الجزء الثاني :المشاريع الاسرائيلية في البلاد العربية .. ما تحقق منها وما لم يتحقق بعد

 بالقاء نظرة سريعة على الخريطة السياسية  للدول العربية ، نرى بوضوح تغيرات هامة تمت  خلال الربع الاخير من القرن العشرين والربع الاول من قرننا الحالي ، كل هذه التغيرات تشير الى تحقيق اسرائيل لمعظم اهدافها في الوطن العربي ولم يكن ذلك ليتم لولا انتقاء نوعية خاصة من الحكام  العرب أوصلتهم اسرائيل مع المخابرات الغربية إلى سدة الحكم لتنفيذ مشاريع إسرائيل لقاء دعم مباشر ومكشوف لهؤلاء الحكام. ولا استثني من هذه الدول إيران التي كانت رأس الحربة في هذا المخطط الاستسلامي حيث كان الهدف الاول من تأسيس جمهورية إيران الارهابية  هو تهديد الدول العربية ودفعها باتجاه اسرائيل الغربية حيث كانت إيران تقوم  بجدارة بدور إسرائيل الشرقية.

تكلمنا في الجزء الاول عن سقوط معظم دول الخليج في الحضن الاسرائيلي وكذلك شمال العراق وقلنا ان ايران لعبت الدور الرئيسي في دفع حكام العرب الى الحضن الاسرائيلي ، وقلنا ايضا ً ان مهمة النظام السوري كانت التحكم والسيطرة على مشاعر الشعوب العربية لامتصاص غضبها كصمام امان ، كونه حاملاً لشعار "الصمود والتصدي".  

في  هذا الجزء من المقال نركز على لبنان واليمن والسعودية ومصر والسودان ودول شمال افريقيا ، ففي لبنان وبدون سابق إنذار، أعلن نبيه بري التوصل إلى"اتفاق بين لبنان والعدو الإسرائيلي وبرعاية الوسيط، الذي إسمه أمريكا. التوقيت كان مقصوداً إذ إنه تزامن مع موسم التطبيع العربي وكان  عرابا الاتفاق حزب بري و حزب حسن نصر الله ولكن كان بطريقة التفافية تحت مسميات غريبة  تعودت الشعوب العربية عليها ، علماً بانه من المفروض لا علاقة لبري ولا لنصرالله بهذا الملف، بل ان مسؤولية بري تتلخص بعرض الاتفاق على المجلس النيابي لاخذ الموافقة وهذا لم يحصل . 

وأما في اليمن وهي خاصرة السعودية الرخوة فقد بدأ الرئيس بايدن حملته الاسرائيلية هناك باخراج الحوثيين من قائمة الإرهاب وهي اشارة ضغط على السعودية كي تفهم  من أن امريكا لن تسهل مهمة السعودية في اليمن الا بعد التقرب من اسرائيل وعلى المكشوف ، والاشارة الثانية هي في السلاح الذي بيد السعوديين والامريكي المصدر ، فهل هناك من يصدق انه غير قادر على انتزاع النصر من عصابات مقيمة في خاصرتها منذ ست اعوام   لولا انه  سلاح غير مهيئ لانتزاع نصر واضح من العصابات الحوثية!!؟

 ولماذا يصبح اليوم مضيق باب المندب تحت سلطة عصابة الحوثيين ، بينما يتم تغطية هذه المؤامرة بمناورات مكشوفة بين ايران واسرائيل بما سمي بحرب السفن !؟ 

ارى ان هذا التكتيك يعتبر مقدمات لاسقاط السعودية في حضن الكيان الاسرائيلي ، اما في مصر والسودان فأسلوب الاخذ والرد مع اثيوبيا والمفتعل يتلخص حله بالنهاية في نقطة واحدة وهي فتح قناة مائية من نهر النيل لارواء صحراء النقب  ، وقد تم دعم هذا المشروع بحاكم مصر الذي يجري بدمائه مورثات يهودية ، وكذلك بدعمه بنظام سوداني عجيب ، حيث قامت ثورة في السودان ضد البشير الذي لم  يقترب من اي مشروع اسرائيلي،  بينما الثوريين السودانيين الجدد كانوا ومنذ اليوم الاول المرحبين بالاعتراف المتبادل مع الاسرائيليين .!

