إلى قيادات الإخوان... إلى متى هذا الهوان ؟

إلى قيادات الإخوان...

إلى متى هذا الهوان؟

حازم سعيد

في كل مرة يستدعينا الإخوان إلى حدث جلل ، ونخرج متجردين من الأسلحة ، ثم نتشرذم بلا قيادة ميدانية واضحة ، ونؤمر بضبط النفس لأقصى درجة ، ولو ضربنا خصمنا على الخد الأيمن فلندر له خدنا الأيسر ، ولو قتلنا ونزفت دماؤنا ونحن نعلم يقيناً أنها فى سبيل الله ، ولو قتلنا فلنصبر ولا نقم برد فعل . 

ثم فعلاً نقتل ونسحل ونصبح مثاراً للسخرية من كافة الفصائل المعارضة ، ويتعاملون على أنهم " مرمغوا " رؤوسنا فى التراب وأذلونا وسقونا الهون ، ثم هذه الدماء التي تقتل وتسفك عند الاتحادية ثم عند المقطم في رقبة من ؟ ثم في موقعة المقطم الأخيرة ، أين الاستفادة من جولة الاتحادية لأحداث المقطم ولماذا العشوائية على الأرض وعدم اتخاذ التدابير والإجراءات الوقائية فى مثل هذه المواقف ؟ فإلى متى .. نسقى الذل والهوان ولا نرد .. إلى متى هذا الهوان ؟

كانت هذه أهدأ وأضبط لغة صدرت من كثير من الشباب وأبناء الصف الإخواني الذين حضروا المشهد العنيف الذي لجأت إليه جبهة الدمار المنحرفة هي وأشياعها وأتباعها من المجرمين ، أو تابعوه عن بعد من خلال الفيس بوك أو الإعلام الأخرس الذي لطم وبكى وانتحب من أجل صفعة لسبابة شتامة ، ولم يتحرك له ساكن عند دماء الإخوان المهدرة بل وأذاعوا أفلام ومسلسلات فى عز سخونة الأحداث .

تصاعدت حدة اللغة من البعض الآخر ، وارتفع صوت النقد من بعض الشباب الإسلامي المتحمس سواءاً داخل الإطار الإخواني التنظيمي أو خارجه أن لكم فى القصاص حياة ، وأن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف ، وأنه لابد من رد العنف بعنف ولنذهب للإنتاج الإعلامي وإلى حيث يسكن رموز المخربين من أمثال البرادعي وحمدين وحازم عبد العظيم وغيرهم ... 

لنا مع أحداث المقطم وهذه العناوين التي أثرت بعضها فى المقدمة مجموعة من الوقفات التي أسأل الله أن ييسرها لي ويعينني على اختصارها .. وهو سبحانه الموفق والهادي لصالح الأعمال ، ولا يهدي لصالحها إلا هو ...

أولاً :  سلامة الإجراءات أم صواب القرار وصحته :

وهي نقطة مفصلية وأشبه بالتمهيد الطويل جداً لهذه المقالة ، حيث أن الذي يهمنا ترسيخه أننا نتحدث حول قرارات اجتهادية تنبني على فقه المصالح والمفاسد ، والذي تتفاوت الرؤى فى تقديرها ( المصالح والمفاسد ) حتى لو كان بين طبقات أهل القرار ، أو أهل الحل والعقد ، أو العلماء المنوط بهم تقديرها ..

مثل هذه القرارات أعتبره نوعاً من ضيق الأفق ، وقلة الفهم أن يحجر أحدنا على الآخر فهمه وتقديره للأمور ، ونظرته لها ، وأن يرتفع صوت النكير من أحدنا على الأخر فى فهمه وتقديره للموقف .

فمثل هذه الاجتهادات أحسب أن الأحكم هو أنه لا إنكار فيها ، إلا أننا فى المقابل - ولأننا منضبطين بأطر عمل جماعي - فلابد لصوت أن يعلو على الآخر ويتبعه الجميع ، لأننا لسنا فى كيان أدبي اجتماعي ، بل نحن فى دعوة إسلامية عملية جهادية شاملة ، فلابد لها من قرار وعمل ، حتى لو خالف قناعتي .

