في مقاومة المشروع الصهيونيّ الإجراميّ العدوانيّ: الطوفان قُبَيْلَ اقتلاع الكيان (الثالثة أو قبل الأخيرة)

الإرهاب الصهيونيّ ومقاومة الاحتلال

من مهازل أميركة والغرب الاستعماريّ، هذا النفاق والتواطؤ المفضوح مع الإرهاب الصهيونيّ، ودعمه ومَدّه بعوامل البقاء والحياة، فيما يتنكّرون لكل المبادئ والقوانين الدولية والحقوق المشروعة للشعوب التي وضعوها بأنفسهم، وكتبوها بِمِدادهم!.. ولعلّ في طليعة ذلك: حق الشعوب في مقاومة المحتلّ الغاصب، ومقاومة إرهابه وجرائمه.. وهذا النفاق لا يظهر إلا عندما يُقصَد بذلك الكيان الصهيونيّ في فلسطين، وجيوش الاحتلال الأميركية والغربية في البلاد الإسلامية، كالعراق وسورية وأفغانستان، فعند إرهاب اليهود الصهاينة وحلفائهم يتوقّف كل حديثٍ أميركيٍّ وغربيٍّ صليبيٍّ عن الإرهاب!.. ثم تُعكَس الحقائق، بجعل مقاومة الصهاينة إرهاباً، والإرهاب الصهيونيّ عملاً مبرَّراً لتحقيق الأمن والسلام المزعوم!.. وهذا في الواقع لا يمثّل النفاق والدليل على التلاحم المصيريّ بين اليهود وزعماء الغرب.. فحسب، بل يمثّل الظلم في أشدّ درجاته، وزيف الدعاوى الغربية والأميركية التي يتشدّقون بها، عن حقوق الإنسان والديمقراطية واحترام القرارات الدولية.. وهي الأمور التي تُعاكِس سُنّةَ الله في أرضه، ومَن يُعاكِس سنّة الله، فمصيره إلى الزوال والانهيار بإذن الله!..

لقد نصّ القرار رقم (3314) الصادر عن الأمم المتحدة بتاريخ 14/2/1974م.. بوضوح، على مشروعية مقاومة الاحتلال، والأمم المتحدة مَيّزت بشكلٍ لا لبس فيه، بين الإرهاب الشرّير الإجراميّ الذي تقوم به عصابات القتل والإجرام المنتشرة في المجتمعات الغربية والأميركية.. ومقاومة الاحتلال من أجل الوصول إلى الحرية وتحرير الأوطان المحتَلَّة: (إنّ النضال الوطنيّ مشروع للشعوب المحتلَّة، بما فيه الكفاح المسلّح من أجل حريّتها واستقلالها وحقها في تقرير مصيرها) ا.هـ

حقيقة الأمر: إنّ زرع الكيان الصهيونيّ في منطقتنا، واحتلاله أرض فلسطين، وقيامه بممارسة كل الأساليب الإرهابية الإجرامية.. لا يمكن أن يُوَلِّدَ إلا الرفض والمقاومة، وهذا أمر طبيعيّ أقرّته الأعراف الدولية كما وضّحنا آنفاً، وهو أمر شرعيّ عَقَديّ دينيّ عند المسلمين.. وهل يتوقع المجرمون الإرهابيون الغربيون الصليبيّون واليهود، أن يُرَحِّبَ المسلمون بالاحتلال، وباقتلاع شعبٍ مسلمٍ من أرضه، ثم إحلال مجموعاتٍ من الصهاينة القادمين من مختلف أصقاع الأرض.. مكانه؟!.. هل يرحّب أصحاب الأرض والوطن بعمليات تشريدهم وذبحهم وتعذيبهم واعتقالهم ومصادرة أملاكهم وتكسير عظامهم؟!.. وإلا فلتكُن الشعوب الأوروبية من مثل شعوب (بولندة وفرنسة وبلجيكة وسويسرة وتشيكوسلوفاكية ويوغوسلافية و..) شعوباً إرهابية، لأنها قاومت المحتل الألمانيّ النازيّ!.. ولتكُن حركات المقاومة المنظّمة المسلّحة في تلك البلدان، التي قاومت الاحتلال الألمانيّ بمختلف الأشكال العنيفة وغير العنيفة.. لتكُن حركاتٍ إرهابية!.. ولتكُن حركات المقاومة المسلّحة الأميركية للاحتلال البريطانيّ التي حرّرت بلادها.. إرهابية!.. وليُدرَج اسم (جورج واشنطن) و(بنجامين فرانكلن) و(جيفرسون).. و(شارل ديغول).. في قوائم الإرهابيين!..

