في الفروع الأمنية لنظام الجريمة من يقتل أكثر يقال بأنه "اشتغل" أكثر

الشاهد Z30 السري في المحكمة الألمانية يضع أرشيف قيصر في الزاويه  ويفتح ملفات إجرام النظام السوري المجرم فيصبح قيصر وارشيفه لا شيء أمام صورة الإجرام والهولوكست الذي يقوم به الاسد  .

هذه الأحداث التي رواها الشاهد ( الإمبراطور ) كما أصفه أنا في الجلسة الأولى من شهادته إلا أن القضاة رفعوا الجلسة بعد انهياره أمام المحكمة وتم إسعاف الشاهد لهول ما شاهده وشارك فيه من أحداث لا يصدقها عقل بشري ولا يمكن أن يقوم بها بشر غير آل أسد وزمرتهم  .

القنبلة التي شهدتها محكمة ( أنور رسلان ) هذا الأسبوع:

هي الأخطر بعد "قيصر"... ما الذي  باح به : "Z-30 " عن هلوكوست الأسد ومقابره الجماعية

رغم كثرة المهتمين بها ، من حقوقيين وناشطين وصحافيين وذوي ضحايا ومتعاطفين، فإن معظمهم، وربما كلهم، لم يكن يتوقع أن تحفل الجلسة 30 في محاكمة كل من العقيد المخابراتي *"أنور رسلان"* والمساعد *"إياد الغريب"* بهذا الكم الخطير من الشهادات، التي تركت صدى مدويا أشبه بصدى الصور المرعبة التي سربها "قيصر".

الجلسة التي تمكنت *"زمان الوصل"* من حضورها وقسمتها على يومين متلاحقين، لغزارة ما أدلى به الشاهد، افتتحت بجدال استمر طويلا بين هيئة الدفاع عن المتهمين وقضاة المحكمة، حول وجوب كشف وجه الشاهد، للتحقق من هويته وإتاحة الفرصة لمراقبة ملامحه أثناء الشهادة في سبيل مطابقتها مع ما يقول.

استنجد فريق الدفاع بنص فقرة من القانون الألماني، تدعم وجاهة ما طالب به، لكن هيئة القضاة ردت بنص قانوني آخر يمنحها حق إخفاء ملامح الشاهد حفاظا على أمنه وسلامته، وهكذا حسم الجدال لصالح إبقاء وجه الشاهد وراء قناع لتسهيل المهمة

في صباح يوم 9 أيلول، وبحضور هيئة القضاة والادعاء والدفاع، وبحضور "رسلان" و"الغريب" وجمع من الحقوقيين والإعلاميين، دخل الشاهد الذي اصطلحت المحكمة على تسميته Z-30/07/19 القاعة بقامته... وشعره...، متحدثا لساعات بلهجته ... التي شابتها لكنة... وتعابير... أتاحت لنا تكوين صورة شبه واضحة عن محددات أساسية في هوية الشاهد (زمان الوصل فضلت حجب هذه المعلومات التزاما منها بمبدأ حماية الشهود).

لم يكن القضاة بحاجة للتعرف إلى هوية الشاهد "Z-30" ولا إلى مضمون ما سيدلي به، بقدر ما كانوا بحاجة إلى مطابقة ما سيقوله في الجلسة، مع ما قاله أمام الشرطة الألمانية التي مثل أمامها مرتين، وإلى الحصول على تأكيدات لما أدلى به، ومن هنا كان الطلب الأول الموجه للشاهد هو أن يحدث الحضور عما شارك به من "عمليات دفن".

هنا بادر Z-30، لرسم صورة عامة لما كان يقوم به خلال عدة سنوات من عمر الثورة (سماها الأزمة)، ابتداء من خريف 2011 عندما تم فرز ضابطين من المخابرات إلى "الدائرة الحكومية" التي كان يعمل بها في دمشق، وهي دائرة مختصة بشؤون دفن الموتى ،يومها وبأوامر مباشرة من المخابرات، شكل الشاهد "مجموعة عمل" من حوالي 15 شخصا كان المشرف عليها، وباشرت طوال 6 سنوات تقريبا (حتى 2017) أعمال دفن أعداد ضخمة من ضحايا قضوا تحت التعذيب، في مقبرتين جماعيتين كبيرتين.

