هل سقط في أيدي من كانوا يسوّقون تهمة معاداة السامية بعد إبادة الكيان الصهيوني الجماعية لأهل غزة

هل سقط في أيدي من كانوا يسوّقون تهمة معاداة السامية بعد إبادة الكيان الصهيوني الجماعية لأهل غزة أم أنهم سيظلون على غيهم ؟؟؟

مضت على البشرية عقود منذ نهاية  الحرب العالمية الثانية ، وتهمة  أو" طابو " معاداة السامية تلاحق كل من  تحدثه نفسه بتوجيه أدنى انتقاد لسلوك الإثنية اليهودية ،وإن كان هذا السلوك يقتضي النقد ، علما بأنه لا عصمة لبشر مهما كان إلا إذا كان من الأنبياء والرسل صلوات الله عليهم أجمعين .

ومعلوم أن هذه التهمة التي وجهت إلى النازية الألمانية ، قد عممها من كانوا يسوقونها من يهود ، وغيرهم على سائر البشر . وبهذه الذريعة استنبت الغرب الكيان الصهيوني في أرض فلسطين التي شُرّد أهلها  من أجل توطين اليهود المُهّجرين إليها من كل أصقاع العالم، خصوصا من بلدان  القارة العجوز التي عاشوا فيها قرونا طويلة تحت اضطهاد أهلها . ولم يكن اضطهاد النازية لليهود بدعا في تلك القارة ، ولا حاجة لسرد فصول ذلك الاضطهاد في القرون الوسطى ، وإلى غاية العصر الحديث . وعوض أن يعوض اليهود عما لحقهم من اضطهاد نازي بتوطينهم في ألمانيا ، وفي دول أوروبية أخرى، وُطّنوا في أرض فلسطين ، التي لا زال اضطهاد أهلها  من طرف اليهود مستمرا لثمانية عقود ، وهو اضطهاد لا يقل شراسة وضراوة عن الاضطهاد النازي ، وربما تعلم الصهاينة منه أساليب أخرى ، وزادوا عليها كما هو الحال اليوم في قطاع غزة المكتسح عسكريا ، والمدمر تدميرا شاملا ، وقد أبيد أهله إبادة جماعية تقتيلا وتجويعا .

ولقد أفاقت شعوب العالم، ومنها العالم الغربي بشطريه الأوروبي والأمريكي من غفلتها  بسبب هذه الإبادة الجماعية ، وأخذت تسيّر مظاهرات مليونية في عواصم بلدانها ، وهي التي  ظلت  لعقود منذ  نهاية الحرب العالمية الثانية تحذر انتقاد ما يرتكبه الصهاينة من  جرائم ضد الشعب الفلسطيني المحتلة  أرضه  منذ سنة 1948 خشبة متابعتها بتهمة  أو "طابو" معاداة السامية ، وويل لمن رمي بهذه التهمة الخطيرة ، فإنه تلاحق في كل شبر من المعمور ، وتشوه سمعته إن كان ذا سمعة فيلسوفا أو مفكرا أو أديبا أو سياسيا ...كما كان حال الفيلسوف الراحل رجاء جارودي الذي فضح الأساطير التي اعتمدها الصهاينة لاحتلال أرض فلسطين ، وهي أساطير مستلهمة من التوراة المحرفة ، ومن التلمود الموضوع .

ومعروف عن الإثنية اليهودية أنها بحكم عقيدة التيه  ، وانتشارها  في كل بلاد العالم أن من طبيعتها  التماهي مع ثقافات وأعراف  الأقطارالتي تحل بها ، وأنها تتغلغل في أعراقها وتقاليدها وثقافتها ، ولها من الدهاء ما كان يمكنها من احتلال أو تبوأ مراكز المال والقرار ، وكانت تحمل جنسيات الأقطار التي تحل بها ، وتحت غطاء  تجنّسها، كانت تصل إلى مراتب ومناصب حساسة  لصنع القرار السياسي . ولقد استطاعت في العصر الحديث أن تملك رؤوس الأموال الضخمة التي مكنتها من وضع يدها على الإعلام  العالمي ، وعلى السياسة المهيمنة في العالم . وعن طريق هذا الإعلام المتوحش، استغفلت شعوب العالم الغربي ، وصارت تتحكم فيها ، فلا  ترى إلا ما تريها ، ومما أقنعتها به " طابو " معاداة السامية التي ارتزقت به الصهيونية  أيما ارتزاق ، ووظفته لابتزاز القادة  والشعوب في الغرب الذين صاروا  ينفقون على كيانها المستنبت في أرض فلسطين الأموال الطائلة  بسخاء، وبلا حدود ، وبلا شروط . ولقد صنعت الصهيونية  العديد من المفاهيم المغلوطة من قبيل الإرهاب الإسلامي ، والإسلاموفوبيا ....  التي أقنعت به القادة الغربيين ، وسواد شعوبهم ، وبتحوير تلك المفاهيم ظفرت الصهيونية بتزكية الغرب قادة وشعوبا لاحتلالها أرض فلسطين، وكان ذلك  عبارة عن تكقير عما ارتكبته النازية ضد الإثنية اليهودية ،بل  صارثمنا أو ضريبة أبدية .

