دعوة مكينة من عالم أمكن لمراجعة مقررات المحدثين البشرية

ما زلت منذ أسبوع تقريبا أستقبل شذرات من عالم متمكن من علماء المسلمين، له شرفه في نسبه وله مكانته العلمية والدعوية في سيرته الذاتية، يدعو إلى مراجعة المقررات البشرية، لعلماء الحديث، ويتوقف وقفات جديرة بالتأمل عند بعض محدداتهم في علم الجرح والتعديل، بشكل خاص، ويقلب أوراقا لا يستطيع كل إنسان مواكبتها..

وما زلت يوما بعد يوم كلما كتب السيد المتمكن شذرة أجد بلالا في حلق شققه الجفاف، حتى كان صباح هذه الجمعة المباركة فأحببت أن أدخل تحت عباءته، وأصلي وأسلم وأبارك على سادتنا أهل العبا..

وأكتب إلى أخي من أهل العبا..

وقال سيدنا الإمام علي، قولا يقال لأمة المسلمين اليوم:

"وداؤك منك وما تشعر"

ينسبون هذا القول إلى سيدنا علي رضي الله عنه ولا أدري صحة النسبة..ولكن إن لم يصح نسبة فقد صح المعنى.

وبعد أن تعلمنا ودرينا بعد أمم، صرنا نتذكر

وتزعم أنك جرم صغير

وفيك انطوى العالم الأكبر

أخي المفضال المتقدم بالعلم والفضل والجرأة على الحق…

ثمة طبقة من المسلمين المحدودين - بحسن نية أو بغيرها- احتكرت، على مدى قرون، هذا العلم / الدين/ فأوردت المسلمين، بتثبيت اللحظات التاريخية، أو بتقديسها الموارد..

وكما أن الشمس لا تنكسف لموت أحد ولا لوفاته.. فإن علوم الشريعة المعطاء، لا تتوقف عند قول بشري غير معصوم، يكتنفه الخطأ والخلل من خلفه، ومن بين يديه، وعن يمينه وشماله، ولكن هذا الذي كان، وهذا الذي ما يزال.

وهذا بعض ما نعيش ثمراته الفجة أو الفاسدة، هذه الأيام في أكثر بلاد الإسلام؛ حتى صار نضال هذه الطبقة، أو هذه المقررات، هو المقدم، لما تجره على الإسلام والمسلمين، من البلايا والرزايا،

تفعل هذه الطبقة كل ذلك بقصورها، وسوء تقديرها، واعتمادها على مقررات بشرية تاريخية، تقدسها، ما فيها من القداسة غير أنها قول "قديم". ولا ندري إن كان ينفعها في هذا الأمر حسن نيتها..

وهذا البلاء المعمم أصبح من "عموم البلوى" يعيشه كل المسلمين في كل أقطارهم.

أصبحنا وأظهرنا وأمسينا وعلى باب كل أمير جلس طبال، قد عرفناه فاتقيناه. وحتى هذه الجماهير المؤمنة الخيّرة الفطرية اكتنفها طبالون من نوع آخر، وبنية أخرى، بعضهم من بين أيديها وبعضهم عن أيمانها وبعض عن شمائلها وبعضهم يزفها من خلفها؛ حتى زادوها رهقا على ما هي فيه من اضطراب وشتات وضياع بوصلة، وفقدان المرشد الرشيد.

أخي الحبيب…

 الباب الذي تقرعه أكثر خطورة، ولكنه أكثر أهمية. تحذير الناس من فساد الأمراء مهم؛ ولكن التحذير من فساد "ملح البلد" أهم،

ومن معاني الفساد شتات الأمر واضطراب الرؤية، والقصور عن الأداء.

وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في سيدنا أبي ذر: "ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء، أصدق لهجة من أبي ذر" ثم لما سأله الولاية على الناس قال له: "إني أراك ضعيفا"

لو تساءلنا، ولا يريدوننا أن نفعل: أين كان ضعف أبي ذر؟؟ أي ضعف هذا الذي أدى به أن ينفى إلى الربذة، وقد تكون الشدة في الأمر ضعفا لا يطيقها إلا مثل من كان مثل عمر وعلي، رضي الله عن عمر وعن علي!!

والأهم والأخطر من الحديث عن أشخاص هؤلاء الذين يحتكرون العلم والولاية على عقول المسلمين وقلوبهم، وكثير منهم حسن النية، طيب الطوية؛ التصدي لنقد المقررات البشرية التي مضى عليها قرون. النقد لا يعني الهدم، والنقد لا يعني التركيز على العيوب والنقائص فقط، بل يعني إعادة الفحص والاختبار. فما ثبت صلاحه صلح، وما غلب خطله وخلله واضطرابه أميط عن طريق المسلمين. ولعل إماطة هذا الأذى عن طريق المسلمين، يكون من أولى أولويات شعب الإيمان، وإن لم يلحق برأس الأمر فلعله يلحق بذروة سنامه!!

وهذا الأمر الذي تتصدون له بالشذرات، لا يستطيعه إلا أولو القوة والعلم والبصيرة، الموثوقون في دينهم، الذين لا تنالهم سهام المشككين. ومن كان في مثل مقامكم بارك الله فيكم في العلم والمكانة والسيرة والتاريخ، فهو الأولى به والأقدر عليه، والأجدر أن لا يناطحه عنه قرن كليل. أو يتهمه عليه مريب!!

لو تحولت هذه الشذرات التي تكتبونها، إلى دعوة واضحة المعالم، بيّنة المنهج، محددة الأقسام تكون، بين أيدي الباحثين عن الحق "بصيرة"، وتقطع الطريق على المتربصين، والمتصيدين من أعداء هذا الدين، وأنتم أعلم بهم، والأقدر على تقدير شرورهم.

ما كل كلمة من العلم يقولها كل إنسان. وقديما قالوا:

رب كلمة تقول لقائلها دعني. ورب لبسة تقول للابسها اخلعني..

عقول العقلاء وقلوبهم معكم. وهم إذ ينتظرون أن يقول القول الفصل، من هو في مقامكم، يعلمون أنهم ليس لهم أن يتقدموا مثلَكم بقول في مثل هذا القول..

وكيف يقولون؟؟ وهم أولى بمعرفة: رحم الله امرأ عرف حده فوقف عنده!!

وكيف يقولون: والفضاء ظلمة وبرد وريح ومواء قطط وعواء ذئاب..!!

أعانكم الله. سددكم الله. أيًدكم الله. أجرى الله الخير على أيديكم...

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 1071