عقيدة روبيو: إطراء هتلر مشروع ونقد إسرائيل محرّم

نشر الموقع الرسمي لوزارة الخارجية الأمريكية حواراً مع الوزير ماركو روبيو، حول إجراءات تعزيز حرية التعبير والحدّ من الرقابة على الرأي في الولايات المتحدة. وكان مقدّراً للحوار أن يمضي كواحد من أنساق تلميع روبيو وتبييض المزيد من صحائفه السود في مجلس النواب الأمريكي ضدّ بلده الأمّ كوبا، وانحيازه المطلق لدولة الاحتلال الإسرائيلي؛ لولا أنّ المحاوِر لم يكن سوى مايكل بينز، صاحب حساب «لعبة الشهرة» اليميني المتطرف الذي سبق أن امتدح أدولف هتلر، وتفاخر بذلك علانية.

وإذا لم يكن غريباً أن يطري بينز مسعى روبيو لإغلاق المنصات التي ترى ضرراً على الرأي العامّ في أن يُمتدح هتلر مثلاً، فالعجيب، في المقابل، أنّ بينز يهودي بالولادة ولكنه يُعلي أراءه اليمينية والمعادية للسامية على هويته الدينية؛ فيعتنق مقولة «التأثير اليهودي في الغرب»، ويتهم اليهود بأنهم قادة أوركسترا النظرية الشهيرة حول الاستبدال العرقي للشعوب والجماعات!

وكي لا تبقى مواقفه اليمينية المتطرفة والعنصرية معلّقة في فراغ نظري، شاء بينز وضعها ضمن سياقات أمريكية ملموسة تماماً، فأطلق مديح هتلر على هامش تظاهرة دعاة التفوّق الأبيض الشهيرة، في شارلوتسفيل صيف 2017. يومذاك تفاخر بأنه «اليهودي، ابن السبط، والمدرسة العبرية، الذي يمكن أن أقرأ كتاب (كفاحي) وأهتف: يا إلهي كم احتوى على نقاط محترمة ولائقة»؛ كي يستنكر ما أسماه «مذبحة العرق الأبيض الجارية في طول العالم وعرضه».

بذلك فإنّ عقيدة روبيو الراهنة، وهي بالطبع مجرّد امتداد في وزارته لسياسات سيّده في البيت الأبيض، تقول بوضوح فاضح صفيق: إطراء هتلر مسموح ومشروع، ويدخل في نطاق حرّية التعبير والرأي؛ ولكنّ نقد دولة الاحتلال الإسرائيلي أو التضامن مع ضحايا الإبادة الجماعية في قطاع غزّة، ليس محرّماً ومحظوراً فقط، بل يستدعي طرد الطلاب من الجامعات وسحب تأشيرات الإقامة، والإحالة إلى القضاء بتهمة العداء للسامية بالنسبة إلى مواطن أمريكي يستحيل طرده أو إلغاء إقامته.

ليس أقلّ طرافة، لأنه في الواقع لا يثير العجب، ذهاب روبيو إلى مديح أقوال نائب الرئيس الأمريكي في ميونخ، على هامش مؤتمر الأمن، وانتقاده لانحدار مستويات حرية التعبير في الديمقراطيات الغربية؛ على القاعدة التالية (التي يذيعها وكأنها اكتشاف!): ما الذي يربط الولايات المتحدة بأوروبا الغربية، سوى «القِيَم المشتركة، ونأمل أن تكون حرّية التعبير هي إحدى هذه القِيَم».

ولكن إذا صحّ بالفعل أنّ معظم الديمقراطيات الأوروبية تقمع مظاهر نقد دولة الاحتلال والتضامن مع الشعب الفلسطيني، كلٌّ على طريقته بالطبع؛ فإنها، ليس بعد على الأقلّ، لم تبلغ شأو إدارة دونالد ترامب في إلغاء الإقامات وسحب التأشيرات وتركيع الجامعات. ويندر، حتى الساعة، أن يتجاسر وزير خارجية في ألمانيا أو فرنسا أو بريطانيا… على التحاور مع يميني متطرف، عنصري يؤمن بالتفوّق العرقي الأبيض، و… يهودي الديانة، لكنه يؤمن بسيطرة اليهود على مقدرات الكون!

إطراء هتلر في أمريكا ترامب المعاصرة لا يخرج، في نهاية المطاف، عن إرث سابق شهد تعاون كبار الرأسماليين في الولايات المتحدة مع الرايخ الثالث؛ الأمر الذي سبق أن فصّل القول فيه كتاب أنتوني ساتن «وول ستريت وصعود هتلر»، ودور المصارف الأمريكية في تمويل المؤسسات النازية بعد الحرب العالمية الأولى، وضخّ الملايين لإعادة تسليح الجيش الألماني قبيل الحرب العالمية الثانية. وإلى جانب المصارف، انخرطت أكثر من 150 شركة أمريكية في تنشيط الاقتصاد النازي عبر استثمارات مختلفة، وكذلك فعلت «ستاندارد أويل» لجهة تأمين النفط؛ وكلّ هذا على نقيض اتفاقية فرساي، لسنة 1919.

لا جديد، إذن، باستثناء أنّ روبيو، صاحب عقيدة هذه الأيام، أشدّ صفاقة في استغفال العقول.

وسوم: العدد 1124