التسامح عبارة عن صيغة صرفية في اللسان العربي تدل على المشاركة بين طرفين

التسامح عبارة عن صيغة صرفية في اللسان العربي تدل على المشاركة بين طرفين لكنه  صار اليوم  مع الأسف عند البعض ملزما لأحدهما دون الآخر  

كثر في الآونة الأخيرة  لغط كثير حول التسامح  الذي هو خلق إنساني سام  دعا إليه رب العزة جل جلاله في كل رسالاته إلى البشر . والتسامح في اللسان العربي هو التساهل، ذلك أن السمح من الناس  هو السهل اللين  الجانب مع غيره . وصيغته الصرفية تدل على تشارك طرفين أو أكثر في السماحة بدافع الاحترام المتبادل بينهما  ، ولا يستقيم استعمال صيغة التسامح إذا كان من طرف واحد  دون الآخر .

 والإسلام  باعتباره الرسالة الخاتمة  الموجهة إلى الإنسانية قاطبة حتى قيام الساعة من الضروري أن يكون دين تسامح لأن البشر تختلف أعراقهم  وألسنتهم وثقافاتهم ، وحين يجمع بينهم الإسلام يصير التسامح مفروضا عليهم ليستقيم تعايشهم . ولقد عبر القرآن الكريم عن هذا التعايش الذي لا يمكن أن يحصل إلا بالتسامح  في قول الله تعالى : (( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم )) ،والصيغة الصرفية للتعارف لها نفس دلالة  الصيغة الصرفية للتسامح ،وهي المشاركة حيث يشترك الناس على اختلاقهم كشعوب وقبائل في معرفة بعضهم البعض ، وفي تبادل المعروف فيما بينهم  أيضا كما ذهب إلى ذلك بعض أهل العلم من المفسرين. والتعارف يقتضي التسامح الذي هو تساهل في قبول الشعوب والقبائل بعضها البعض على ما بينها من اختلاف عرقي ولساني وعقدي وثقافي .

وحقيقة التسامح هي أن يقتنع الإنسان بضرورة قبول الآخر المختلف عنه  مع تجنب إنكاره أو إلغائه وإقصائه بسبب الاختلاف عنه . ولا يكون الإنسان متسامحا إلا بوجود شريك  له في التسامح يختلف عنه بالضرورة .

وما يحدث اليوم لدى البعض هو محاولة حصر التسامح في طرف دون الطرف الأخر المختلف عنه أومعه  بحيث يفرض على أحدهما قبول الآخر دون أن يكون هذا الأخير ملزما بذلك أيضا ،وهو اختلال صارخ قد طرأ على مفهوم التسامح بهذا الشكل أو بهذا المعنى . فما معنى أن يلزم المسلم بالتسامح مع غيره ممن يختلف عنه دينا وعقيدة دون أن يكون هذا الأخير ملزما بذلك ؟  إنه لا يمكن الحكم على هذا الفهم المغلوط للتسامح إلا بأنه قسمة ضيزى  لأن التسامح  يختل  في هذه الحال .

وتوجد اليوم في عالمنا أمم تستفيد من تسامح غيرها معها دون أن تتسامح هي مع غيرها ، ومع ذلك يسمي  بعضهم هذا التسامح المختل تسامحا .

ويعرض  بعض هؤلاء  وثائق وصورا من التاريخ تثبت تسامح الإسلام مع غيره من الأديان ، وفي المقابل لا نجد شيئا من تسامحها معه، والأمثلة على ذلك كثيرة لا حصر لها ، كما أن الواقع اليوم يشهد بذلك أيضا .

ومن أجل تصحيح هذا الخلل الفظيع الحاصل  اليوم في دلالة التسامح لا بد من استعراض مواقف كل من يدعون التسامح لأنها وحدها هي ما يثبت ذلك .

ولا يمكن أن يفرض على طرف أن يقبل قهرا طرفا لا يقبله أصلا ، وأن يلزم بالتسامح مع من لا يتسامح  معه .

والتسامح لا يمكن أن يكون موضوع عبث، فيصير موضوع مزايدة أو مجرد شعار يتستر وراءه من أجل تحقيق مصالح ،علما بأنه يجعل بالضرورة المصالح متبادلة بشكل فيه عدل وقسطاس . ولا يعقل أن يدعي كيان من الكيانات أنه متسامح مع غيره، وهو يعتمد في التعامل معه بمنطق الغالب المتفوق والأعلى مع المغلوب والأدنى.

وأي تسامح هذا الذي تدعيه دول قوية  تستأثر بما يحلو لها من قرارات  في حق غيرها باعتماد منطق القوة والهيمنة والغلبة ؟ وكيف يعقل أن يفرض على الدول المغلوبة أن تكون متسامحة مع الدول الغالبة دون أن تكون هذه متسامحة معها؟  

وفي الأخير نختم بالقول إن ديننا الإسلامي الحنيف متسامح مع غيره وأدلته على ذلك لا حصر لها، فما هي أدلة غيره على تسامحه معه ؟ .

وسوم: العدد 919