ومع تصاعد إدانة الشعوب الغربية لجرائم الإبادة الجماعية في غزة معترضة على دعم قادتها للكيان الصهيوني ، خرج المجرم نتنياهو قبل يومين  على الإعلام ليزعم أن ثمانين في المئة من الشعب الأمريكي ،لا زالت تؤيده ، وهو ما يعني إن صح ادعاؤه  أن هذه النسبة من الأمريكيين لا زالت تحت التخدير الإعلامي الصهيوني ، علما بأن الغرب بشطريه الأوروبي والأمريكي، لا يسمح  بنقل ما يجري في غزة إعلاميا لشعوبه ، وهو يزور حقائق  ما يقع هناك عن طريق الكذب، والتزوير، والتلفيق ، ويقدم الجلاد الصهيوني لتلك الشعوب المخدرة إعلاميا كضحية ، بينما  يقدم لهم الضحية الفلسطينية  جلادا ، ويلاحظ ذلك بجلاء لمن يتابع الأخبار عبر المحطات العالمية التي يديرها اللوبي الصهيوني  مباشرة أو من وراء كواليس .  

وإذا صحت  نسبة الأمريكيين الذين لا زالوا يؤيدون الكيان الصهيوني على حد زعم مجرم الحرب نتنياهو ، فإن عشرين في المئة الباقية أصبحت  تدينه كأشد ما تكون الإدانة ، وقد تأكدت من أنها كانت ضحية التضليل الإعلامي الموجه صهيونيا ، وباتت اليوم تعرف حقيقة القضية الفلسطينية ، وكيف احتل الصهاينة أرض فلسطين .  وفي المقابل باتت النسبة التي يدعي المجرم الصهيوني أنها تؤيده في حالة شرود عالميا ، وعليها أن تقنع بقية شعوب العالم بالمبرر يدعوها للاستمرار في دعم كيان عنصري يعتبر أصحاب الأرض التي احتلها مجرد حيوانات بشرية يجب أن تباد  حتى باستعمال قنابل نووية ، وتجتث من أرضها ، وهو يرتكب إبادة جماعية في حقها تقتيلا ، وتجويعا ، وقد حول عمرانها إلى دمار وخراب .  

ولا تختلف نسب من لا زالوا يؤيدون الإجرام الصهيوني في الدول الأوروبية عن  نسبة من يؤيدونه من الأمريكيين ، فعليهم أيضا أن يبرروا لشعوب العالم تأييدهم له ، وإن فعلوا فسيحاكمهم ما يدعونه من قيم إنسانية  يفاخرون بها . ولقد استغرب أحد الفرنسيين  في لقاء متلفز خاص بانتقاد  سياسة الرئيس الفرنسي الحالي كيف تستهجن المجتمعات الأوروبية ، ومنها المجتمع الفرنسي التصرفات العنصرية ضد بعض لاعبي كرة القدم في الملاعب الرياضية ، ولا تحرك ساكنا أمام الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني ، ولا يدان قادة الكيان الصهيوني بالعنصرية ،وهم الذين  اعتروا الفلسطينيين مجرد حيوانات ، واستباحوا بذلك أرواحهم ودماءهم وأعراضهم  ؟

لا شك أن ذهنية العالم ستتغير بعد هذه الإبادة الجماعية الرهيبة التي تحدث الآن في قطاع غزة ، وستصحو الكثير من شعوب العالم من تنويم الإعلام الصهيوني لها ، والذي ضللها لعقود، ولا زال يراهن على ذلك لحد الساعة . وسيحدث انقلاب كبير في القيم الغربية التي  تمثل اليوم  حاضنة للكيان الصهيوني ، وتسوق لذريعة  " طابو" معاداة السامية ،لأن  هذه السامية أقامت على نفسها حجة دامغة ، لا يمكن دحضها بأنها سامية عنصرية وعدوانية  قد تجاوزت عدوانيتها العدوانية النازية والفاشية ، وعدوانية كل الأنظمة الشمولية في العالم  بل صارت هي على رأس تلك الأنظمة .

وعلى الفلاسفة والمفكرين  الغربيين الذين أوجعوا رؤوسنا بفلسفاتهم وأفكارهم المباهية بقيم  الحضارة الغربية أن يطلعواعلينا بفلسفات وأفكار أخرى تعبر عن مرحلة  ما بعد الإبادة الجماعية في قطاع غزة ، والتي تقتضي منهم تجاوز تلك القيم إلى قيم  بديلة، يجب أن تسود هذا العالم الذي بلغ عبث اللوبي الصهيوني به  حدودا غير مسبوقة من قبل . وعلى العالم أن يعي جيدا بأنه لن يكون بخير ما دام هذا اللوبي الماكر يعبث به ، وقد صار أخطبوطا متغلغلا في كل مجالات الحياة في هذا العالم .

وعلى علماء الدين المسلمين عندنا الذين لا زلوا يلتزمون الصمت إزاء ما يحدث في غزة ، وأعني المترسمين منهم أن يغادروا صمتهم ، وأن يتركوا الانشغال بما يشغل الأمة عن واجب نصرة المسجد الأقصى المبارك ، وأن يحذوا حذو أقرانهم الذين ندبوا أنفسهم لأنكار منكر الإبادة الجماعية، وإلا ورطوا أنفسهم بسكوتهم على إجرام الكيان الصهيوني مع من يؤيدونه من الأنظمة العربية التي يخشونها ، ولا يخشون خالقهم الذي انتدبهم للجهر بإنكار المنكر ، وهم يعلمون أن من يتولى الصهاينة ، فإنه  يصير منهم بصريح الآية الكريمة : (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء  بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين)) . وأي ظلم أكبر من سكوت العلماء الذين  حملوا أمانة قول الحق مهما كان مرا على منكر الإبادة الجماعية، مقابل رسوم تدفع لهم من أجل إخراسهم  ؟  وما قيمة علماء يقايضون وراثة الأنبياء بعرض الدنيا الزائل ، وبالخوف من المخلوق دون  الخوف من الخالق جل في علاه ؟ 

وسوم: العدد 1072