مصطلح الإسلام السياسي: الحقيقة والتلبيس، وتأسيس برنارد لويس

لا غرابة أن يصبح مصطلح " الإسلام السياسي" من المصطلحات شائعة الاستخدام في الأدب السياسي الغربي المعاصر، لأن اشتغال الدين بالسياسة وشؤون الحياة المختلفة؛ يعد خروجا به عن طبيعته الروحية المفترضة – في نظرهم- قياسا إلى الدين الذي استقر في أذهانهم، وهو الدين المسيحي، لكن ما يلفت النظر هنا أن المصطلح تسرب إلى البيئة الإسلامية، وأضحى عنوانا على كل جهد يسعى لاستيعاب الإسلام عقيدة وشريعة وفكرا شاملا متكاملا لكل مجالات الحياة، بمعنى أن تقديم الإسلام على ذلك النحو؛ يعد حرفا لفكر الإسلام عن كونه دينا روحيا، كالمسيحية، بحيث لا علاقة له بقضايا السياسة والتربية والاجتماع والثقافة والاقتصاد والإعلام ومجالات الحياة العامة، ولذلك يحلو لبعضهم التعبير عن مصطلح الإسلام السياسي بـ" الإسلاموية".

إن هذا التوصيف يتساوق في دلالاته تلك، مع هدف المحاولة العلمانية الرامية إلى تصوير أن كل من يسعى لإحياء روح الإسلام وفاعليته وشموله لمختلف جوانب الحياة؛ واقع في "خطيئة الإسلام السياسي"، أي تحريف الإسلام، وصرفه عن طبيعته الروحية المحضة! وبلغ الأمر ببعضهم ليصل الأمر بهم حد تصويره المعادل للإرهاب والعنف والتشدد.

إن تسويق مصطلح الإسلام السياسي على أساس أنه المعادل للإرهاب هو اعتساف كبير، وشطط بعيد، وتزييف موغل للوعي الإسلامي، لا ينبغي أن ينطلي على مسلم واع.

هذا المصطلح سرعان ما تحول إلى وصم عام وشامل بتهمة العنف لكل من يعمل للإسلام، وفق ذلك المنهج الشامل، الذي لا يستبعد السياسة ولا التربية الاجتماع ولا الاقتصاد ولا الثقافة ولا الإعلام، من قاموس اهتماماته ومنهجه الإصلاحي، بل لقد طال ذلك الوصف السلبي، حتى بعض الحركات الإسلامية السياسية "الوسطية"، كحزب النهضة التونسي، أو حزب العدالة والتنمية المغربي.

كما لم تسلم من الوصم بذلك المصطلح السلبي لـ" الإسلام السياسي"، بعض حركات التحرر "الوطني"، ذات الصبغة الإسلامية ، كحركتي حماس والجهاد الفلسطينيتين، اللتين تتصديان لمواجهة المشروع الصهيوني..

"ليس هناك إسلام تقدمي وآخر رجعي، وليس هناك إسلام ثوري وآخر استسلامي، وليس هناك إسلام سياسي وآخر اجتماعي، أو إسلام للسلاطين وآخر للجماهير. هناك إسلام واحد، أنزله الله على رسوله، وبلغه رسوله إلى الناس. وبعد البلاغ صارت "الأمانة" في أعناق الناس ومن مسؤولياتهم"

وحاصل القول هنا: إن أمة الإسلام لا تعرف عبر تاريخها المديد الإسلام إلا دينا شاملا متكاملا متوازنا، لا يستثني جانبا، ولا يطغى فيه جانب على آخر، إلا بقدر ما يحمل من أهمية ومنطق ومكانة.

يقول الدكتور يوسف القرضاوي: الإسلام، كما عرفه الفقهاء والأصوليون والمفسرون والمحدّثون والمتكلمون، من كل المذاهب، و شرحوه وفصلوه من كتاب الطهارة إلى كتاب الجهاد، إسلام العقيدة والشريعة، إسلام القرآن والسنة، راح بعض الناس يسمونه "الإسلام السياسي"، يريدون أن يكرّهوا الناس في هذا الإسلام بهذا العنوان، نظرا لكراهية الناس للسياسة في أوطاننا، وما جرت عليهم من كوارث، وما ذاقوا على يديها من ويلات". (القرضاوي، شمول الإسلام، ص 67)

وقال : "إن الإسلام الحق – كما شرعه الله- لا يمكن إلا أن يكون سياسيا، وإذا جردت الإسلام من السياسة فقد جعلته دينا آخر، يمكن أن يكون بوذية أو نصرانية أو غير ذلك، أما أن يكون هو الإسلام فلا".

من المفارقة الكبيرة أن تنطلي هذه الحقيقة على مثقفين وباحثين ينتمون إلى البيئة الاجتماعية والثقافية الإسلامية، فيتسابقون إلى استعمال هذا المصطلح وتبادله، كما لو كان موضوعيا وبريئا، مع أنه مصطلح تجزيئي و وافد، من خارج البيئة الفكرية الإسلامية، ويحمل تحريفا لطبيعة الإسلام وروحه ومنهجه.

أول من صكّ مصطلح " الإسلام السياسي"، وروّج له منذ السبعينيات من القرن العشرين؛ هو المستشرق البريطاني الأصل، ذو الأصول اليهودية الإشكينازية: برنارد لويس، المولود في لندن سنة 1916م، والمتوفى في نيوجرسي بأميركا سنة 2018م، أي عن عمر تجاوز 101، وهو الموصوف بـ" بطريرك الاستشراق"، ذلك أنه وجه معظم دراساته نحو النيل من الإسلام وحضارته ورموزه، والسعي نحو تقسيم العالم الإسلامي، إلى فرق وطوائف وإثنيات متناحرة، مع الحرص على الإعلاء من شأن الفرق المارقة والمتمردين من أبناء الإسلام، بدءا من دراسته العلمية الأولى عن "الحشاشين" و"الإسماعيلية" و"العرب في التاريخ" و"الإسلام والغرب" و"تشكيل الشرق الأوسط الحديث" و"الإسلام في التاريخ"، و"يهود الإسلام"، و"مستقبل الشرق الأوسط" وحتى "أزمة الإسلام"، علاوة على أنه غادر مسار التعليم الأكاديمي منذ اندلاع الحرب العالمية الثانية، ليصبح ضابطا في الاستخبارات العسكرية البريطانية، حتى إذا ما انتهت الحرب عاد إلى موقعه في الجامعة، مع بقاء صلاته بالمؤسسة الاستخبارية البريطانية (صحيفة الشرق الأوسط. (تقرير: إميل أمين)، 11/6/2018م.

ولك أن تستنتج أن أول من صك مصطلح "الإسلام السياسي" هو برنارد لويس من خلال كتاب له بعنوان (اللغة السياسية في الإسلام ).

وسوم: العدد 1071