*     *     *

لا بدّ في هذا المقام، من تصحيح حقيقةٍ لا يزال يردّدها إعلامنا العربيّ والإسلاميّ، ويعرضها إعلاميّونا من غير تمحيصٍ أو تدقيق.. حين يقولون: (إنّ إسرائيل هي سبب الإرهاب في منطقة الشرق الأوسط)!.. وهذا القول من المقولات الخطيرة التي تحمل في طيّاتها وخلفيّتها النفسية، أنّ مقاومة إسرائيل هي إرهاب إجراميّ، ومَن يمارسها إنما هو إرهابيّ مذنب مجرم، لكن سبب هذا الإرهاب الإجراميّ –برأي وسائل إعلامنا العتيدة- هو سلوك إسرائيل!.. بينما حقيقة الأمر التي ينبغي على المسلمين الانتباه إليها، هي أنّ إسرائيل كيان صهيوني مصطنَع محتلّ، يعتدي في احتلاله على أبسط الحقوق الإنسانية، ويمارس كل أشكال القتل والتخريب والعدوان في أرضٍ يحتلّها بالقوّة والاغتصاب.. وهذه الأمور كلها تمثّل أشدّ درجات الإجرام والاعتداء، أي تمثّل -بِعُرف العالَم اليوم-: الإرهاب!.. فإسرائيل إذن: كيان إرهابيّ يمارس الإرهاب بأبشع أشكاله، وهذا الإرهاب الصهيونيّ يولّد عند الذين يمارَس بحقّهم.. المقاومةَ والجهادَ، أو (الكفاحَ المسلحَ) المشروعَ الوارد ذكره في القوانين والأعراف الدولية!.. أي باختصار: إنّ مقولة: (إسرائيل هي سبب الإرهاب) ينبغي تصحيحها إلى مقولة: (إسرائيل الإرهابية هي سبب المقاومة والكفاح المسلّح الذي كفلته قوانين الأرض والسماء)!..

فالمقاومة التي يعتبرونها –زوراً وافتراءً- إرهاباً، مُرافِقة دوماً للاحتلال، وللاستيطان، وللعدوان، وللظلم، وللتمييز، ولغياب العدل والمساواة!.. وبانتهاء هذه الأمور جميعاً وإزالتها تنتهي المقاومة المشروعة، التي يسميها العالَم الصليبيّ الغربيّ اليوم -زوراً وتزييفاً- بالإرهاب!..

على هذا، لو كان الغربُ المنافق مُنصِفاً -وهو أبعد ما يكون عن ذلك- وحريصاً على الأعراف الدولية -وهو ليس كذلك-، لأقرّ أنّ العَرَبَ والمسلمين والفلسطينيين يقاومون الإرهاب الصهيونيّ ولا يمارسونه.. من جهة، وهم بذلك يشكّلون الأداة الفعّالة لتنفيذ قرارات المجتمع الدوليّ والأمم المتحدة وما يُسمى بالشرعية الدولية، في مكافحة الإرهاب وتحقيق الاستقلال وتقرير المصير لشعبٍ مضطَهَدٍ يحتلّ الصهاينةُ الإرهابيّون أرضه.. من جهةٍ ثانية!.. وهذا يقودنا إلى القول: إنّ معيار الدعاوى الأميركية والغربية بأنهم لا يحاربون الإسلام والمسلمين، بل يحاربون الإرهاب كما يزعمون.. هو موقفهم الحقيقيّ غير المُداوِر من الإرهاب الصهيونيّ الإجراميّ!.. وهو موقف -كما رأينا- يَندى له الجبين، ويُسقِط حتى (ورقة التوت) الأخيرة، التي يختبئ خلفها الأميركيون وزعماء الغرب الصليبيّ المنافقون، لذلك فهم مكشوفون مفضوحون تماماً، إذ هم، في الحقيقة.. يحاربون الإسلام والمسلمين ولا يحاربون الإرهاب!..