في بداية "عمله" كانت المخابرات تصطحبه إلى كل من مشفى تشرين ومشفى حرستا العسكريين، بهدف جلب الجثث ودفنها، ولكن لاحقا، ونظرا لتضاعف حجم "العمل" وفي سبيل "تسهيله"، زودت مخابرات النظام الشاهد "Z-30" بمهمة رسمية مختومة وموقعة مع سيارة صالون (فان نيسان 14 راكب، حسب وصفه) بلا لوحات، تزينها صورتان لبشار الأسد (وصفه الشاهد بالرئيس) من الأمام والخلف، وكان ذلك كافيا لمروره على مختلف الحواجز دون إعاقة.

4 مرات وسطيا في الأسبوع، كان الشاهد يخرج فيها بين الساعة الرابعة والخامسة فجرا في تلك السيارة لجمع "فريق عمله" من عده أحياء في دمشق، قبل أن يتوجهوا جميعا إلى مكان الدفن المحدد لهم، إما في "نجها" (نحو 18 كم جنوب دمشق) أو على تخوم "القطيفة" (قرابة 40 كم شمال دمشق).

هناك (نجها أو القطيفة) كانت شاحنات "البراد" المحشوة بالجثث تسبقهم إلى الموقع، وأحيانا تصل بعدهم بوقت قصير.

وحسب شهادة "Z-30" الذي كان يرد على استيضاحات هيئة قضاة الإقليمية العليا في "كوبلنز" الألمانية، فقد كانت حمولة الشاحنة المبردة الواحدة تتراوح بين 500 و700 جثة، وأحيانا تكون أصغر وبحمولة 300 جثة تقريبا، ويمكن أن تحضر شاحنة واحدة إلى الموقع، وأحيانا تأتي 3 شاحنات دفعة واحدة، وهذا كله يتم أسبوعيا بواقع 4 مرات تقريبا، ما يعني وفق تقديرات الشاهد المشفر أن النظام كان يدفن وسطيا نحو 4 آلاف جثة في الأسبوع.

وقال "Z-30" إن شاحنات الجثث كانت غالبا بطول يقارب 11 متر، أي بحجم "الكونتينر"، وقد كانت تأتي من المشافي العسكرية بمعدل مرتين بالأسبوع، وكذلك الحال بالنسبة للشاحنات القادمة من سجن صيدنايا (كانت أيضا كبيرة وتتردد على موقع الدفن مرتين أسبوعيا)، وكان للمشافي "المدنية" مثل المجتهد والمواساة نصيبها، وإن بقدر أقل حيث كانت تفد منها برادات صغيرة وبمعدل مرة أو مرتين شهريا.

ووصف الشاهد "ضغط العمل" الذي كان يتعرض له، قائلا إنهم كانوا يعملون "بدون راحة أو عطلة"، وكان واجبه كمشرف على فريق الدفن أن يسجل أعداد الجثث بحسب الأفرع المرسلة منها، فكان يدون على سبيل المثال المثال، فرع المنطقة 150 جثة، الجوية 200 جثة.. وهكذا حتى يكتمل الدفن، ليسلم  الجدول إلى الضابط الذي تم انتدابه لمراقبة العمل في مكتب الدفن.

"اشتغلوا"

 في قاموس المخابرات

وفيما يسهب الشاهد بشرح أدق التفاصيل، ويعدد أسماء الأفرع المخابراتية ويحاول تقدير أعداد الجثث القادمة منها، يتابع العقيد "أنور رسلان" باهتمام محاولا تدوين بعض النقاط من الشهادة، فيما يجلس "إياد الغريب" مسندا رأسه إلى الوراء، وقد ارتدى كمامة طبية.

تسأل القاضية الشاهد: ماذا كنت تسجل؟

يجيب بما مضمونه: كنت أسجل اسم الفرع والعدد... كانت الجثث تأتي عارية، عليها ملصقات على الجبين أو على الصدر، مكتوب عليها رقم ورمز... بالنسبة إلى سجن صيدنايا كان الوضع مختلفا، لأن الدفن كان بنفس يوم الإعدام.

