حكومة المستوطنين و«رخصة قتل» الفلسطينيين

أفلتت الحكومة الإسرائيلية خلال اليومين الماضيين جماعات مستوطنيها المتطرفين على امتداد الضفة الغربية، بحيث طالت هجماتهم قرى وبلدات ترمسعيا (شرق رام الله) وبيت فوريك وعورتا وحوارة واللبن الشرقية والساوية وزعترة وياسوف ودير شرف (غرب نابلس) في عمليات إرهاب جماعية للفلسطينيين واعتداءات عليهم وعلى منازلهم وممتلكاتهم بدعوى الانتقام لمقتل أربعة مستوطنين من مستوطنة عيلي.

لفهم سياق العملية الأخيرة يجب أن نتعرف إلى منفذي الهجوم، وهما من قرية عوريف قرب نابلس، وقد تخرج الأول، مهند شحادة، قبل 4 سنوات، ولم يجد وظيفة بتخصصه الجامعي فاشتغل في مواقع عدة عاملا، كما تعرض للاعتقال من قبل الاحتلال وسجن 3 أشهر، أما الثاني، خالد صباح، فتزوج قبل عام وأصيب برصاص جيش الاحتلال خلال التصدي لهجوم للمستوطنين على قريته مما تسبب بإعاقة في رجله.

صادر الاحتلال أكثر من 1500 دونم من أراضي عوريف لصالح مستوطنة «يتسهار» التي تضم مدرسة يهودية تخرج مستوطنين متطرفين، أما مستوطنة عيلي فأقيمت على أراض صودرت من 5 قرى فلسطينية جنوب نابلس، وهي تضم أيضا أخطر المعاهد الدينية العسكرية في إسرائيل، وقد خرجت ضباطا أحدهم، عوفر فنتور قائد لواء جفعاتي، كان مسؤولا عن مجزرة «الجمعة السوداء» في رفح عام 2014.

أدت الاعتداءات لمقتل مواطن فلسطيني وإصابة العشرات بجروح وتخريب قرابة 140 سيارة، بينها حافلة للإسعاف، وإحراق مساحات واسعة من المحاصيل الزراعية، وذلك في هجوم مشابه لما حصل في بلدة حوارة التي تعرضت لهجوم همجي بعد عملية للمقاومة قبل نحو أربعة أشهر.

تشير طبيعة الهجمات وتكرارها وعدد المشاركين فيها وطرق تحشيدهم وتنظيمهم، وحماية قوات الجيش والشرطة للمهاجمين فيما يعيثون خرابا ويوقعون عملية الإرهاب العامّ، إلى أنها تعبير حركيّ إضافي تستخدمه حكومة المستوطنين لإنزال عقاب جماعي بالفلسطينيين.

تبدو عملية العقاب الجماعي التي ينفذها المستوطنون مخرجا سريعا لغرائز القتل والإرهاب والتوحش التي يضغط وزراء «الصهيونية الدينية» مثل بن غفير وسموتريتش لإطلاق عنانها عبر عملية هجومية واسعة على الضفة الغربية، وبذلك يقوم هؤلاء بتنفيس بعض هواء الإجرام في حال تأخرت العملية الآنفة، نتيجة ممانعة الجيش وبعض المستويات السياسية الإسرائيلية بسبب الأكلاف العسكرية والسياسية التي قد تنتج عنها.

تشير العمليات الفلسطينية الأخيرة إلى احتمال تحوّلها إلى ديناميّة أوسع قد تضم تحت جناحها تيّارات من «فتح» إضافة إلى «حماس» والفصائل، والتنظيمات الجديدة، كما أن فصائل المقاومة في غزة قد تنخرط، على الأغلب، في الرد على عملية عسكرية واسعة في الضفة، وليس مستبعدا، في ظل الحكومة الإرهابية الحالية أن تحصل مجازر وفظائع كبيرة تؤدي إلى تفاعلات دولية وعربية وإقليمية، وكان إلغاء المغرب لاجتماع «مؤتمر النقب» كرد فعل على خطط الاستيطان الإسرائيلية أحد المؤشرات المبكرة على هذا الأمر.

الحكومة الإسرائيلية، على أي حال، في وضعية توازن قلقة، بسبب الاحتجاجات التي لم تتوقف على خطة نتنياهو للانقلاب على النظام القضائي في إسرائيل، كما أن حلفاءها في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا منهمكون في الحرب الأوكرانية، وفي محاولة الوصول إلى اتفاق، ولو مصغّر، لوقف البرنامج النووي الإيراني، وكل هذه عوامل تجعل من عملية عسكرية واسعة مغامرة سياسية وعسكرية لا أحد يعلم كيف ستنتهي.

وسوم: العدد 1037