بعضاً من مكائد الغرب بالثورة السورية

إن أولى أبجديات الحياة البشرية هي: أن تعرف من هو عدوك الذي يكيد لك آناء الليل وأطراف النهار، ويتآمر عليك تحت جنح الظلام للسيطرة، والهيمنة عليك، وجعلك عبداً مملوكاً له، أو خادماً مطيعاً مطواعاً؛ لتنفيذ أوامره، ومن هو صديقك الذي يريد لك الخير، ويُقدم للك النصيحة الصادقة المخلصة لوجه الله تعالى، لا يريد بها جزاءً ولا شكوراً.

إن الذين لا يعرفون هذه الأبجدية الحياتية الأولية، لن يعرفوا شيئاً في الحياة.. وسيحيون حياة ضنكاً! كلها شقاء وتعاسة، وكلها تخبط وتيه، وضياع وحيرة.

( كٱلَّذِى ٱسْتَهْوَتْهُ ٱلشَّيَـٰطِينُ فِى ٱلْأَرْضِ حَيْرَانَ ) الأنعام 47.

وسيبقون خاضعين خانعين لسيطرة وهيمنة الأعداء، يتلاعبون بهم كيفما يشاؤون، يضحكون عليهم، ويكذبون عليهم، فيصدقونهم.. ويخدعونهم بمعسول الكلام ليرضوهم، ومن وراء ظهورهم.. يطعنونهم بخناجر مسمومة! فيها مقتلهم .

إن الذين يظنون أن أعداءهم سينصفونهم، ويساعدونهم، ويخلصونهم من مآسيهم، وآلامهم لوجه الضمير الإنساني، ولوجه الحرية والديموقراطية المزعومة، ذات الصيت المُخادع الكاذب! إنما يعيشون في العالم الأدنى! وأولئك هم الذين ختم الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم غشاوة ..ولا يفقهون طبيعة العلاقات البشرية! ولو زعموا أنهم يحملون شهادات عالية في السياسة والإعلام وأخواتها! ولو زعموا أنهم مسلمون يصومون ويصلون .

إن الغرب وتوابعه.. زعم وأعلن منذ الأيام الأولى للثورة السورية، أنه يقف مع الشعب السوري، وأنه يؤيد مطالبه في الحرية وأخواتها.

وأخذ يطلق التصريحات تلو التصريحات.. بالدعم والمساندة، والمؤازرة لأماني الشعب، وتطلعاته الكريمة، ويندد ويستنكر، ويشجب تصرفات الأسد، ويتوعده وينذره بالقصاص والحساب العسير، والشر المستطير.

ثم يعود ويهدأ.. ويخاطب المجرم باللين والحب والمودة! ثم يعود يزأر ويزمجر، ويطالبه بالرحيل الفوري! ويصفه بأنه فاقد للشرعية! ويطالب مجلس الأمن بالانعقاد مرات تلو المرات، لبحث القضية السورية، ويتبارى زعماء الغرب في الكلمات الهادرة الصادحة، الصارخة ضد بشار .

ويدعو إلى مؤتمرات صداقة الشعب السوري، زاعماً أنه يريد مساعدته، ويتنافس الممثلون والمهرجون في تسجيل المبالغ المالية الكبيرة؛ لمساعدة الشعب السوري المسكين.

ولكن ما إن ينتهي الحفل الاستعراضي، الفولكلوري.. وإذا بالكلمات والأموال تذهب أدراج الرياح، وتتبخر إلى السماء السابعة، وكأنه لم يحصل شيء.

ومضى على هذه الحال الخداعية عشر سنوات ونيف. ومر ثلاثة رؤساء أمريكيين أطولهم مُقاماً أوباما – ابن كينيا ذو الجذور المسلمة في قارة أفريقيا السوداء – الذي حرك أساطيله مرات عديدة عقب استخدام بشار للأسلحة الكيماوية، في الغوطة في 21/8/2013 وتوعده بالويل والثبور! وكذلك خليفته ترامب، الذي حرك أساطيله وجيَّش جيوشه عقب المجزرة الكيماوية الأخيرة على دوما في عام 2018 ( فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب ألمح إلى إمكانية شن هجوم عسكري على سوريا، وبدا غضب ترامب تجاه مجزرة دوما الكيماوية واضحًا، حيث وصف بشار الأسد بـ”الحيوان”، وقال: «لا يمكننا أن نسمح بهذه الفظائع، أنتم رأيتم هذه المشاهد البشعة»، وحذر قادة سوريا وإيران وروسيا قائلًا: «إن هناك ثمنًا كبيرًا سيدفع». ) {1}

