فلسطين وسورية القضية واحدة والجرح واحد

في عام 1982م غزت القوات الصهيونية لبنان تريد استئصال المقاومة الفلسطينية ومنظمة التحرير، أو ما أطلقت عليه دولة الاحتلال الصهيوني آنذاك عملية السلام للجليل أو عملية الصنوبر، وهو نفس العام الذي حدثت به مجزرة حماة التي ارتكبها طاغية الشام حافظ الأسد ضد الشعب الأعزل في مدينة حماة.

دمَّر الطاغية حماة في شباط 1982 وقتل أكثر من 40 ألفاً من أهلها، وهجّر أكثر من 300 ألف من سكانها، وكانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية قد عرفت كل تلك الأحداث الدامية ووثقتها بصور الأقمار الصناعية، لكنها صمتت دون الإعلام عنها أو كشفها، وبقيت كذلك إلى أن نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية خبراً مقتضباً من بضع كلمات، يشير لأحداث جرت في مدينة سورية قمعت فيها السلطات تمرداً محلياً!

وخطط لمجزرة حماة مجرم الحرب رفعت الأسد شقيق الطاغية الذي كان يقود ما يعرف بسرايا الدفاع؛ والذي قاد القوات السورية الموثوق بها من قبل هؤلاء المجرمين في تنفيذ هذه الجريمة بكل الوحشية التي نشاهدها اليوم في غزّة على يد الصهاينة، وسبق تنفيذ هذه المجزرة أن زار الطاغية حافظ الأسد نيويورك والتقى أرييل شارون وزير الدفاع الصهيوني في حينه، ونتج عن اللقاء غزو لبنان في حزيران 1982 وانكفاء قوات الطاغية إلى الداخل اللبناني بعيداً عن تقدم الصهاينة الذين وصلوا إلى بيروت، ونجح الطرفان في ضرب الثورة الفلسطينية ونفي مقاتليها إلى تونس، ومن استعصى على الصهاينة؛ تكفل مجرم الحرب حافظ الأسد في حملة عام 1983 بإخراجه، ثم محاصرة المخيمات وارتكاب مجازر فيها بالتعاون مع حركة أمل الرافضية التي يتزعمها نبيه بري.

كل هذه الأحداث تدل على أن عدو الشعبين السوري والفلسطيني واحد وأنهما المستهدفان في طليعة شعوب المنطقة.

واليوم يعيد التاريخ نفسه، جيش النظام المجرم في سورية؛ بدعم وإسناد من قتلة موسكو وقم والضاحية الجنوبية والميليشيات الرافضية التي جندتها إيران، يقصف إدلب وشعبها الأعزل بكل أنواع الأسلحة المحرمة دولياً، كحال ما يفعله جيش الاحتلال الصهيوني اليوم في فلسطين يقصف غزّة والضفة الغربية وشعبها المدني الأعزل.

ويحضرني في هذه المناسبة استشهاد إعلامي سوري بقصف على إدلب منذ أيام من قبل طيران النظام السوري الآثم يساعده الطيران الروسي المجرم وهو يرثي غزّة وسكانها المظلومين الذين يجابهون آلة الدمار الصهيوني الغدار حيث كان رحمه الله يقول:

من إدلب العز حتى غزّة الحرة .. حر يورث حراً بعده ثأرا

هذي الحياة ممر لا لنحيا بها .. إنا نموت لنحيا بعدها عمرا

يا غزّة الشام منك تطلب العذر .. فالشام تكوى كما لو أنها جمرا

ان كان ما يرجى منا لنصرتكم .. أنَّا وأنتم كلانا نكتوي قهرا

إن كان العرب قد ماتت ضمائرهم .. لم يشتر الله نفساً بايعت نكراً

سيأتي يوم نضمّد به جرحنا .. ونرفع فيه راية المجد فخرا

بطولة الشعبين السوري والفلسطيني يشهد لها التاريخ، والتعاضد بينهما موجود على مر الزمان، فهم أهل الرباط وعصابة الحقّ بإذن الله تعالى، أهل أرض الشام المباركة التي شهد لها رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تزال طائفة من أُمّتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون على النّاس".

