من خفايا (محور المقاومة) لبنان نموذجا

محمد عياش الكبيسي

حقيقة أنا أحب لبنان، وزاد تعلقي بهذا البلد العزيز بعد زياراتي المتكررة وما اكتشفته فيها من معادن أصيلة وكنوز نفيسة من الشهامة والطيبة والأخوة الصادقة، وما أدلي به هنا إنما هو لإطلاع الأمة على طرف خفي من دهاليز (محور المقاومة) بعد أن كشفت مبكرا عمّا دار بيني وبين حسن نصر الله في مقر إقامته في الضاحية.

هذه المرة أتكلم عن مجموعتين إسلاميتين سنّيتين؛

أما الأولى، فقد التقيت زعيمها وهو رجل في غاية النبل والخلق، التقيته مرات كثيرة، وهو رجل يعشق المقاومة ويذكر بطولاتها بفخر، فقلت له: كيف اذن انفرد حزب الله بذلك وأنا أراكم وأرى شبابكم بهذا الحماس وحب الجهاد والاستشهاد؟ فقال؛ الأمر لا يخلو من مرارة، فنحن في الحقيقة نقاتل، وإيران تدعمنا وتدعم جميع الفصائل ولكنها تشترط علينا أن لا ترفع في لبنان أية راية للمقاومة سوى راية الحزب، ونحن قبلنا بهذا الشرط لأننا لا نريد أن نحرم شبابنا من شرف المقاومة، وشرف الشهادة.

ثم دار حوار ساخن بيننا حول جدوى هذه المشاركة إن كانت كلها (مجيرة) بالكامل لإيران، وقد نصحتهم أن لا يرضوا أن يكونوا مجرد أدوات خفية للسياسة الإيرانية، ومن هنا فإني أفهم لماذا في كل مرة ترفع بعض الفصائل في غزة صور المقبور سليماني بحيث يطغى على رموز الفصائل نفسها وشهداء فلسطين وبشكل واضح.

.

أما زعيم الجماعة الثانية، فقد صدمني والله صدمة لم أستطع أن أستوعبها لحد الآن؛

قال: أرجو أن نتعشى لوحدنا، عندي كلام خاص -وياليتني لم أسمع هذا الكلام ويا ليتني لم أتعش ذلك اليوم-

سألني؛ هل أنت فعلا شافعي المذهب؟ قلت: نعم، قال: وفي المذهب الشافعي كيف يكون الحكم لو تولى أمور المسلمين رجل حنفي أو من أي مذهب آخر؟ قلت؛ الجواب واضح، هذه مذاهب فقهية، أما الولاء فللأمة ولمن يمثلها، طار من الفرح بهذا الجواب.

ثم قال: يا أخي نحن من زمن ننتظر عودة الخلافة الإسلامية، وقد عمل كل دعاتنا ومجددينا لهذه الغاية، والحمد لله أن الخلافة قد عادت ولكن بمذهب آخر، فهل يجوز أن يحول اختلاف المذهب بيننا وبين الواجب الشرعي في الانضمام لهذه الدولة، وهي الدولة الإسلامية الوحيدة التي تقبل البيعة من خارج مواطنيها وحدودها السياسية، واسترسل: أليست هذه مبادؤنا؟ ألسنا نحن من أسس لمفهوم الأمة بعيدا عن الطائفية والمذهبية الضيقة؟!

قاطعته قائلا: شيخنا بالله عليك إلى ماذا تريد أن تصل؟ قال: لقد قمت بواجبي الشرعي وذهبت إلى (الإمام الخامنئي) وبايعته، وأبرأت ذمتي وأرحت ضميري!! وهذه دعوتي لك يا دكتور محمد وأنت رجل عالم وداعية ومجاهد! ووضعكم في العراق يتطلب ذلك، ولا تصدق أن دولة عربية واحدة ستدعمكم، بل كلهم سيتآمرون عليكم.

حصل نوع من اللغط والصوت المرتفع، ثم تكرر ذلك في اليوم التالي، ومع شخصيات أخرى، اتصلت بأخ عزيز وهو محام غيور ومقتدر ، قلت له: أرجوك تعال فورا، لا أريد أن أبقى ولا ساعة، جاءني وأوصلني بسيارته إلى المطار بعد أن غيرنا موعد الحجز وكفى الله المؤمنين القتال.

.

الحقيقة أن الذي اتصل بي من هذا الصنف ليس واحدا ولا اثنين، بل هذا جو عام يحيط بمحور (المقاومة)

ولكن الحقيقة أيضًا أن هؤلاء لا يمثلون أهلنا في لبنان، فجمهور أهلنا في لبنان أكثر وعيا بهذه المخططات الشيطانية، وهم بحق مدرسة من الخبرات التي لا غنى للأمة عنها، ولكن من سوء حظ هذه الأمة وسوء إدارة قياداتها، أنها تبنت سياسة الخنادق وثقافة (أهل مكة أدرى بشعابها) وأغلب هذه العبارات إنما هي للتغطية على طامات كبرى في باب الأفكار والتصورات وليست مجرد تحالفات سياسية آنية، هذا ما لمسته بيدي مرات ومرات وفي أكثر من بلد، مع (المضطرين) ومع (المترفين)، وحينما نغمض عيوننا عن هذا الواقع فإننا نخون عقيدتنا أولًا ونضلل مجتمعاتنا وأجيالنا القادمة ثانيا.

اللهم قد بلغت

اللهم فاشهد

وسوم: العدد 934