حول مسألة «النصرة» والدعم الخارجي

حول مسألة «النصرة» والدعم الخارجي

ياسر الزعاترة

لم يكن لقمة الدول الثماني أن تخرج بغير ما خرجت به حيال الأزمة السورية حتى لو لم يكن هناك بيان من البغدادي (أمير دولة العراق الإسلامية)، ولو لم تكن هناك بيعة من أمير النصرة (الجولاني) لأيمن الظواهري.

لا يعني ذلك أن ما جرى كان صائبا، بدليل أن أصداءه لم تكن إيجابية في كل الأوساط المعنية بمصير الثورة السورية وانتصارها على الطاغية، لكن حشر الموقف الأمريكي والأوروبي في هذه القضية يبدو شكلا من أشكال التدليس من أجل تبرير الموقف المتخاذل أمام الرأي العام الدولي الذي يتابع مجازر بشار بحق شعبه الثائر.

تعلم أمريكا، وتعلم أوروبا وكل المراقبين في العالم أن هذه ليس ثورة جبهة النصرة، ولا الجيش الحر، ولا سواه من الفصائل، بل هي ثورة شعب خرج يطلب الحرية مثل سواه من الشعوب العربية، وهي مكثت ستة شهور تبذل الدم في الشوارع، وتواجه النظام الدموي بصدور عزلاء، قبل أن تضطر اضطرارا لحمل السلاح دفاعا عن النفس، وهم يذكرون تماما قول فاروق الشرع أن النظام كان يتوسل في الشهور الأولى ظهور مسلح واحد كي يصم الثورة بالإرهاب.

هم يعلمون أيضا أن أحدا لن يتمكن من فرض نفسه وخياراته على الشعب السوري، وسيكون من حق الشعب أن يحدد وجهته بالطريقة التي يريد أسوة بالشعوب الأخرى التي ثارت على طواغيتها، وليس لأحد أن يفرض الوصاية عليه، إن كان من الشرق أو الغرب.

ثم إنهم يعلمون أن الأعراف الدولية لا تتهم من يساند شعبا بقاتل من أجل حريته بالإرهاب، بدليل أنهم هم أنفسهم من كانوا يعتبرون المجاهدين العرب في أفغانستان ضد الغزو السوفييتي مقاتلين من أجل الحرية، بصرف النظر عن الحواضن التي جاؤوا منها.

إن الموقف الأمريكي والغربي كان طوال الوقت مساندا للرؤية الصهيونية حيال الصراع في سوريا، وهم لم يكتفوا بعدم دعم الشعب السوري، بل أضافوا إلى ذلك ضغوطا ضخمة من أجل الحيلولة دون تسليحه بالسلاح النوعي من قبل الداعمين، بحجة الخوف من وقوع تلك الأسلحة في يد جماعات تصعب السيطرة عليها، ودائما في سياق من الخوف على المصالح الصهيونية، وها هم يرقّ قلبهم على الإشكالات التي تقع قرب الجولان لذات السبب.

لا أحد ينكر الجهد الذي بذلته جبهة النصرة في الذود عن الشعب السوري أمام آلة القتل والإرهاب التي يستخدمها النظام، وعندما يتعرض شعب لمثل ما تعرض إليه الشعب السوري، فمن الطبيعي أن يمنح حاضنة لمن جاء يقاتل دفاعا عنه، واضعا روحه على كفه، من دون أن يسأله عن خياراته التالية، أو انتمائه لهذه الجهة أو تلك، فضلا عن حقيقة أن أكثر المقاتلين في الجبهة وسواها هم جزء من أبناء هذا الشعب الذين يتحسسون همومه بكل جوارحهم.

في أي حال، فإن قول جبهة النصرة أنها ستتجنب أخطاء دولة العراق الإسلامية، لا يعني غير أنها لن تفرض على الشعب ما لا يريد، ولن تصطدم بقواه الأخرى، وفي أي حال فإن الثورة كانت وستبقى ثورة شعب مهما قيل ويقال عنها في سياق من التزوير أو التبرير.

الآن، وبعد أن حدث ما حدث، فإن المطلوب هو تجاوز هذه القضية، أقله من قبل مجموع الثوار، ومن قبل الجهات الداعمة للثورة، وذلك من أجل صبِّ الجهد في معركة دمشق التي يلقي الطرف الآخر الداعم للنظام فيها بكل ثقله للحيلولة دون دخول المدينة من قبل الثوار.

حين يقول روبرت فيسك المنحاز عمليا للنظام بأن المدينة ستسقط، وإن قال ذلك نقلا عن صديق له، رأى الأمر بعيدا بعض الشيء، فإن ذلك لا يعني غير أن أفق الانتصار قد انفتح على مصراعيه بتشديد الخناق من حول قوات النظام، وهو ما يدفعنا إلى تكرار ما قلناه عن ضرورة توحد الجميع خلف هذه المعركة دون حساسيات فصائلية، مع دعوة أهلها إلى الحراك السلمي، وصولا إلى العصيان المدني الذي يمكن أن يسقط النظام ويجنب المدينة مخاطر التدمير على يد الطاغية.

هذا هو ما يجب التركيز عليه في هذه الأثناء، لأن ما جرى لا ينبغي أن يدفعنا إلى الشك في حتمية الانتصار مهما قيل إن النظام قد استفاد من ذلك، في ظل حملة إعلامية يقوم بها هو وحلفاؤه من أجل استغلال الحدث ووصم الثورة بالإرهاب

تبقى نقطتان يبدو من الضروري التذكير بهما؛ الأولى هي أن أحدا لا ينبغي أن ينسى البعد الخارجي لاستمرار الثورة ممثلا في مواقف الدول الداعمة لها، والتي لولاها، لما كان بوسعها الاستمرار، إذ ليس ثمة ثورة يمكنها التنفس دون رئة خارجية، وفي الحالة السورية تحديدا؛ ما كان لها أن تستمر وتتصاعد لو كانت الحدود التركية مغلقة تماما أمامها (تشبه باكستان في الحالة الأفغانية)، ولو لم تكن هناك دول تمد بالمال والسلاح، وشعوب أيضا. أما الثانية فهي أن على الحوار أن يبدأ ويتواصل فيما بين قوى الثورة وتشكيلاتها السياسية والعسكرية، ومن بينها وأهمها النصرة، فالحوار وحده هو الكفيل ببلورة المواقف والتفاهم على القواسم والأهداف المشتركة، وحل أية إشكالات قد تؤثر في مسار الثورة ومصيرها ومآلات الوضع بعدها.