والذي يهمني هنا أنا فرد الإخوان هو أن أطمئن لسلامة الإجراءات التي اتخذ بها القرار ، وأنها راعت الشورى الملزمة داخل الجماعة ، وأن المعطيات التي بناءاً عليها اتخذ صاحب القرار قراره كانت معطيات صحيحة وسليمة وتبعاً لبيانات دقيقة ، ورؤية مستقبلية واضحة ، ومن قبل هذا كله أنها لا تخالف الشرع الحنيف فلا تحل حراماً ، أو تحرم حلالاً ، أو تنتهك حرمة ... فإذا توافرت هذه الضمانات ، وكلي يقين وثقة أنها متوافرة في قضية اجتهادية ، حيث طالما رأيت متخذ القرار حين يشكل عليه الأمر يوسع دائرة القرار فيشاور مجلس الشورى العام ويعطيه صلاحية اتخاذ القرار لأنه يعجزه ، وحين يشكل الأمر على الجميع فإنهم يتوقفون ويفزعون للملك القدير علام الغيوب بين قارئ للقرآن وبين ناصب قدميه بالقيام وبين رافع أكف الضراعة أن يعينه الله رب العالمين حتي يصدر القرار بما فيه الخير للأمة كلها .. وذلك كله بعد استفراغ الوسع والجهد فى جمع البيانات ورصدها وإحاطة الأمر دراسة وبحثاً من جميع جوانبه .

فليس المهم عندي أن يكون القرار صواباً ، بقدر ما يهم أن تكون الإجراءات والوسائل المؤدية إليه على أسس سليمة وشرعية وواضحة واتخذت أقوم طرق الضبط والتحري والاجتهاد للوصول للصحة وللصواب .

وليس هناك تلازم بين سلامة الإجراءات ، وصوابية القرارات المتخذة بعدها ( وأنا هنا أعني بالصحة والصواب تحقق آثار القرار التي كنا نرجوها ونؤملها ) ، ولنا فى ذلك أسوة مواقف من السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلوات والتسليمات ، انظر لموقف النبي الكريم صلى الله عليه وسلم وهو ينزل على رأي الشورى عند الخروج من المدينة لملاقاة الكفار في غزوة أحد ، رغم علمه صلى الله عليه وسلم أن المدينة هي الحصن الحصين ورؤياه التي سبقت الشورى حول هذا المعنى ، ولا يتبع ما يراه هو صحيحاً ، وهو النبي المعصوم صلى الله عليه وسلم ، وينزل على رأي الشورى .

الذي يهمني هنا بعض نقاط : الأولى : أن أخفف حدة النقد والإنكار بين صاحبي الموقفين فى كل مسألة فيها من اجتهادات الأمور ما يصلح لجعل الخلاف فيها سائغاً معتبراً

والثانية : أن مثل هذه المسائل التي يعترف الجميع بأنها ليس فيها خطأ مطلق أو صواب مطلق وليس فيها ما يخالف الشرع مخالفة صريحة وواضحة ، حيث هي اجتهادية فلابد فيها من النزول على رأي القيادة والانصياع لها .

ثم الثالثة : أن تنعدم لغة العتاب ، فليس هذا هو النمط الذي تربينا عليه داخل الإخوان أن يلوم الجندي القائد ، وتزداد وطأة العتاب واللوم حين يكون فى مسألة اجتهادية تقديرية  ، ولنا فى موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه في موقف الأسرى خير عظة ، وكان رضي الله عنه يرى رأياً أخذ بخلافه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم والصديق أبو بكر رضي الله  عنه ، ثم لما عوتب نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم إذا بالجندي عمر رضي الله عنه يبكي لبكاء قائده صلى الله عليه وسلم ، ولم يقل له : مش قلتلك ، أو أنت اخطأت .. حاشا وكلا .. إنه الأدب بين القائد والجندي .

وأزعم أنه لو صح العتاب فإنه يصح إزاء من يطلق الصيحات وهو داخل الجماعة ويتبنى ردود فعل دون الرجوع لقيادتها ، لأن في مثل هذا التصرف - مهما صحت الغايات - انفراط عقد الجماعة وضياع ما تقوم عليه من مقاصد ووسائل وإجراءات لحفظ الدين وعودة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة الأولى .

