إيران المجوسية تستأصل تراث دمشق وحضارتها

عاش السوريون لحظات عصيبة وهم يشاهدون حي سوق ساروجة التاريخي في دمشق وهو يحترق، ممّا ولّد غضباً على مواقع التواصل الاجتماعي وسط اتهامات للنظام السوري المجرم بافتعال الحريق أو غض الطرف عن فاعليه.

ونقلت وسائل إعلامية سورية تفاصيل الحادثة، التي قالت: إن الحريق اندلع في أحد المنازل القديمة في الحي بالقرب من منزل عبد الرحمن اليوسف (بيت اليوسف) ليمتد بعدها إلى المنازل المجاورة، ويلتهم جزءاً من أبنية حي ساروجة الدمشقي العتيق، بينها قصر أمير الحج في دمشق عبد الرحمن باشا اليوسف، كما أدى الحريق إلى أضرار كبيرة في بيت اليوسف، وانتقل إلى أجزاء من بيت خالد العظم (بيت التراث الدمشقي) ونجم عنه إحراق وتدمير أجزاء من قسم الحرملك الذي يشغله مركز الوثائق التاريخية.

لقد كان تدمير السوق والحي عمل ممنهج للقضاء على تراث سورية ومعالم حضارتها ومحو هويتها أرضا وشعبا، من تدمير الغوطة إلى إحراق نصف حي سوق ساروجة مع شوامخ معالمه، وأهمها مركز الوثائق التاريخية وبه نصف تاريخ سورية (5 ملايين وثيقة) ومنزل عبد الرحمن باشا اليوسف أمير الحج في الدولة العثمانية.

لقد كان قصر أمير الحج ووجيه دمشق في حي ساروجة تحفة فنية رائعة قل مثيلها وأتت عليه النيران ليحترق ويزول عن بكرة أبيه، وسلسلة حرائق أسواق ومعالم دمشق منذ أكثر من عقد، الهدف هو طمس معالم حضارة عاصمة الأمويين.

والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: من المستفيد من هذا الحريق، الذي أدى إلى احتراق "دار الوثائق التاريخية والأنساب في ساروجة، هذا المكان الذي كان يقصده كبار السن والمهتمون بالأنساب واستخراج الوثائق وشجرة العائلة، من مصلحة مَن أن تحترق كل هذه الوثائق؟ من مصلحة مَن أن تندثر كل هذه المعلومات التاريخية لأهل الشام؟.

لقد تم البدء بتدمير سوق وحي ساروجة العريق وتشريد سكانه منه الضواحي منذ عهد المتوحش حافظ الأسد، واستمر التنكيل بما بقي من أطلاله بحرمان الدمشقيين من ترميم الحي وتجديد بنائه، حتى تتهالك البيوت والحواري، ليسهل على آل الوحش سرقتها أو حرقها، ليسكنها حثالة البشر من مرتزقة إيران المجوسية الرافضية، التي أتت بهم إلى سورية لذبح السوريين، وتمكين مجرم الحرب بشار الأسد ليفعل ما فعل في سورية والسوريين.

لقد تعرضت أحياء وأسواق دمشق القديمة لعدد من الحرائق التي أتت على أجزاء كبيرة منها خلال امتداد الثورة السورية، حيث التهمت النيران عام 2016 أكثر من 80 محلا في سوق العصرونية قرب مقام السيدة رقية.

كما تعرض سوق الحميدية الشهير لحريق كبير نهاية عام 2016، وفي يوليو/تموز 2017 نشب حريق آخر بمنطقة باب الجابية في دمشق.

وعام 2020، اندلع حريق بسوق البزورية الشهير بالحميدية في دمشق القديمة، مسببا دمارا وخسائر مادية كبيرة.

لقد باتت الحرائق التي تندلع في أحياء دمشق القديمة مشهدا يتكرر بين عام وآخر، ورغم أن الرواية الرسمية حول ملابسات هذه الحوادث "تذهب باتجاه واحد" إلا أن السوريين يوجهون أصابع الاتهام للنظام المجرم والمتوحش؛ من منطلق أن ما حصل تم بفعل فاعل وليس صدفة.

ولم تكشف حكومة النظام المجرم أسباب الحريق الكبير، فيما ذكرت صحيفة "الوطن" شبه الرسمية أن "التحقيقات جارية من أجل هذه القضية". واعترف محافظ دمشق، بقوله إن "الخسائر والقيمة الحقيقية للأضرار تعتبر تاريخية أكثر منها مادية.

وجاء حريق حي وسوق ساروجة، الذي يعتبر من أبرز الأحياء القديمة في العاصمة السورية دمشق، بعد سلسلة حرائق ضربت مناطق قريبة منه خلال السنوات الماضية.

وفي أبريل 2016، التهمت النار أكثر من 80 محلا في سوق العصرونية، خلف المسجد قرب مقام السيدة رقية، وعادت الحرائق في يوليو 2017، مع نشوبها بمنطقة باب الجابية (سوق الصوف) بدمشق، ومن ثم تم تسجيل حوادث مشابهة، من بينها تلك التي ضربت منطقة البزورية، في عام 2020، أحد أشهر الأسواق التجارية في العاصمة.