(تقديرات الشاهد، تقول إن النظام كان يدفن وسطيا نحو 4 آلاف جثة أسبوعيا)تتدخل القاضية، لتستفهم عما إذا كانت تردهم جثثا من القسم 40 (الذي كان يرأسه حافظ مخلوف، وخدم فيه إياد الغريب فترة قبل أن ينشق)، يرد "Z-30": نعم، فرع أمن الدولة، فرع الخطيب، إدارة أمن الدولة، القسم 40، فرع فلسطين، الأمن السياسي، فرع المنطقة، فرع الدوريات، السرية 215 والمخابرات الجوية، كلهم كانوا يرسلون.

القاضية: من أي فرع كان تأتي الأعداد الأكبر؟

الشاهد "كنت اسمع الضباط يقولون، اليوم فرع أمن الدولة اشتغلوا".

القاضية: ماذا تقصد بذلك؟

الشاهد: يعني أنهم أرسلوا أعدادا كبيرة.

ورغم أن الجهات والأفرع التي ترسل الجثث كثيرة ومتعددة، فقد تم اختيار مكانين فقط للدفن، في كل من جنوب دمشق (نجها)، وشمال دمشق (القطيفة)، وهناك –حسب وصف الشاهد- كان يجري تحضير "خطوط" أي حفر طولية على شكل خنادق، يمكن أن يصل طول الحفرة الواحدة 200 متر بعرض 4 أمتار وعمق 6 أمتار، تتولى حفرها آلية "الباغر".

كان "فريق الدفن" يدخل إلى المقبرة بعد أن يكون "الخط" قد جهز مسبقا، حيث يتم إخضاعهم للتفتيش في سبيل التأكد من أنهم لا يحملون أي أجهزة اتصال أو كاميرا، وبعدها مباشرة تحين لحظة مواجهة المشاهد والروائح التي لا يمكن تخيلها، ولايستطيع مترجم مهما بلغت قدرته أن يعطيها حقها وينقلها للحضور الألمان بنفس الوصف والنبرة الصادرة عن الشاهد.

( المشافي العسكرية وصيدنايا، يتقاسمان الحصص، لكن المشافي "المدنية" لها نصيب أيضا)

تُفتح أبواب الشاحنات (البرادات)، وهنا يستحضر الشاهد المنظر الذي عاينه مرات لا تعد، "تششششششش.. هيك بيطلع الصوت كأنو قنينة غاز وفتحتا"، محاولا تمثيل الصوت الناجم عن تسريب الغاز بقوة، مؤكدا أن هذه اللحظة تشهد انبعاث روائح كريهة للغاية يمكن شمها عن مسافات بعيدة، بل وتعلق بالأنف وبالذاكرة لمدة طويلة، ولا يمكن لشيء أن يتغلب عليها أو يزيلها، حيث يقول: "رائحة الجثث كانت تعشش في أنفي، ما بتروح أبدا من راسي مع إني جربت كل شيء، جربت العطر والمعقمات، كنت ما أقدر آكل بسببها..  لكن بعد فترة صارت جزء مني".

*تنفست "الجثة" فدهسوها، هذا بخصوص الروائح، أما المناظر، فيؤكد "Z-30" أمام المحكمة: "شفت أنهار من الدم والديدان... أول مرة، ما قدرت آكل أي شي لعدة أيام".

يطلب أحد أعضاء هيئة القضاة من الشاهد أن يفصل في وصف الجثث وشكلها، بينما لا يزال العقيد "أنور رسلان" يستمع إلى الحديث بكل تركيز، و"إياد الغريب" مسندا رأسه للخلف ومفضلا إغماض عينيه.

يقول الشاهد إن الجثث كانت تأتي عارية مليئة بالبقع الحمراء والزرقاء أو الكحلية اللون، منها ما اقتلعت منها  أظافر اليدين أو القدمين أو الاثنين معا، ومنها ما تعدى ذلك إلى قطع عضو من الجسد (يذكر الـشاهد جثة رآها وقد قطع منها القضيب، في مشهد يعيد صورة الطفل المعذب حمزة الخطيب).

ويؤكد الشاهد أن وجوه قسم من الجثث كانت مشوهة، كأنما صبت عليها مادة كيميائية لطمس معالمهما، فيما كانت بعض الجثث تصل متهالكة تماما، متحولة إلى ما يشبه مادة مخاطية.

