بين اندونيسيا وروسيا يظهر النفاق الغربي الصارخ!

في حين كانت حكومات العالم «المتحضر» تصارع وتسابق الزمن لحث الاتحادات الرياضية على حرمان اللاعبين الروس من المشاركة في أي من المسابقات القارية او العالمية بسبب عدوان بلدهم على أوكرانيا، كان الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) يعاقب أندونيسيا بسبب رفضها مشاركة كيان معتد في بطولة تستضيفها.

أكثر من 40 دولة محسوبة على المعسكر الغربي أجمعت على معاقبة آلاف الرياضيين الروس وتجميد مشاركاتهم الدولية، لوضع ضغوطات هائلة على حكومتهم، رغم توصيات بعض الاتحادات واللجان، بعدم تطبيق «العقوبة الجماعية» على حاملي هذه الجنسية، لكن رغم توصية اللجنة الأولمبية الدولية بإعادة الرياضيين الروس إلى المسابقات الدولية تحت علم محايد و«في ظل حياد صارم بدون علم روسي أو نشيد وطني»، فانها أبقت على المشاركة مشروطة بموافقة الاتحادات الرياضية الدولية، وأيضا أعادت مسؤولية الموافقة من عدمها الى الدول المستضيفة للأحداث الرياضية، فاذا أرادت فرنسا منعهم من المشاركة في أولمبياد باريس في صيف 2024، فلها الحق في ذلك، أي ان اللجنة الدولية تنصلت من المسؤولية بطريقة لبقة، كون البند الأول في ميثاقها ينص على ضرورة مشاركة الرياضيين من كل الجنسيات والاعراق والديانات بدون تفرقة أو تمييز، فاذا خرجت بقرار مناصر للحكومات الغربية الضاغطة لحرمان الروس فانها تكون ناقضت أبرز ركائزها، ولهذا قرر رئيسها الألماني توماس باخ تأجيل أخذ قرار نهائي حتى «الوقت المناسب» في مشاركتهم في أولمبياد باريس، في وقت تهدد أوكرانيا وبولندا ودول البلطيق بمقاطعة الألعاب بحال مشاركتهم. وبعد الضغوطات التي مورست على مدى أسابيع لتوضيح موقفها، أعلنت الهيئة الأولمبية في كانون الأوّل/ديسمبر الماضي «استكشاف السبل» لإعادة الرياضيين الروس إلى الرياضة العالمية، بعد التوصية باستبعادهم في نهاية شباط/فبراير 2022.

ربما نتفهم لماذا يصر العالم الغربي، على استهداف الروس وحرمانهم من استخدام القوة الناعمة، والمتمثل في المشاركات الرياضية حول العالم، كعقوبة دولية على غزو بلد آخر، لكن ما يصعب تفهمه وتقبله، أن هناك أكثر من من 70 عملية غزو واجتياح وهجوم مسلح واعتداء، بل واستهداف بعقوبات اقتصادية كان تأثيرها مساوية او أكثر من العمليات العسكرية، قامت بها دول غربية تطالب اليوم بشراسة بمعاقبة روسيا، بينها ما قامت وتقوم به الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والكيان الصهيوني، حتى اليوم، من دون أي محاسبة او مطالبة بمعاقبة. واذا طرحت فكرة المعاقبة الرياضية، تتم مباشرة ضحدها بمبدأ «فصل الرياضة عن السياسة».

في المقابل، وفي التوقيت ذاته، كانت أندونيسيا تدفع ثمناً باهظاً بسبب تطبيقها لنفس المبادئ الغربية، عندما رفضت السماح لفريق الكيان الصهيوني دخول البلاد والمشاركة في بطولة كأس العالم للشباب تحت 20 سنة في كرة القدم، فما كان من الفيفا الا ان عاقب اندونيسيا بسحب الاستضافة منها بطريقة فظة. الفيفا هو نفسه الذي حرم الفرق الروسية من المشاركة في المسابقات القارية والدولية، عقاباُ على غزو أوكرانيا، وهو حرم منتخب روسيا من المشاركة في مونديال 2022 ومن تصفياته، رغم انه هو أيضاً يطالب بفصل الرياضة عن السياسة، وأن «كرة القدم للجميع» بحسب ادعاءات رئيسه جاني انفانتينو. ولكن اذا أخذنا بمبدأ اللجنة الاولمبية الدولية، بمنح الدول المستضيفة حق قبول أو رفض استضافة فرق ورياضي الدول المعادية والغازية، فانه من البديهي ان يكون من حق اندونيسيا رفض فرق ورياضي الكيان الصهيوني المستمرين الى اليوم في قتل الشعب الفلسطيني ومطاردة مقاوميه واحتلال أراضيه وحصارهم وحرمانهم من حياة كريمة على غرار بقية شعوب الارض.

لكن الأمر دائماً يبقى متروكا لرؤية وتقدير القوي والمسيطر، ولهذا كان دعم القضية الفلسطينية من أكبر دولة ذات غالبية مسلمة غير مرحب به عند صناع القرار. وأعاد قرار الفيفا إندونيسيا إلى حالة ركود وحقبة جديدة من العزلة، بعدما كان هناك دعم شعبي للبطولة التي حصلت البلاد على حق استضافتها عام 2019، واعتبرها كثيرون مصدر فخر وطني. وقال مسؤولون إندونيسيون ان سحب البطولة سيكلّف البلاد مئات الملايين من الدولارات. وهدّدها الفيفا بعقوبات إضافية، قد تبعدها عن تصفيات مونديال 2026 التي تنطلق في تشرين الأول/أكتوبر.

الامر لا يتعلق بالدفاع عن روسيا، لكن من المعيب رؤية هذا التناقض الصارخ والازدواجية الفاضحة في التعامل مع المبادئ الاساسية، من هيئات واتحادات عالمية من المفترض انها مستقلة ومحايدة، لكن من الواضح، ان الاستقلالية مرتبطة بمزاج القوي والمتحكم بهذه الهيئات، وهي التي تحاول اقناع العالم بديموقراطيات زائفة وشعارات خائبة. ففي العام الماضي حرمت بطولة ويمبلدون الانكليزية للتنس اللاعبين الروس من المشاركة، لأن بريطانيا لا توافق على غزو روسيا لأوكرانيا، لكن عندما قررت أندونيسيا ممارسة هذا الحق بحرمان لاعبي الكيان الصهيوني فانها نالت عقوبات رادعة في اليوم ذاته الذي اقتحمت فيه قوات الاحتلال الصهيوني ملعب «الشهيد فيصل الحسيني» في فلسطين بقنابل مسيلة للدموع أوقعت الكثير من الاصابات بالاختناق بين اللاعبين والاداريين والمتفرجين، فماذا عسى الفيفا أن يكون فاعلاً في رأيكم الآن؟

وسوم: العدد 1026