الإرهاب الصهيونيّ وأزمة المصير ودعاوى السلام الزائفة !..

لا نبالغ مطلقاً إذا قلنا: إنّ الانتفاضة الفلسطينية الأولى، التي اندلعت في عام 1987م.. وضعت الكيان الصهيونيّ عند عتبة أول أزمة مصيرٍ يمرّ بها منذ تأسيسه!.. وإنّ الانتفاضة الثانية، أي انتفاضة الأقصى المبارك، التي اندلعت في عام 2000م.. قد أدخلت هذا الكيان الصهيونيّ في أتون أزمة المصير هذه بقوّةٍ وعمق، فأصبحت أزمة مصيرٍ حقيقية، وضعت اليهود الصهاينة وحلفاءهم الأميركيين والغربيين الصليبيّين في حَيْرَةٍ وذهول، نجم عنهما تخبّط وطَيْش، كان من الممكن أن يؤدي إلى إشعال الحرائق في العالَم كله!.. وليست الخطط الأميركية المعلَنَة لاستخدام الأسلحة النووية بهدف حماية الكيان الصهيونيّ.. ليست بعيدةً عن هذه الرؤية، لاسيما بعد المأزق الخطير الذي اكتوت به القوات الأميركية وحليفاتها في العراق الذي احتلّته أميركة بعد حملاتٍ من الأكاذيب والافتراءات التي ثبت زيفها!..

*     *     *

أزمة المصير لدى الكيان الصهيونيّ والصهاينة اليهود، وضعتهم أمام خِياراتٍ صعبةٍ مُرّة:

1- فهل يَضُمّون الضفة الغربية وغزة، بأرضهما وسكانهما، إلى الكيان الصهيونيّ، ما يؤدّي إلى نشوء دولةٍ ثنائية الدين، وبالتالي سيصبح المسلمون في هذه الدولة بعد سنواتٍ قليلةٍ أغلبيةً ساحقة، تُشكّل خطراً فادحاً على وجود الكيان الصهيونيّ نفسه؟!..

2- أم يتمّ الاعتراف بدولةٍ فلسطينيةٍ مستقلّة، لا يضمنون أن تتحوّل خلال سنواتٍ قليلةٍ أيضاً، إلى دولةٍ قويةٍ بكل عمقها الاستراتيجيّ العربيّ والإسلاميّ، تُطالب بحقّها الثابت، وهو أنّ فلسطين كلها من النهر إلى البحر، هي وطن الفلسطينيين وحدهم، وتقتلع الكيان الصهيونيّ من جذوره؟!..

3- أم يقتلعون سكّان الضفة وغزة ويهجّرونهم بشكلٍ جماعيّ، كما فعلوا في فلسطين (عام 1948م) عندما اقتلعوا شعبها؟!.. وهذا الأمر غير ممكنٍ على الإطلاق حتى الآن، ولا نعتقد أنهم قادرون على تحقيقه بأيّ حالٍ من الأحوال، لاسيما بعد (طوفان الأقصى المبارك)، وما هو آخذ بالتبلور ضمن المعطيات القائمة والظروف السياسية الحالية، لا على المدى القريب ولا حتى البعيد!..

انطلاقاً من هذه الحقيقة، فإنّ أزمة المصير هذه، شكّلت مأزقاً حقيقياً غير مسبوقٍ للكيان الصهيونيّ، هذا المأزق يحمل في ثناياه فرصةً حقيقيةً لاقتلاع ذلك الكيان من جذوره، وهذا في الحقيقة كان مفاجِئاً للصهاينة اليهود وحلفائهم وعملائهم، الذين ذُهِلوا من التطورات المتسارعة، التي يقودها شعب عربي مسلم هو الشعب الفلسطينيّ، عبر جيلٍ أعزل وُلِدَ ونشأ خارج وطنه فلسطين، وقاد ثورةً لا سابق لها ضد الكيان الصهيونيّ، وحقق لقضيته ما لم تحققه جيوش العُربان مجتمعة.. فيما كانوا يعتقدون أنّ هذا الجيل قد نسي قضيّته بعد مرور أكثر من ثلثي قرنٍ على اغتصاب فلسطين، وهذا ما أدى إلى البحث عن حلٍ لهذه المعضلة، للالتفاف على حقائق الواقع الجديد الذي صنعته الانتفاضتان المباركتان وماتبعهما من مواجهاتٍ وأحداث.. ذلك الحلّ الالتفافيّ سمي بعملية السلام!.. وهي في حقيقة الأمر عملية إنقاذٍ مقنَّنةٍ للكيان الصهيونيّ!.. لذلك فما يسمى بعملية السلام، هو أضخم مؤامرةٍ على فلسطين والشعب الفلسطينيّ والقضية الفلسطينية كلها!..

