شتان بين جيش يحمي الشرعية والديمقراطية وجيوش تذبحهما

قبل حلول موعد تنصيب الرئيس الأمريكي الجديد، نشرت أعداد كبيرة من أفراد الجيش الأمريكي لمؤازرة قوات الشرطة والحرس من أجل مرور التنصيب في ظروف عادية حفاظا على أهم ما تفخر به الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الديمقراطية وما يترتب عنها من شرعية .

ومعلوم أن الداعي إلى هذا الوضع الأمني غير المسبوق في تنصيب الرؤساء بالولايات المتحدة هو الهجوم الغوغائي على مقل الكونجرس الأمريكي يوم اجتماع أعضائه لمناقشة الطعون في نتائج الانتخابات الرئاسية التي شكك فيها الرئيس المنتهية ولايته  هو وفريق من حزبه  حيث حرض أنصاره على التظاهر أمام مقر الكونجرس، وهو ما انتهى باقتحامه وإتلاف بعض مرافقه ومحتوياته مع تهديد أعضائه بالتصفية من طرف عناصر متطرفة مسلحة كما رصدتها كاميرات الإعلام .

ولمّا كانت الديمقراطية ضامنة لاستقلالية القضاء ، فإنه شهد بنزاهة الانتخابات ،وفنّد الادعاء بحصول التزوير فيها  أو التلاعب بها . وكان على الرئيس الذي خسر الانتخابات أن يسلم بخسارته وبفوز غريمه كما نصحه بذلك المقربون منه إلا أنه كابر وعاند مصرا على البقاء في السلطة على حساب الديمقراطية والشرعية ، وعمد إلى التحريض على ذلك، فكان ما كان من عدوان على المؤسسة التشريعية من طرف من وصفوا بالتطرف والغوغائية .

 وهذا الذي حدث جعل الديمقراطية  والشرعية في الولايات المتحدة  أمام محك ، لهذا اختار الجيش حمايتها لأنها صمّام أمن وسلام  البلاد . وقد بلغ الأمر حد احتياط وزارة الدفاع في انتقاء من سيكلفون بحراسة البيت الأبيض خلال مراسيم تنصيب الرئيس الجديد ، وهو احتياط من أجل حماية الديمقراطية والشرعية في البلاد .

وعندما نقارن بين موقف الجيش الأمريكي ،وجيوش أخرى في دول العالم الثالث ، ونضرب مثالا بالجيش المصري تمثيلا لا حصرا ،نجد أن هذا الأخير ذبح الديمقراطية والشرعية ذبحا حيث استغل من عهد إليه الرئيس الشرعي المنتخب ديمقراطيا منصب وزارة الدفاع منصبه لينقلب عليه  غدرا وخيانة انقلابا دمويا يعتبر ذبحا للديمقراطية والشرعية التي لم تشبهما شائبة، ولا شككت فيهما جهة من الجهات في العالم . ولم يكن الجيش المصري كالجيش الأمريكي في الدفاع عنهما بل اختار العودة إلى ثقافة الانقلابات التي درج عليها لعقود منذ استقلال مصر ، وهي ثقافة تؤله قواده الذين يتزعمون الانقلابات العسكرية ليحكموا البلاد بتسلط واستبداد ويد من حديد .

ولقد ظلت شعوب العالم العربي  لعقود تتطلع إلى فجر تنعم فيه بالديمقراطية كي تلحق بباقي شعوب البلاد الديمقراطية ، فخاضت ثورات ربيع أسقط أنظمة شمولية ، وكان الشعب المصري سباقا لإرساء الديمقراطية ليكون قدوة باقي الشعوب العربية إلا أن جيش مصر الذي لم يألف ثقافة الديمقراطية وثقافة حمايتها خذله، فوجه سلاحه إلى صدور شعب أعزل  خرج  وتجمهر في الساحات للدفاع عن ديمقراطيته الفتية  التي اغتيلت في مهدها .

ولقد سجل التاريخ خذلان الأنظمة الغربية  الشعب المصري ، وهي التي ترفع شعار الدفاع عن الديمقراطيات ، ولم تقف إلى جانبه ضد مصادرة متزعم الانقلاب لحريته في اختيار النهج الديمقراطي كثقافة عوض العيش تحت حكم الاستبداد العسكري . ولقد باركت تلك الأنظمة الغربية الانقلاب الدموي على الديمقراطية في مصر لمجرد أن الشعب اختار رئيسه من حزب ذي توجه إسلامي ، وكأن الأحزاب ذات التوجه الإسلامي لا حق لها في التجربة الديمقراطية  إلى جانب الأحزاب من مختلف التوجهات السياسية والإيديولوجية ، وقد حكم عليها مسبقا بأنها لا تحترم الديمقراطية ، وأنها إذا تولت زمام الأمور فستتحول إلى الحكم الشمولي على حد زعمها مع وجود تجربة تركيا  وهي بلد علماني والتي أفضت فيها التجربة الديمقراطية إلى وصول حزب ذي توجه إسلامي إلى السلطة دون أن يتحول عن الديمقراطية إلى الشمولية والاستبداد كما كان الحال في فترات حكم العسكر المستبد بالسلطة  .

فما هي الدروس والتكوين الذي خضع لها الجيش الأمريكي كي يكون جيشا حاميا للديمقراطية والشرعية ؟ وكيف هي دروس وتكوين الجيوش في دول العالم  الثالث التي تجعها تؤله قادتها الانقلابيين المستبدين ، وتحولهم إلى أعداء للديمقراطية والشرعية ؟وهل ستتغير مستقبلا ثقافة وأخلاقيات هذه الجيوش لتكون كثقافة وأخلاقيات الجيش الأمريكي أم أن قدر شعوب دول العالم الثالث  هو أن تظل تحت قهر استبداد الأنظمة العسكرية الشمولية ؟ 

وسوم: العدد 912