مصالح قوى دولية وإقليمية وتصفية حسابات فيما بينها وراء تكالبها على أقطار عربية

مصالح قوى دولية وإقليمية وتصفية حسابات فيما بينها وراء تكالبها على أقطار عربية تعيش شعوبها مآس لا حصر لها

لقد بات من المؤكد أن الشعوب العربية التي صنعت ربيعها من خلال ثوراتها وحراكها ضد الفساد السياسي في بلدانها  المعرقل لنهضتها وتطلعها إلى حياة أفضل قد عوقبت بسبب ذلك من طرف قوى دولية وإقليمية لا تريد لها نهضة ولا حياة أفضل  وذلك  من خلال الإجهاز على ربيعها وتحويله إلى خريف ، ومن خلال تمديد فترة معاناتها في ظل فوضى عارمة وصدامات مسلحة ذهب ضحيتها الملايين تقتيلا وتشريدا .

وإذا استعرضنا أوضاع كل بلد عربي لا زالت نيران الحرب مشتعلة فيه  بعد ربيعه  لعقد من السنين، نجد قوى دولية وإقليمية تقف وراء ذلك  بدافع تصفية الحسابات فيما بينها من أجل مصالحها المتضاربة .

ولنبدأ  على سبيل المثال بالوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب السوري البائس الذي لم يزد حراكه أول الأمر  في ربيع عن  مجرد المطالبة بقدر من الحريات في ظل نظام شمولي مستبد يقف حجر عثرة في وجه نهضته وتطوره ، والذي أثبت فشله الذريع بسوء سياسته وبعجزه في استرجاع سيادته على ما ضاع من الأراضي السورية المحتلة . وما كان هدف هذا الشعب أول حراكه رفع سقف المطالبة  بإسقاط النظام كما كان الحال في أقطار عربية أخرى، ومع ذلك واجهه النظام المستبد بوحشية لا مثيل لها ،الشيء الذي جعله يثور لكرامته المكلومة ويضطر للدخول  في صراع مسلح  لم يكن يتوقعه  أو يريده . ولم يكن هذا الصراع ليندلع لولا إذكاء قوى دولية وإقليمية له لها مصالح مكشوفة، وعلى رأس هذه القوى الدولية الولايات المتحدة وروسيا ،وهما بلدان لهما  تاريخ وجولات في التنافس المحموم  بينهما من أجل مصالحهما الاقتصادية  استدعت وجود قواعد عسكرية لهما في الشام ، فضلا عن دول أوربية لا تقل عنهما حرصا على مصالحها في المنطقة  . وعلى رأس القوى الإقليمية إيران وإسرائيل وتركيا ودول عربية بينها تصفية حسابات أيضا بسبب خلافات إيديولوجية  ومذهبية ، ووراءها أيضا مصالح اقتصادية  حملتها على التورط في الصراع السوري من خلال إنابة من يخوضه عنها من السوريين ومن المرتزقة أيضا وذلك بتمويلها، فاختلط في هذا الصراع النابل بالحابل والدارع  بالحاسر كما يقال ، فكان الضحية هو الشعب السوري المسكين الذي دفع  الثمن باهظا بملايين القتلى والمشردين. وأمام معاناة هذا الشعب لم يحرك العالم ساكنا ، وكيف يحصل هذا والقوى الدولية التي تقوده هي المسؤولة عن ذلك ؟  وما حصل لحد الآن هو الحديث عن حل سياسي بديلا عن الحل العسكري الذي لم يحسم الأمر في صراع لا توجد بوادر لإنهائه . ولقد بدا لبعض الوقت أن الوضع في سوريا كان متصدرا انشغال العالم إلا أنه ظل يفقد صدارته مقابل انتقال اهتمام العالم إلى اليمن وليبيا حيث الصراع لا تقل ضراوته عمّا في سوريا ، ولم يتمخض عن جولات اللقاءات السياسية بين الأطراف  المتصارعة في سوريا برعاية دولية عن شيء يذكر لحد الساعة،  الشيء الذي خدم بشكل واضح النظام المستبد، وكرس وجوده واستمراره ، وفي ذلك استمرار لمصالح القوى الدولية والإقليمية المتنافسة  قيما بينها . وعلى الأرض السورية اليوم جيوش  مختلفة الجنسيات  لتلك الدول  مع  مرتزقة وميليشيات  تابعة لها تتحرك بأوامرها .