وهذه ردود الأفعال الأمريكية الكرنفالية وتصريحات مسؤوليها التعساء ( وفيما يعد مؤشرًا على أن ردود الفعل ستنتقل هذه المرة إلى مرحلة الأفعال قال السيناتور ليندسي غراهام إنه يجب تصنيف «الأسد» كمجرم حرب، ويجب على «ترامب» أن يمحو سلاحه الجوي، وأضاف: «العالم يراقب الرئيس، إيران وروسيا وكوريا الشمالية تراقب الرئيس، هذا الرئيس لديه فرصة ليفعل عكس أوباما”. ) {1}

ويتابع التقرير حديثه عن سيناريوهات رد ترامب ( سيناريوهات الرد ) ( ويرى خبراء أن الضربة العسكرية الأمريكية المحتملة، ربما تمسّ قواعد عسكرية لنظام بشار، كما حدث قبل عام، حين وجهت البحرية الأمريكية ضربات صاروخية ضد مطار الشعيرات في محافظة حمص. لكنهم لا يتوقعون أن تقدم أمريكا على أكثر من ذلك، لأن الروس لن يسمحوا للأمريكان بأكثر من ذلك، وواشنطن تعرف هذا جيدًا.){1}.

وهذا هو الغرب ذو التاريخ الأسود الكالح، بحروبه الصليبية المقيتة، واستعماره البغيض المشين.. يضحك على الشعب السوري، ويتاجر بدمائه، ويتسلى بمشاهدة قتلاه، ويتمتع برؤية دمار بلاده، ويتلاعب بمشاعره.

فطورا يُمَنيه بتقديم السلاح غير الفتاك أو غير القاتل، وطوراً يعده بضربات جوية لمواقع بشار، وطوراً أخرى بإقامة حظر طيران، وإنشاء ممرات آمنة أو منطقة عازلة.

وصدقه مع كل أسف، ومع كل لوعة وحرقة، بعض السوريين الجاهلين، الذين لم يقرأوا قول الله تعالى كما ينبغي أن يُقرأ ...

( وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ ٱلْيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَـٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ) البقرة .120

فأخذوا يصرخون بأعلى صوتهم، بل ويستغيثون، مطالبين الذئب الغربي! بالتدخل السريع للانقضاض على الأسد، وافتراسه وتقطيع جسده إرباً.. إرباً.

ولما لم يفعل – وهو لن يفعل – أخذوا يسبون ويشتمون بعضهم البعض، ويتهمون المخالفين لهم، بالخيانة والتقصير، والإهمال، وتضييع الأمانة، وتفويت الفرص الكبيرة، لتحقيق النصر الكبير على الأسد الصغير.

بل ذهب بهم الجنوح في خيالاتهم المريضة، إلى حد اختلاق الأكاذيب والروايات الخيالية حولهم، دون خوف من الله ولا وجل، ولا تقدير للمسؤولية، ولا شعور بأن هذه التصرفات الهوجائية، تزيد في تمزيق صف الأحرار، وتُفرح العدو، وتُحزن الصديق ..

وأخيراً جاءت الأخبار المدهشة والصاعقة للغافلين، والسطحيين والبسطاء من الناس ..وهي أن أميركا وروسيا تتقاربان في الرؤية حول سورية، وتعملان معاً على حل القضية سلمياً، بالحوار بين المافيا الأسدية، والمعارضة، ولا حل غير هذا.

وأحدث خبر من أمريكا منذ أيام قليلة في تاريخ 10/7/2021 يقول: ( واشنطن.. إسقاط الأسد ليس ضمن حساباتنا! وهذا ما نسعى إليه في سوريا ) ( أكدت الولايات المتحدة الأمريكية أن إسقاط نظام الأسد أو تغييره لا يندرج ضمن الاهتمام الأمريكي، في الوقت الراهن، وأن واشنطن تتطلع لتغييرات أخرى.){2}.

يعني بالعربي الفصيح أن طوال أكثر من عشر سنوات تبلغ مائة وأربع وعشرون شهراً من الذبح والقتل، كان الغرب يبيع الثوار سمكاً في الماء، ويكذب عليهم، ويخدعهم، ويضحك على ذقونهم .