*     *     *

لقد حاولوا بعد اندلاع الانتفاضة الأولى، الخروجَ من أزمة المصير عبر اتفاقيات (أوسلو) الهزيلة، التي لم تكن في الواقع، إلا مؤامرةً كبرى لإجهاض الانتفاضة، ثم لإنقاذ الكيان الصهيونيّ.. لكن بعد أن اكتشف العرب والمسلمون (وأولهم الفلسطينيون)، زيف اتفاقيات (أوسلو)، وزيف السلام المزعوم.. اندلعت انتفاضة الأقصى المبارك، بقوّةٍ أشدّ من سابقتها، وبخبرةٍ أكبر، وتجربةٍ أعمق، وتحت شعارٍ قادرٍ على إعادة القضية الفلسطينية إلى وَهْجِها وأَلَقِها، بعد أن تآمر عليها المتآمرون، وخذلها الخاذلون، وتخلى عنها المتقاعسون المستكينون!.. فالأقصى الشريف هو ثالث الحرمين الشريفين، وأولى القبلتين، وليس هناك من أمرٍ يوحّد المسلمين على قضيّتهم الأولى (قضية فلسطين) إلا الأقصى المبارك.. وهذا ما عمّق -بفضل الله عز وجل- أزمة المصير للكيان الصهيونيّ!..

بداية تراجع المشروع الصهيونيّ

إننا نشهد تراجعاً حقيقياً للمشروع الصهيونيّ، نتيجةً مباشرةً لأزمة المصير التي يمرّ بها، بفضل الله عز وجلّ أولاً، وبفضل التضحيات الجِسام التي يقدمها المجاهدون الفلسطينيون ثانياً، وبفضل التماسك القويّ القائم بين أبناء الشعب الفلسطينيّ ثالثاً، الذي يتعاطف معه –على المستوى الشعبيّ- كل العرب والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ويؤيّدونه ويحاولون دعمه بكل الوسائل المتاحة!..

إنّ المشروع الصهيونيّ الآخذ بالتراجع، يقوم أساساً على ثلاثة أركان، هي:

1- التشبّث بالأرض المحتلّة، وتثبيت الواقع القائم على الأرض، وانتزاع اعترافٍ دَوْليٍ وغربيٍ وإسلاميٍ بهذا الواقع الاحتلاليّ الصهيونيّ.

2- تذويب الشعب العربي الفلسطيني المسلم صاحب الأرض، في بوتقة الحلول الدولية، ودعاوى السلام الخادعة المزيّفة، وتهميشه إلى أبعد الحدود.

3- الهيمنة على المنطقة العربية والإسلامية، بقوّة اليهود والصليبيين الغربيين والأميركيين، وبتواطؤ بعض حُكّام العرب والمسلمين، وأنظمتهم القمعية الاستبدادية العميلة البعيدة عن رغبات شعوبها وتطلّعاتها.

من مظاهر هذا التراجع في المشروع الصهيونيّ: ظهور اتجاهاتٍ متناقضةٍ في الكيان الصهيونيّ أولاً، وفي الغرب الصليبيّ الداعم له ثانياً، وبالتالي تخلخل بنية أركان المشروع الصهيونيّ الثلاثة المذكورة آنفاً:

- فمرتفعات الجولان السورية مثلاً، تحوّلت عند بعضهم، من ضرورةٍ إستراتيجيةٍ ينبغي الاحتفاظ بها واستمرار احتلالها.. إلى ضرورة التضحية بها وإعادتها إلى أصحابها السوريين من أجل تحقيق ما يُسمى بالسلام!..