( من قتل أكثر يقال بأنه "اشتغل" أكثر)

الجثث القادمة من سجن صيدنايا، كانت تختلف عن الجثث الواردة من الأفرع والمشافي، ولئن كانت الجثث الواردة من "صيدنايا" عارية كغيرها، فإنها كانت خلو من الرائحة كونها "جديدة"، أي إنها ترسل للدفن في نفس يوم الإعدام، حتى إن الشاهد كان يستطيع تمييز اثر حبل الشنق على عنق الجثة بكل وضوح.

وكانت أيدي الضحايا (يسميها في كل شهادته "جثث") مقيدة إلى الوراء، إما بحديد أو بأصفاد من البلاستيك، ونظرا لكونها بلا رائحة فقد كان الشاهد قادرا على الاقتراب من جثث ضحايا صيدنايا بخلاف الجثث القادمة من أماكن أخرى، ولكنه في كلا الحالتين لم ينج من مطاردة هذه وتلك (جثث صيدنايا والجثث الأخرى)، حيث تراوده صورها في كوابيسه حتى اليوم.

هنا يسأل القاضي: هل استنتجت بنفسك أنهم اعدموا بنفس اليوم (ضحايا صيدنايا)؟

يجيب أن الضابط الذي يواكب عملية الدفن كان يخبرهم أن هؤلاء أعدموا عند الساعة  12 أو الواحدة ليلا داخل السجن، ولأن الدفن يبدأ قرابة الساعة الخامسة صباحا من نفس اليوم، فقد كانت الجثث ما تزال دافئة، ولم تدركها برودة الموت بعد، لا بل إن أحدى هذه "الجثث" كانت على قيد الحياة، وقد عاينها الشاهد وفريقه وهي تتنفس، فما كان من ضابط النظام المرافق إلا أن أمر بدهس الجثة "المتنفسة" بالجرافة.. يقول الشاهد مؤكدا: لقد رأيت هذا.

وعندما يسأل أحد القضاة عن أسماء ضباط المخابرات الذين كان يعمل تحت أمرتهم، يتدخل محامي الشاهد معترضا على السؤال, معتبرا أن البوح بمثل هذه المعلومة أما الجمهور ربما يسهم في الاستدلال على هوية الشاهد، ويخرق شروط حمايته (علمت "زمان الوصل" أن الشاهد سبق وذكر أسماء ضباط مخابرات عمل تحت أمرتهم، وذلك في محاضر التحقيق الذي أجرته الشرطة).

*الدفن بـ"الدفش"

وبالعودة إلى عملية الدفن و"طرقه"، يقول "Z-30" إن هناك من يتولى رفع الشاحنة وإمالتها من الأمام ليتاح تفريغ الجثث منها بالدفع، موضحا: "بيطلعو العمال وبيبدو التفريغ.. بيبلشو يدفشو الجثث". أي يعملون على دفع الجثث من الشاحنة المائلة حتى تتدحرج تلقائيا إلى الحفرة (الخط)، وهكذا تتساقط الجثث فوق بعضها كيفما اتفق.

وبعد أن تتكدس الجثث المتدحرجة في الحفرة، تأتي الجرافة (التركس) كما أسماها الشاهد,، وتبدأ بإهالة التراب فوق الجثث، ويتم فقط تغطية القسم الممتلئ بالجثث، أما ما بقي من الخندق الطولي فيترك مكشوفا تجهيزا لاستقبال المزيد، وحينما يمتلأ الخندق بأكلمه، يتم فتح خندق جديد.. وهكذا.

(شاهد يكشف صور وأسماء عشرات العاملين في مشفي الموت "601)

تسأل القاضية: هل كانوا يفرغون الجثث تفريغا؟

يجيب: أي نعم كانوا يقلبوهم، وبعدها يجي التركس يطمر.

القاضية: هل كانت الحفرة تمتلئ بيوم واحد؟

يرد: حسب الأعداد, أحيانا بيوم واحد وأحيانا بدها كم يوم، والحفر كل مرة شكل (حجمها مختلف).

(سائقان لكل المقابر)

يبدأ الرجل ذو البشرة....... مهمته عند الساعة الرابعة فجرا تقريبا يذهب إلى "نجها" جنوب دمشق قرب "فندق إيبلا" ليصل إلى مقبرتها، أو يبتعد أكثر إلى الشمال نحو مقبرة في منطقة القطيفة قريبا من مقر الفرقة الثالثة.