ثانياً : هل هدوء الإخوان وضبط النفس ضعف وهوان ؟

ولكي نجيب على هذا الأمر لابد لنا من استعراضه من مجموعة جوانب :

1. لفتة في معنى الاستضعاف :

عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال : ( شكونا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا ؟ ألا تدعو الله لنا ؟، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ:  كان الرجل فيمن قبلكم ، يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه ، فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب ، وما يصده ذلك عن دينه ، والله ليتمن هذا الأمر ، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه ، ولكنكم تستعجلون ) رواه البخاري .. وفي رواية أحمد قول خباب : (  شكونا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة ، فقلنا يا رسول الله ألا تستنصر الله تعالى لنا ؟ ، فجلس محمرا وجهه (  .. .

والشاهد من هذا الحديث أن الابتلاء قدر وضرورة لابد أن يمر بها أصحاب الرسالات ، ومنها قول الله تعالى : " ألم ، أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون" .

ولا يقال أن الآية والحديث يطلقان على حالة الاستضعاف ، التي يظن كثير من الناس أنه خرج عنها بتولي الرئيس مرسي لرئاسة مصر ، وأنا شخصياً أختلف مع هذه الرؤية ، حيث أن الاستضعاف له أشكال وألوان ، أحسب أن أخطرها ألا تجد لك نصيراً أو معيناً وأنت تحكم مصر من فصيل أو مذهب أو شرطة أو قضاء أو مفاصل الدولة الحيوية .

وحين راودتك نفسك وحدثتك أن تصلح جزءاً هشاً يسيراً نادراً من بعض مناصب فى الدولة لتبدأ أجندتك الإصلاحية ، إذا بمن يظن به أنه حامل للمشروع الإسلامي معك ، إذا به هو الذي يقف ضدك وينتقدك ويفضحك ويشهر بك ويطلق مصطلحات وتهويمات يمنة ويسرة عن الأخونة والتغول في مفاصل الدولة . أوليس هذا استضعافاً ؟

إن من يقبض عليه أو يعتقل من الجناة يخرج سليماً أو بريئاً فى نفس اليوم وبعد سويعات قليلة جداً من القبض عليه ، وليس ذلك إلا لأن أغلبية جهازي الشرطة والقضاء ضدك وبشكل فج ، أوليس هذا استضعافاً ؟

إن بعض الناس ممن احتجز بينهم شباب الإخوان في مساكنهم هرباً من البلطجية ، كادوا أن يسلموا هؤلاء الشباب خوفاً على أنفسهم وأرواحهم من البلطجية ولم تحركهم الشهامة ولا النخوة للتفكر والتدبر في الأمر ، أوليس هذا استضعافاً ؟

إن كثيراً من الناس يسألونك انصياعاً وراء الإعلام وتقليداً له بخوفٍ وتشنجٍ ، ماذا ستفعلون في القضية الفلانية حتى تطبقوا الشرع ؟ هل حقاً ستمنعون الخمر ؟ هل حقاً ستمنعون الرقص والغناء وتغلقوا الكازينوهات ؟ وهل .. وهل .. مما هي قضايا شرعية فيها أقوال فاصلة في الحلال والحرام ، ورغم ذلك يسألونك وهم فزعين خائفين ، أليس هذا استضعافاً ؟

2. ماذا لو انتفض الإخوان وأخذوا القصاص بأيديهم :

تعالى لنتحدث عن أن الإخوان هبوا وانتفضوا وردوا الاعتداء عنفاً بعنف ، انظر بمعايير العقل والمنطق للآثار السلبية ، وأنت هنا تنظر لمآلات الأمور ، وتقدر لواقع شعب وأمة جرفت وشوهت حتى أصبحت تصدق كل ما تسمعه من إعلام كذوب فجور .

إن الإعلام انتفض حين صفعت سبابة شتامة لعانة معتدية بالشتيمة والضرب على رجل صالح ، فلما رد لها الضربة شوه تيار بأكمله اسمه الإخوان ، والناس يصدقون .