وتحظى أحياء دمشق القديمة برمزية كبيرة لدى أبناء العاصمة والسوريين عموماً، ويُنظر إليها على أنها الصورة التراثية التي توثق حضارة امتدت لعقود سابقة طويلة، ولذلك كثيرا ما تحفر حوادث الحرائق "ندوبا عميقة"، وتجعلهم يبكون على "ذكريات الماضي" التي تحولت إلى رماد.

وما سبق انعكس بعدما انتشرت الصور والتسجيلات المصورة التي وثقت خسائر حريق حي وسوق ساروجة، إذ التهمت النيران أكثر من 15 موقعا أثريا، منها قصر عبد الرحمن باشا اليوسف وجزء من منزل خالد العظم أحد مؤسسي الدولة السورية، وأشهر رئيس وزراء بتاريخها، بالإضافة إلى دار المجلدات والمخطوطات الأثرية والخرائط التاريخية السورية.

ويعتبر قصر عبد الرحمن باشا اليوسف -كما قلنا- "تحفة معمارية تاريخية فريدة من نوعها في مدينة دمشق"، وأنه "تم بناؤه في عهد السلطان العثماني عبد العزيز خان في عام 1866".

ويعتبر القصر واحدا من أجمل الدور الدمشقية في العصر العثماني، ويمتد على مساحة تصل إلى 2000 متر مربع.

وكان عبد الرحمن باشا اليوسف، أمير الحج الشامي وشغل منصبه بين 1892 و1918، وترأس العديد من المناصب الحكومية، بما في ذلك عضوية مجلس المبعوثان، ومجلس الشيوخ، ورئيساً لمجلس الشورى في عهد الملك فيصل عام 1919.

ويتميز قصره الذي التهمته النيران، "بجماله وتفاصيله المعمارية الرائعة"، ولاسيما أن باشا اليوسف قدم الكثير من الجهود لتزيينه وتوسيعه، وحتى أنه تحول ليس فقط إلى مكان تاريخي بارز بل "مركزا للجمال والفن المعماري في قلب العاصمة دمشق.

أما حي ساروجة فله قصة مختلفة متميزة عن بقية الأحياء في العاصمة دمشق، فكان الحي المدينة الأولى خارج السوق أيام الحكم العثماني.

ويعتبر الحي أيضا "مركز إقامة الحاكم العثماني في دمشق ومكان السكن الخاص بالقيادات آنذاك.

وكان حي ساروجة يسمى بإسطنبول الصغرى، فيه شارع مستقيم واحد من الناحية العمرانية وأغلب المنازل فيه مزينة بصور وزخارف تركية ولوحات من مدن يالوا وبورصة وغيرها.

ولم تنقل ملكية العقارات في ساروجة منذ الفترة العثمانية، و"عندما كان المالك هناك يريد شراء منزل أو بيعه يضطر إلى الرجوع للوثيقة العثمانية الخاصة بالملكية.

وكانت هناك محاولات قديمة من النظام المجرم لتغيير معالم المنطقة وإزالتها، وكانت أولى خطوات ذلك بفتح شارع الثورة وإشادة المباني الحديثة في محيط الحي.

وليس هناك أي شك في أن النظام المجرم، الذي لا ينتمي إلى الوطن، هو من كان وراء كل هذه الحرائق التي تضرب الأحياء القديمة، من منطلق أنها قد تشكل بداية لإلغاء الصفة العقارية المعقدة في المنطقة.

أما ما يدعيه النظام المجرم بعد كل هذه الحرائق أنها بفعل تماس كهربائي هي كذبة كبيرة وممجوجة، كون شبكة الكهرباء بالكاد تأتي إلى أحياء المدينة، وفي بعضها الآخر غير موجودة أصلاً.

فمن نفذ حريق ساروجة سبق وأن فعل ذلك في البنك العثماني وسوق مدحت باشا، وتفكيك بيت حقي العظم ونقل نفائسه المعمارية والزخرفية وبيعها.

اليوم بإحراق سوق وحي ساروجة يتضح جليا أن مشروع طمس معالم دمشق التاريخية العثمانية لصالح غزاة العصر الجدد، ولهم في ذلك أدواتهم وعملائهم، وشهادات الناس تؤكد أن كل من يرفض بيع محاله ودوره الأثرية للمشتري الإيراني يحرق الحي بأكمله.

والدليل أن الحرائق سواء التي حصلت سابقا أو التي التهمت منازل أثرية في ساروجة تحصل في مناطق قريبة من العتبات المقدسة الإيرانية، سواء الحقيقة أو الوهمية، وإيران هي صاحبة المصلحة الأولى في التملك في محيط هذه العتبات التي تدعيها وتدعي أنها الحامية لها.

المصدر

*الجزيرة-17/7/2023

*الحرة-17/7/2023

وسوم: العدد 1043