المقابر هنا كالقطع العسكرية تماما، حيث "يمنع الاقتراب والتصوير"،  أما سيارة "الفان" المزينة بصورة "بشار الأسد" فقد كانت تدخل بركابها دون مشاكل، فلدى هؤلاء "مهمة رسمية" يعرفها كل من يحرس مقبرتي نجها والقطيفة.

كان الحمل كله على "فريق العمل" الذي يشرف عليه الشاهد، كان ذلك لا ينفي أن "يساعدهم" عناصر المخابرات في بعض المرات ويساعدون أعضاء الفريق في تفريغ الشاحنات من الجثث أملا في اختصار الوقت، حوالي الساعة التاسعة صباحا يعود الشاهد وفريقه نحو دمشق، تفوح منهم رائحة الجثث التي لا تفارقهم. يرتدي البعض الكمامات أحيانا، مع أو بدون "مريول" وقفازات، وأحيانا يباشرون الجثث بلا أي شيء.. "حتى كحول للتعقيم ما في"، حسب "Z-30" الذي يضيف: "حتى تغيير ملابس ما كان في"، ونتيجة لذلك فإن بعض أعضاء "فريقه" أصيبوا بأمراض خطيرة، ومنهم من مات إثر ذلك.

يسأل القاضي إن كان هناك من مقابر أخرى غير نجها والقطيفة، فيرد الشاهد موضحا أن هناك مقابر أخرى تخص الفرقة الرابعة والجوية (في مطار المزة)، موضحا أنه علم بهذه المقابر من سائقي "الباغر" و"التركس" اللذين كانا يعملان في نفس الوقت في تلك المقابر إلى جانب عملهم في "نجها" و"القطيفة".

(الانهيار مكررا)

أكثر من 3 ساعات قضاها الشاهد "Z-30" في حديثه عن "المهمة" التي أوكلتها له مخابرات الأسد بين عامي 2011 و2017، وصف خلالها كثيرا من المشاهد والتجارب المروعة، واستطاع أن يواصل رغم نبرته المنهكة، لكنه وعند الساعة الثالثة من بعد الظهر، وصل إلى حدود الانهيار، حينما سأله أحد القضاة عن وجود نساء وأطفال بين الجثث التي دفنها، ليجيب: "كان في نسوان وفي بنات صغار وفي ولاد"، متذكرا كيف عاين بنفسه جثة امرأة تحت أكوام الجثث وقد لفت ذراعيها حول صغيرها الميت، وكأنها تحضنه الاحتضان الأخير، هنا يتذكر الشاهد ""على ما يبدو أنهم ماتوا مع بعض، يومها ما بقى اتحمل، انهرت”.. ولم يطل الوقت طويلا حتى انهار الشاهد فعليا أماما القضاة والمحامين والحضور، ليسارع أحد أعضاء هيئة القضاة إليه، مستوضحا منه إن كان يحتاج لطبيب، فأوضح محامي الشاهد أن موكله مرهق للغاية وأنه أصيب بهبوط في ضغط الدم، ما دفع القضاة لرفع الجلسة إلى اليوم الثاني (ستعرض زمان الوصل لوقائع الجلسة الاخرى)

ومع رفع الجلسة، بدأ الحاضرون بالخروج من القاعة واحدا تلو الآخر، وخرج "أنور رسلان" فورا مع أفراد من الشرطة الموكلة بحراسته، بينما وقف شرطي آخر أمام "إياد الغريب" يطلب منه مد يده ليكبله.. تمتم "إياد" بكلمة لا يفهمها الشرطي...أنا أقف على بعد مترين منه، لا يفصلنا سوى طاوله خشبية منخفضة، لكنها تمتد كسور عال، يلتفت الشرطي نحوي بعد أن لاحظ نظر "إياد" باتجاهي، ليطلب مني –أي الشرطي- مغادرة القاعة على الفور، لأن جلسة اليوم انتهت... هكذا بكل بساطة "انتهت"!، لكنها في الحقيقة الجلسة التي كانت وما زالت عصية على الانتهاء، ما دام الهلوكوست الأسدي متواصلا ومقابر النظام الجماعية فاغرة أفواهها النهمة، وسياسة الإفلات من العقاب هي السائدة.

وسوم: العدد 914