إن إعلاماً ينسب للإخوان جرائم – وهم المجني عليهم – لم يقوموا بها من قتل المتظاهرين يوم الجمل ، أو قتل أبناء الإخوان عند الاتحادية فى مهزلة وسخافة من القول والفعل ، لهو جدير بأن تأخذ حذرك واحتياطك منه ، وأنت تعلم أنه يتآمر مع عناصر كثيرة لصنع انتهاكات يريد أن ينسبها إليك ، فما بالك وأنت تمكنه من نفسه بأن ترد العنف بعنف ، والناس ينجرفون وراءه ويصدقونه في وقت أنت تحتاج فيه لقناعة هؤلاء السذج والمخدوعين والمنجرين وراءه انجراراً أعمى .

واعتبار مآلات الأمور التي أتحدث عنها لها دلالتها الشرعية والعقلية ، وانظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبرر سبب إحجامه عن بناء الكعبة على قواعد إبراهيم في الحديث الذي أخرجه البخاري فى صحيح بسنده عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها : " يا عائشة ، لولا أن قومك حديث عهد بجاهلية لأمرت بالبيت فهدم ، فأدخلت فيه ما أخرج منه ، وألزقته بالأرض ، وجعلت له بابين ، باباً شرقياً وباباً غربياً ، فبلغت به أساس إبراهيم " . 

قال الحافظ ابن حجر تعليقاً على هذا الحديث : لأن قريشًا كانت تعظم الكعبة جدًا، فخشي صلى الله عليه وسلم أن يظنوا لأجل قرب عهدهم بالإسلام أنه غيَّر بناءها لينفرد بالفخر عليهم في ذلك ، ويستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة . ( فتح الباري )

فترك النبي صلى الله عليه وسلم مصلحة بناء الكعبة على قواعد إبراهيم عليه السلام دفعًا لمفسدة راجحة.

وانظر إليه صلى الله عليه وسلم فى الموقف الأقرب لأحداثنا هذه ، وهو يتحدث عن سبب رفضه لقتل المنافقين الذين يعلم عنهم ( وهو النبي الموحى إليه ) أنهم منافقون : ويتحدث صلى الله عليه وسلم مع أصحابه عن أنوفٍ أنها سترعد لهم لو قتلوا ، ويقول صلى الله عليه وسلم : أتريدون أن يتحدث العرب أن محمداً يقتل أصحابه ؟ ...

هذا كله على جانب التلاسن فقط وليس على جانب الفعل والعمل ، وهو الأمر الأخطر حين تنقلب مصر إلى ميليشيات وموجات عنف ، يهاجمك خصومك ويسحلونك عند دارك لتبدأ موجة انتقام فتذهب إليهم عند مدينة الإنتاج الإعلامي ، فتسحل إعلامياً أو تنتهكه ليقيم الدنيا المأجورة ولا يقعدها ، ويا سلام لو واحد من المخربين اندس فى الصفوف فآذى هذا الإعلامي الفاسد وقتله ، حينها تقوم رحى حرب أهلية لا تتمناها ، ولا يتمناها عاقل مخلص محب لوطنه ، هذه ملامح صورة قليلة عن من ماذا لو رد الإخوان عنفاً بعنف ، وسعوا للقصاص بأيديهم ، وهم يقدرون ، ولكنه ضبط النفس والحكمة والهدوء .

3. ماذا يريد الإخوان بهدوئهم وضبطهم لأنفسهم وتحليهم بهذا الصبر الطويل ؟

وهذا هو بيت القصيد ، ومن يتدبر الأمر يعلم أن الإخوان ليسوا جماعة رد فعل ، بل إن لديهم ثوابت واضحة فى الفكر والرؤية .

ولديهم غايات شريفة يلتمسون إليها الوسائل السليمة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً . ولديهم أهداف عظمي يصبرون ويثابرون من أجل تحقيقها حتى لو انتهكوا وعذبوا وقتلوا فى الماضي ، وشتموا وسحلوا وانتهكوا فى الحاضر ، ولا يصرفهم شئ عن عزيمتهم .

