيات يهودية أميركية إنه لو كان لبلاده مائة مشكلة لكانت قضية فلسطين هي الرقم مائة ، وفي حملة الذباب الإلكتروني السعودي في وسم " الرياض أهم من القدس " ، وفي الدعوة لتحرير الأقصى من الفلسطينيين ، وفي وصفهم بالجحود ، وفي تخفيض قدسية المسجد الأقصى ، ونفي وجوده في فلسطين ، وكل هذه الإساءات  

أغضبت كثيرين في العالم العربي والإسلامي ،وهوت بمنزلة بلاد الحرمين في عيونهم وقلوبهم .  

الثاني : محاولة النظام السعودي الانسجام مع سياسة بايدن التي لن تكون بأسلوب سياسة ترامب في التماهي الصارخ الأهوج مع إسرائيل وإن كانت لن تتبدل جوهرا إلا أنها ستتسم بقدر من التحفظ ، ويرى النظام السعودي  من مصلحته التكيف مع هذا التحفظ حتى لا يظهر كاثوليكيا أكثر من البابا . 

ثالثا : مناكفة الإمارات التي اندفعت في تطبيع أعمى شامل مع إسرائيل لا يرعى محظورا ولا يقف عند حرمة ؛ خاصة بعد التوافق السعودي التركي وقرب التصالح  السعودي القطري اللذين لا ترضى عنهما الإمارات . وأوقد تصريح سفير الإمارات يوسف العتيبة بعض نار هذه المناكفة ببيانه أن بلاده لا يد لها في القتلى في اليمن الذين تقدرهم الأمم المتحدة ب 230 ألف ، وبيانه لمز بأن النظام السعودي هو صاحب اليد في قتلهم .  

هذه الأسباب الثلاثة المفسرة في رأينا  لغضبة الأمير تركي تنفي أي تغيير استراتيجي في موقف النظام السعودي من إسرائيل الذي تتعدد الشواهد على تنسيقه السياسي وتعاونه الاستخباري والعسكري معها ، وعلى هامش المؤتمر اجتمع الأمير الغاضب مع الجنرال عاموس يادلين رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الأسبق الذي يعمل حاليا رئيسا لمركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي ، ومعروف بتطرفه العدواني الصارم نحو الفلسطينيين  العرب . 

 وفي غضبة الأمير إشارتان تؤكدان  هذا النفي تأكيدا قاطعا  لا شبهة فيه : 

الأولى : قوله إن يد بلاده ممدودة إلى إسرائيل بالرغبة في السلام معها .   

الثانية : دعوته إسرائيل لأن تسلك في القضية الفلسطينية مسلكا إيجابيا للتفرغ بلاده معها  لمواجهة إيران التي يراها خطرا  على الدولتين ، ولا  ريب في أنه يعلم يقينا أن إسرائيل لن تسلك هذا المسلك.   

ماذا تريد إسرائيل أكثر من هاتين الإشارتين برهانا مبينا على ثبات سياسة النظام السعودي الودية نحوها ؟! ندعو المبتهجين بغضبة الأمير تركي إلى النظر فيهما . ولا يتوقف حديث  كوشنر وبومبيو عن  قرب تطبيع النظام السعودي مع إسرائيل ، وهو احتمال وارد بقوة قبل انتهاء إدارة ترامب الذي أضاف في تغريدة له  أمس خبر تطبيع المغرب علاقاته مع إسرائيل ليكون الدولة الرابعة من المطبعين المحدثين بعد الإمارات والبحرين والسودان ، ولن  نتفاجأ  إذا غرد قريبا بنبأ تطبيع بلاد الحرمين لتكون الدولة الخامسة ، وفي الأخبار أنها شجعت المغرب على تطبيعه ، ما يفضح زيف ونفاق غضبة الأمير تركي على مسلكيات إسرائيل وجرائمها .  وتغريدات ترامب قبل غيره  بهذه الأنباء شهادة صارخة  على شعوره الطاغي بأنه ولي أمر هذه الدول والوصي عليها  . لا مفاجأة في أي علامة شائنة  جديدة  من علامات الانهيار العربي الذي أوصلتنا لهاويته القاتلة أنظمة حكم تقول لشعوبها المقهورة نقيض ما تفعله لتوثيق علاقاتها مع أعداء الأمة والتمادي الموغل  في خدمة مصالحهم القبيحة  لتبقى حاكمة لهذه الشعوب في ظل حراب رضا هؤلاء الأعداء عنها .

وسوم: العدد 912