ولا يختلف الوضع في اليمن وليبيا عنه في سوريا حيث تقف وراء الصراعات الدامية فيهما نفس القوى الدولية والإقليمية التي يوجد بينها صراع محموم بسبب تضارب مصالحها الاقتصادية المكشوفة لأن  هذين البلدين معا تغري ثرواتهما الضخمة من النفط والغاز بخوض تلك القوى ذلك الصراع . ولا يبدو لحد الساعة  أن المسارين السياسيين لإنهاء الصراع المسلح والفوضى اللذين يدعو إليهما المجتمع الدولي  في هذين البلدين سيكونان بديلين عن الحرب فيهما ، وكيف يحدث ذلك والتنافس على أشده  بسبب المصالح الاقتصادية بين تلك القوى الدولية والإقليمية المتورط فيها عن إما بشكل مباشر أو عن طريق من ينوب عنها في ذلك  من أطراف الصراع ؟

وبالأمس فقط واللمسات الأخيرة جارية على قدم وساق لتشكيل حكومة وحدة في ليبيا برعاية دولية ،وفر النظام المصري غطاء جويا للجنرال المتقاعد حسب ما أوردته  بعض وسائل الإعلام، وذلك لقدح زناد الصراع المسلح من جديد بعد الذي  بدا من بوادر عودة السلام  والاستقرار في ليبيا .

ونفس السيناريو يوجد في اليمن الذي بلغت فيه معاناة شعبه البائس درجة غير مسبوقة ولا شبيه لها بسبب المجاعة القاتلة والأوبئة الفتاكة حيث يدور الحديث عن حل سياسي بديل عن الحرب لا بوادر له ولا مؤشرات عليه في ظل استمرار لغة السلاح  ولغة التصعيد  بين أطراف الصراع المتورطة فيه دول إقليمية متنافسة فيما بينها من أجل مصالحها على حساب شعب مسكين يعاني ويلات حرب مدمرة للإنسان والعمران .

ومعلوم أنه لن يستتب أمن في بؤر التوتر  بسوريا وليبيا واليمن ما دام التنافس الكبير والشديد على المصالح فيها  بين قوى دولية وإقليمية .

ولا توجد باقي الأقطار العربية بمنجاة من ذلك التنافس المحموم ، وشعوبها تعاني أيضا من آثاره  السيئة التي تنعكس على أوضاعها  السياسية و الاجتماعية والمعيشية  .

وعود على بدء نكرر القول بأن الشعوب العربية قد عوقبت فعلا  بسبب تفكيرها في صنع ربيعها  من أجل نهضتها ومن أجل حياة  أفضل ، وذلك حتى لا تعود إلى ذلك مرة أخرى ، وتضطر إلى القبول بالفساد  المسلط عليها الذي ثارت عليه وطالبت برحيله  لأنه ضامن مصالح من يقفون وراءه ويدعمونه لتمديد عمره وتكريس وجوده .

وإذا كان لا بد من خوض  الشعوب العربية مرة أخرى تجربة ربيع آخر، فعليها أن ترفع كشعار إسقاط مصالح من  يدعمون الفساد المستشري في أوطانها  لأنه بسقوط تلك المصالح يسقط  ذلك الفساد.

وعلى القوى الدولية والإقليمية ذات المصالح في بلدان الوطن العربي أن تخجل من نفسها ، وتترك أهل هذا الوطن وشأنهم وثرواتهم لأنها هي السبب المباشر في معاناتهم بسبب طمعها  الفائق الجشع في خيراتهم  . وعلى شعوب هذا الوطن أن ترفع شعار كفى يا أصحاب المصالح المكشوفة من التآمر الفاضح علينا وعلى بلدان وطننا من خليجه إلى محيطه .

وسوم: العدد 920