ومن أحسن ما قرأت فى توصيف عقلية الإخوان خلال اليومين الماضيين تدوينة للكاتب عادل فهمي تحدث فيها عن عقل الإخوان ، وكان مما ذكر فيها : أن العقل الإخواني عقل جمعي منظم لا يتصرف بردة الفعل ولا بالانتقام ولكن وفق المصلحة وتقدير كل حالة بقدرها ... إلى آخر تدوينته التي أرفقها في آخر المقالة بإذن الله .. وهي جميلة نفيسة أتمنى من كل أخ أن يقرأها . وقد ختمها ختاماً موفقاً بقوله : " لذلك لا تراهنوا على استفزاز الإخوان وجرهم لحرب شوارع.. لأنهم يركزون على الأهداف وتحقيق المصالح وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام " .

والإخوان لا ينظرون تحت أقدامهم ولا يقيسون الأمور بموقف عاجل ، بل هو مشهد طويل يريد فيه خصومك أن يجروك إلى حالة من العنف والعنف المقابل ، لجر البلد لمشهد من الفوضى ، فهم بوقوفهم وحمايتهم لمقراتهم ، منعوا مشهد فوضى كان كفيل باجتثاث البلد من جذورها وتعطيل اتجاه البلد للمؤسسية التي تتيح للشعب أن يختار مصيره ولا تعيد الحاكم الفرد المتغول الفرعون من خلال آليات واضحة تبدأ بالانتخابات ثم تشكيل حكومة بما يعنيه هذا من استقرار يؤدي لبداية تنفيذ مشروع النهضة ، وقدرة الرئيس مرسي على السير بهذا البلد وحل مشكلاته ، بل والنهوض به بين الأمم ، لذا فإن عدم الرد عليهم هو من أكثر ما يغيظهم ، لأنك لم تستدرج إلى هذا العنف وهذه الفوضى  .

فعلي كل فرد أن يعلم أن ضبط الإخوان لأنفسهم وهدوءهم وسكوتهم عن الرد العنيف ، كل ذلك يغيظهم أكتر مما تتخيلون ، ولو رددنا عليهم واستدرجونا للعنف فلن تتخيلوا مدى فرحتهم حينها  .

ثالثاً : لابد من إجراءات فى المسار القانوني والحزبي واضحة :

ولا يفهمن أحد من كلامي السابق أني أقول لا يتخذ الإخوان إجراءات ، وإنما أنا فقط أعترض على الرد بعنف ، أو اللجوء للقصاص على يد الشباب ، أو الاستجابة لأي ردود فعل غير منظمة ولم تأمر بها القيادة ، فلسنا نتحرك بسياسة رد الفعل ، ولسنا كيانات هشة كي يتخذ الجنود قرارات فردية وينفذونها دون اللجوء للقيادة .

وأؤكد أنه ينبغي على قيادة الإخوان أن يتخذوا الإجراءات الكفيلة بردع الجناة ، فى كافة المسارات على المستوى القانوني والإعلامي وبإجراءات واضحة ، وكذلك على الحزب أن يتحرك فى متابعة الحكومة ومراقبتها فيما يتعلق بهذه الإجراءات القانونية الحاسمة من قطع دابر البلطجية وحصارهم ، والقبض على المتآمرين وإحالتهم للنيابة والقضاء ، مع الاستمرار في فضح هؤلاء المفسدين ، مع عدم الذهاب إلى طاولة مفاوضات أو حوارات من أي نوع مع مثل هؤلاء المخربين الفجار الذين ذهبوا شططاً فى خصومتهم وفجروا فيها .

رابعاً : مشكلة التخطيط الميداني :

ثم كذلك على قيادتنا الإخوانية أن تتنبه لمشكلة عويصة ، وتتسبب فى احتقان كثير من الشباب ، وهي ضعف القيادة الميدانية في كثير من هذه الجولات ، وخاصة من ناحية التخطيط .