- والفلسطينيون شعباً وتاريخاً، تحوّلت قضيتهم عند بعض الصهاينة، من إغفالٍ واستغفالٍ وعدم اعترافٍ بأنهم شعب ينبغي أن يعيش مثل باقي الشعوب، وتكون له دولة مستقلة.. إلى قضية شعبٍ حقيقيٍ له كيان وتاريخ يعترف به الصهاينة اليهود أنفسهم!.. وفي هذا لنقارن مثلاً، بين مقولة (غولدا مائير) رئيسة وزراء الصهاينة في السبعينيات من القرن الماضي: (لا أعرف شعباً اسمه الشعب الفلسطينيّ)!.. وبين المقولات الكثيرة التي تجري هذه الأيام على ألسنة الصهاينة والأميركيين والغربيين.. وحتى في أروقة مجلس الأمن الدوليّ.. بضرورة قيام دولةٍ فلسطينيةٍ مستقلّة!..

- ثم قيام رئيس الكيان الصهيونيّ السابق (إيهود أولمرت)، بانسحابٍ أحاديّ الجانب من الضفة الغربية وقطاع غزة، مُجهِزاً بذلك على نظرية التوسّع الصهيوني من الفرات إلى النيل!..

هذا طبعاً لا يعني أنّ الاتجاهات الصهيونية، القائمة على الإرهاب والعدوان والعنف والزيف وإلغاء الآخر وتدميره وتحطيمه.. قد انتهت، لا!.. بل هي قوية شديدة الوطأة، لكن لم تَعُد وحدها موجودةً في الجانب الصهيونيّ من ساحة الصراع!.. كما لا يعني أنّ الاتجاه الصهيونيّ الذي يدّعي السعي إلى السلام، أقلّ شرّاً وعدوانيةً وعنفاً وإرهاباً وإجراماً من الاتجاه الأول.. لا أيضاً!.. وإنما الخلاف بين الاتجاهين ينصبّ على أسلوب التعامل مع الواقع القائم، الذي فرضته الانتفاضتان المباركتان الأولى والثانية، وفرضته المواجهات التي تلتهما!.. وفي هذا نجد أنّ المجرم الأسبق (شارون) والحالي (نتنياهو) مثلاً، يمثّلان الاتجاه الأول القائم على العنف والإرهاب والإجرام وتحطيم الآخر وتدميره وإلغائه من الوجود واستئصاله والقضاء عليه.. وأنّ المجرمَيْن (بيريز) و(رابين) المقبوران، يـُمثّلان الاتجاه الثاني الذي يسعى إلى وضع ملامح صورةٍ جديدةٍ للصهيونية، تقوم على التعايش مع الآخر، والالتفاف على العقيدة الإسلامية وأيديولوجيّتها وثوابت قضيّتها الفلسطينية الإسلامية، التي أصبحت واقعاً قائماً فرضه المجاهدون الفلسطينيون وشعبهم، بدمائهم وأرواحهم وتضحياتهم!.. فهذا الاتجاه (الثاني)، يعمل جاهداً، على تحويل الكيان الصهيونيّ، من نشازٍ تاريخيٍ وجسمٍ غريبٍ مرفوضٍ ملفوظ.. إلى دولةٍ طبيعيةٍ مقبولةٍ في المنطقة العربية، لأنّ القوّة لم تَعُد تُجْدي نفعاً مع ظهور الصحوة الإسلامية، التي كانت الانتفاضة الفلسطينية وفصائلها الإسلامية، أحد أبرز إفرازاتها ومظاهرها!..

لقد اقتنع الاتجاه الثاني (بيريز-رابين)، بأنّ جوهر المشروع الصهيونيّ المكوّن من العناصر الثلاثة التي ذكرناها آنفاً.. لا يمكن أن تحقّقَه القوّة والعنف والإرهاب، الذي بقي أسلوباً غبياً يستخدمه الاتجاه الأول (شارون-نتنياهو).. فلا بدّ إذاً من خطةٍ خبيثةٍ تجدّد الصورة القديمة للصهيونية، وتضمن بقاء المشروع الصهيونيّ حياً.. فكانت ما سميت بعملية السلام المزعوم!.. التي هي في حقيقتها -كما ذكرنا آنفاً- عملية إنقاذٍ إسعافيةٍ للمشروع الصهيونيّ الخبيث، بعد انكشافه وانكشاف كل أوراقه!..