فقد افاد تقرير من ان أول وفد سوداني رسمي يصل تل أبيب خلال "عيد الاستقلال الإسرائيلي،

وأفادت صحيفة "الحراك السياسي" بأن الوفد السوداني المُزمع أن يزور إسرائيل سيصل تل أبيب تزامنًا مع الاحتفال بالعيد الوطني الإسرائيلي الـ73.

وقالت الصحيفة السودانية في تقرير على موقعها الإلكتروني إن الوفد سيضم ممثلًا للحكومة التنفيذية!.

والثمن واضح وهو كما ذكرت اعلاه جر مياه النيل الى اسرائيل ولكن باسلوب التغطية العربية الوطنية المزيف  بإدعائهم بان ذلك حصل بفضل اصرار  مصر والسودان على الحصول على  امتيازات ومكاسب  من اسرائيل .وبالنهاية سيتبين لنا ان هذه الامتيازات والمكاسب  هي وصول كمية  وافرة من الرز الاماراتي لحكام  هاتين الدولتين!.

اما في المغرب فحكامها يقولون ان التطبيع لم يتم 

  الا بعد حصولهم على عائد مجز!، وهو اعتراف الولايات المتحدة بسيادتها على الصحراء الغربية( وهو كما ذكرت اسلوب الحكام امام شعوبهم لامتصاص الغضب الشعبي ). فلا الاعتراف الأميركي مضمون ودائم مع إدارة أميركية جديدة، ولا هو اعتراف دولي أو أممي ملزم، ولا هو قادر على تغيير كافة المعادلات المتعلقة بالمسألة.

اما في  تونس فتشهد الساحة الثقافية فيها سجالا واسعاً بين أدباء ومفكرين حول إشكالية التطبيع الثقافي مع إسرائيل، هذا السجال الذي كان ممنوعا اصلاً مناقشته والتطرق اليه ، أشعل اليوم شرارته مدير مؤسسة حكومية.

حيث بدأت القصة قبل نحو اقل من شهر، حين نشر الروائي التونسي، مدير "بيت الرواية" كمال الرياحي عبر صفحته على فيسبوك، مقالا نشر في صحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية يتحدث عن روايته "المشرط"، وعلقت  الصحف الاسرائيلية عليها بانها : "مقالة نقدية جميلة"

أثار  ذلك زوبعة في أوساط المثقفين التونسيين، إذ استنكره كثيرون بشدّة، معتبرين أنه يدخل في خانة التطبيع الثقافي مع إسرائيل، خصوصاً بعد ترجمة روايته "المشرط" إلى اللغة العبرية لما فيها من لفتات عاطفية تصب في مصلحة ألشعب الاسرائيلي .

اذن هي البدايات الساخنة والسريعة في خطوات التطبيع ، ومن يحاول  اللف والدوران من اي حاكم فدواؤه بسيط، فيتم على الفور بنثر الرز الخليجي في جيوبه .

أوجز واقول :

تم تهيئة حكام عرب بعناية لانجاز مهمة التطبيع.

تم استخدام البعبع الايراني لانجاز مهمة التطبيع.

تم استخدام نظام الصمود لانجاز مهمة التطبيع .

تم استخدام حزب الشيطان بعد اخراج الفلسطينيين من جنوب لبنان لانجاز مهمة التطبيع

وماذا عن النهاية ؟

هل سيكون العرب بمثابة البقرة الحلابة يمسك بضرعها النظامين الاسرائيلي والايراني وكل يحلب حليبها في إنائه؟

الجواب نعم. 

ان بقيت الشعوب نائمة.

لذلك اكرر واعيد 

الثورة السورية هي الأمل فلنحافظ عليها نقية صافية .

مع تحياتي

وسوم: العدد 926