ففي كثير من الأحيان يصدر التكليف للإخوان بالتواجد عند نقطة بعينها ، ولا يتم دراسة آلية الذهاب لهذه النقطة ولا طريقة العودة فيها ، وليس هناك تعليمات بماذا لو ؟؟؟؟

ماذا لو هوجمنا ؟ ماذا لو حوصرنا ؟ ماذا لو اخترقنا ؟ ماذا لو اختطفنا ؟ أو ماذا لو خطفنا واحداً من المعتدين ؟ .... الخ 

ما المطلوب في هذا الموقف ؟ أهو أن نتكتل مثلاً ، فيخشانا من أمامنا ونحن متكتلون ؟ إذن فماذا لو قنصنا بالرصاص والشظايا من حولنا ؟ أنتحصن بأجسادنا ؟ أم نتكتل خلف سواتر ؟ وما هي نوعياتها ؟ هل نجري معهم على الأرض حرب عصابات هم برصاصاتهم ونحن بالطوب والحجارة ؟

ماذا عمن يأتي متأخراً ؟ أيخترق صفوف المعتدين بما يلحقه من ضرر أكيد رأينا مثله بالاتحادية ثم بالأمس عند المقطم ؟ أم يرجع أدراجه من حيث أتى ؟ أم يتواصل مع قيادات وسيطة لا ترد في كثير من الأحيان على هواتفها ، ولا تعرف هي الأخرى ماذا سوف تفعل غير أنها تمركزت في النقطة الفلانية بلا تعليمات ميدانية واضحة بخلاف التمركز ........

هذه عينة عشوائية بسيطة مما أرى أصحابها محقين في طرحهم ، وأرى أن على قيادتنا أن تلتفت إليها لمثل هذه التجمعات ، ومن الآن ، فتصدر سيناريوهات يتدربها الإخوان ويكون عندهم بدائل واضحة وتعليمات على أساس من الفهم والفقه ... فيعرفون أن يتصرفوا في حالة ما إذا حدث كذا أو كذا !

كذلك إشكالية اختيار القيادة الميدانية الوسيطة ، ومعايير القدرة على إدارة الأزمات والصراع اللحظي لابد أن تكون واضحة ، فلا نختار قيادة ميدانية ترفع للمستوى الأعلى بنظارتها هي ، لا بما يحدث على الأرض ، فلا تكون متفائلة تقول أن الدنيا تمام لأنها جالسة في وسط الصفوف حيث المقدمة تشتعل ويتساقط فيها العشرات والمئات ، ولا تسود الدنيا لأنها رأت جريحاً ، والأمر لا يتعدى حادثاً عرضياً .. 

وهذه ليست ملاحظات هامشية ، ولا أخطاء ثانوية ، حيث أنها دماء شباب حر طاهر أبي تحتاج إلى صيانة وحراسة .

خامساً وأخيراً : لا تلوموا الشباب المتحمس : 

أؤكد أنني لا ألوم على إخواننا المطالبين بموقف ورد فعل ، ولمن لم يعجبهم الأداء بالأمس ، رغم اقتناعي بضرورة السلمية وضرورة عدم الانجرار للعنف والفوضى ، وضرورة عدم الانجرار لرد فعل بدون إذن القيادة ، ومن يريد أن يلومهم فلينظر للأخ من الإخوان الذي شعرة من شعرات بملايين ممن كان يضربه أو يسحله ، ومن يريد أن يلومهم فليراجع نفسه ويدرس موقف الصحابة الكرام وعلى رأسهم الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه من بعض بنود صلح الحديبية ، ولينظر كيف أن الصحابة كادوا أن يهلكوا حين تباطئوا عن امتثال الأمر النبوي الكريم بالحلق أو التقصير ، ولم ينفذوا الأمر والتكليف إلا عندما رأوا قدوتهم وسيدهم صلى الله عليه وسلم وهو يفعل ، وعندما امتثلوا كاد أن يقتل بعضهم بعضاً من الغم والحزن وهم يحلقون أو يقصرون شعور بعضهم البعض . وهم خير الأمة وسادة من يضرب بهم المثل في الاقتداء .

وأزعم أن الذي يوقف هؤلاء الغيورين هذه المواقف هي غيرتهم على دعوتهم ودينهم وحرصهم الشديد على الفوز ، فليكن التصحيح والتقويم رشيداً قويماً رقيقاً كما كان يفعل الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم ... أسأل الله لنا ولكم السداد والتوفيق.