*     *     *

من المفيد أن نذكر هنا، أنّ الاتجاه الإنقاذيّ السلاميّ، عُرِضَ بوضوحٍ شديدٍ في كتاب: (الشرق الأوسط الجديد) لشمعون بيريز.. وفي هذا الكتاب يعرض بيريز أطروحته للتعايش والسلام، وهو في الواقع يقوم بعملية احتيالٍ كبيرة، حين يقدّم رؤيته بشكلٍ التفافيٍّ مُريب: فالسلام أساسه -برأيه- سلام اقتصاديّ تنمويّ، لكن مع ذلك فهو لا يبحث أو يقدّم أي مشروعٍ اقتصاديٍ حقيقيٍ لتطوير ما يُسمى بمنطقة الشرق الأوسط، وتحقيق الفائدة لشعوبها، لكنه يهتم إلى درجةٍ كبيرةٍ بالمشروعات الخدمية، كالسياحة والمواصلات والطرق.. أي يهتمّ بالقشور التافهة، في عمليةٍ التفافيةٍ أقرب إلى الاحتيال منها إلى عملية التطوير والسلام الحقيقيّ!.. وغنيّ عن الذكر أنّ المشروعات الخدمية، لا يستفيد منها إلا اليهود الصهاينة، إذ توفّر لهم الغطاء المناسب للدخول في عمق المجتمعات العربية والإسلامية، وللتغلغل فيها، ثم التآمر عليها وتدميرها من داخلها!..

أما الاتجاه التدميريّ الاستئصاليّ، فقد عُرِض بوضوحٍ أيضاً، في كتب (نتنياهو)، من مثل كتاب: (مكان تحت الشمس)، وكتاب: (حرب الإرهاب)، إذ يقدّم الإرهابيّ (نتنياهو) رؤيته الاستئصالية العنيفة، للتعامل مع العرب والمسلمين!.. ونعيد إلى الأذهان قوله (الذي عرضناه في الحلقة الأولى) في كتابه (حرب الإرهاب): (إنّ الإسلام هو عدوّ إسرائيل، وعلى إسرائيل أن تتهيأ لمحاربة الإسلام)!.. وقوله: (لا يمكن أن يقومَ السلام، إلا إذا زالت إحدى الديانتين: اليهودية أو الإسلام)!.. وهو إذ يقول هذا القول، فإنما يعرضه بثقةٍ وغطرسةٍ أنّ اليهودية هي التي ستنتصر في النهاية!.. لكننا نبشّره، بأنّ سُنّة الله تقتضي، أن يبقى الإسلام حَيّاً متوهّجاً متألّقاً، وأنه سينتشر في الأرض كلها، ليُكَرِّم إنسانها بإذن الله، وأنّ اليهودية المزيّفة الملعونة، ستزول وتُمحَق وتتلاشى إلى يوم القيامة، بعون الله وتأييده وتمكينه لدينه الذي ارتضاه لخير العالمين!..

*     *     *

موقعة طوفان الأقصى، هي القارعة التي تفصلنا عن نهاية الكيان المجرم، وزوال كلّ المتواطئين من عملائه وخونة العُربان والمسلمين، ونواطير الغرب الصليبيّ الاستعماريّ

نعود فنقول: المشروع الصهيونيّ يتآكل فعلاً وحقيقةً، لأنه مشروع ظالم قائم على الإرهاب والاغتصاب والخروج عن سُنَنِ الله عزّ وجلّ في أرضه.. وسيلحق به في منطقتنا العربية والإسلامية المشروعان: الأميركيّ الصليبيّ الغربيّ، والصفويّ الرافضيّ الفارسيّ، ومشروع الاستبداد والظلم والخيانة العربيّ.. وذلك للأسباب نفسها، ولنا حديث حول ذلك إن شاء الله، في الحلقة الأخيرة القادمة (الرابعة).

يتبع إن شاء الله

وسوم: العدد 1058