فهذا هو الشيخ أحمد الإمام الملقب بالشيخ المجهول ابن ريف حلب يشارك الفلسطينيين معاركهم مع الإنكليز والصهاينة على ثرى فلسطين، ويكون له شرف لف جثمان البطل القائد الفلسطيني عبد الرحيم حاج محمد بعباءته؛ عندما سقط شهيداً إلى جانبه في واحدة من أكبر المعارك مع الجيش البريطاني في فلسطين.

وهذا هو الشيخ عز الدين القسام من مدينة اللاذقية الذي استشهد على أرض فلسطين وهو يقارع المحتل البريطاني، وقد تسمت باسمه كتائب المقاومة في فلسطين لأن المقاومة الصادقة هي الوحيدة التي تقدر قيمة المقاوم الحق.

هذه المقاومة الشجاعة التي ابتدعت مصطلح المسافة صفر وأدخلته إلى قاموس الأعمال القتالية الحديثة، حيث أن المسافة بيننا وبين الأهداف تقاس بالقوة أو بالحجم. لكن المقاومة الفلسطينية استعملت هذا المصطلح المبهر الآن بعدما استنبطته من عهد حروب الرجال، حيث السيف والترس والرماح، حروب المواجهة وليس حروب الجبناء؛ التي فيها القاتل لا يرى ولا يميز ملامح ضحيته ولا شكله ولا عمره، ودون تقدير إن كان طفلاً أو امرأة أو شيخاً أو شجراً أو حيواناً أو حجرا.

حروب الجبناء التي ترمى فيها القنابل الفراغية والانشطارية والفسفورية المحرمة دولياً، والبراميل المتفجرة المصنوعة في مصانع الموت الغربية، تلقى على رؤوس الأبرياء لتفريغ جام الحقد والكره والانهزام من دون وازع من ضمير أو إنسانية.

ولكن هيهات هيهات أن يخيف ذلك المقاومة الباسلة التي أمضت سبعة عشر عاماً في التجهيز والإعداد، رغم الحصار والتضييق، فباتت تلقن العدو الغاصب دروساً في الثبات والإقدام، وأبهرت العالم باستبسالها ورباطة جأشها وتكتيكاتها وخططها وأساليبها التي ستدرَّس في أكبر الأكاديميات والكليات العسكرية في العالم وبكل اهتمام وتقدير.

المقاومة الفلسطينية اليوم تسطر أروع آيات البطولة والشجاعة في مواجهة جيش صهيوني بربري، لا يملك ذرة من أخلاق أو قيم أو ضمير أو إنسانية، خرق وتجاوز كل قوانين الحرب الإنسانية، وضرب بعرض الحائط كل المحرمات، وتجاوز كل الخطوط الحمراء، فهو يستقوي على المدنيين العزل بقصفهم من الطائرات الحربية ليلاً ونهارا، وبقنابل وصواريخ بلغ حجمها ضعفين أو أكثر من قنبلة هيروشيما النووية، حتى شبه بعض المحللين العسكريين حال غزّة بحال برلين في الحرب العالمية الثانية.

إيماننا بالله كبير أن ينتصر الشعب السوري على طاغية الشام بشار الأسد، رغم قساوة الحال وتشتت الثوار وضعفهم، وأن تنتصر المقاومة في فلسطين على القتلة الصهاينة ويزول الاحتلال الصهيوني الغاصب، وتعود القدس والأقصى لحضن الأمة المكلومة، ويتوقف العدوان على غزّة، ويخرج الصهاينة منكسرين أذلاء، يجرون أذيال الهزيمة والانكسار، وهم يلعقون جراحهم رغم الدعم الأمريكي والأنكلو سكسوني لهم، وسيكون المقاوم الفلسطيني رجلَ المرحلة، منتصراً رغم الألم، معيداً تشكيل خريطة الصراع وقواعد الاشتباك، وطرفاً أساسياً في المنظومة الإقليمية بعد أن كان ضحية لها.

ورغم قساوة المشهد والدمار؛ فإن ملامحُ نصرِ المقاومة باد كوهج الشمس عند إشراقها، تحمل في أكنافها العدالة والحرية والكرامة لكل الشعوب التي تقاوم الاحتلال والاستبداد.

المصدر

*الجزيرة-12/11/2023

وسوم: العدد 1063