لكن العاقلين، والمؤمنين الصادقين، والمبصرين الواعين، والمجاهدين المخلصين، والمفكرين بنور الله تعالى، والذين قرأوا كتابه كما هو يريد، وفهموا قوله كما فهمه رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم :

( كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا۟ عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا۟ فِيكُمْ إِلًّۭا وَلَا ذِمَّةًۭ ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَ‌ٰهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَـٰسِقُونَ ) التوبة .8

لم يجدوا في الأخبار الأخيرة شيئاً جديداَ، ولا شيئاً غريباً، ولا مختلفاً عما عرفوه وخبروه عن طبيعة هذا الغرب المستكبر، العدو اللدود الأول للعرب والمسلمين منذ قديم الزمان.

ولكن هل من العدل والإنصاف، أن نضع كل مصائبنا ومشاكلنا وهزائمنا على أعدائنا؟! وأن نكتفي بلعنهم وسبهم، ولومهم وعتابهم؛ لتقصيرهم في مساعدتنا، وكأنهم هم أولياء أمورنا والمسؤولون عنا! وننسى أنهم أعداؤنا، وأنهم لا يعملون إلا بحساب الربح والخسارة بالنسبة لهم، وليس لنا، لأنه لا يهمهم الإنسان المسلم أو العربي في شيء.

بل إن قتل كلب واحد عندهم، يشكل مصيبة أكبر بكثير من قتل ألف مسلم أو عربي، بل يُعتبر هذا عمل همجي شنيع، يستحق فاعله أقسى العقوبات! وكما قال الشاعر أديب إسحاق:

قتل امرئٍ في غابة .... جريمة لا تُغتفر

وقتلُ شعب آمن ...... مسألة فيها نظر

وإنه لمن الحق والعقل أن نعترف بأن شعبنا – سواء منهم المعارضة السياسية أو المقاتلين على الأرض – كان لهم دور غير قليل في تخويف الغرب من تقديم أية مساعدة لهم !!!

وذلك بإعلاناتهم المسبقة والمتكررة عن تحقيق انتصارات كبيرة، وعن اقترابهم من الانقضاض على بشار، وعلى أنهم سيقضون على النصيريين قضاءً مبرماً، وسيقيمون دولة الإسلام، ودولة الخلافة، وأنهم مرتبطون بالقاعدة، وشيخهم الأكبر الظواهري – المغضوب عليه من الشرق والغرب - وهم المساكين لا يؤمنون على أنفسهم حتى في الأرض التي حرروها ..

بل وصل فيهم التمادي إلى حد إطلاق شائعة كاذبة بقتل بشار، ووعدوا الناس بنشر الفيديو الخاص بذلك ..

هذه التصرفات التي يمكن تصنيفها تحت بند الإعجاب بالنفس.. والغرور بالقوة، التي سبق أن وقع بها المسلمون أيام رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين، فجاء الخطاب الرباني مزلزلاً ومحذراً أشد التحذير من الاغترار بالقوة البشرية، التي هي سبب لكل هزيمة :

( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ۙ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْـًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ ٱلْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ) التوبة .25

أعداؤنا يعملون تحت جنح الظلام، ومن وراء ستار، ولا يتكلمون إلا بعد أن ينفذوا ما خططوه، بل أحيانا لا يتكلمون إلا بعد وقت طويل، أو لا يتكلمون أبداً.

بينما شعبنا البسيط ، المغرور يسارع إلى الكلام قبل أن يعمل، ويتوعد ويهدد، ويزمجر وينفخ، قبل أن يخطط ، وقبل أن يعرف ماذا يريد أن ينفذ، فينبه الأعداء، ويستفزهم، ويستدعيهم ليقضوا عليه، ويخربوا كل خططه.

متى الثوار يعتبرون؟ ومتى يستفيدون من الفكر القرآني، ومما يتصرف به الأعداء؟ ومما وقعوا فيه من أخطاء؟!

المصادر:

1- صوت العرب من أمريكا

1-         https://arabradio.us/reports/%D8%A8%D8%B9%D8%AF-   %D9%85%D8%AC%D8%B2%D8%B1%D8%A9-%D8%AF%D9%88%D9%85%D8%A7-%D9%85%D9%86-%D9%8A%D9%82%D8%AA%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B1%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%83%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%88/

2-         الدرر الشامية https://eldorar.net/node/165595

وسوم: العدد 938